واحد من أبرز كتاب المسرح المصري في القرن العشرين، وأول من كتب للسينما المصرية، إنه الفنان بديع خيري الذي شكل ثنائيًا فنيًا مميزًا في التمثيل مع الريحاني، وآخر في الغناء مع سيد درويش، وتميز بمواهبه المتعددة، وحبه للشعر والتلحين والتمثيل، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وحياته.
حياة بديع خيري ونشأته
بديع عمر خيري هو مؤلف مسرحي مصري ولد في 17 أغسطس عام 1893 في حي المغربلين في القاهرة، وهو أحد الأحياء الشعبية، ودخل الكتاب وحفظ القرآن الكريم في سن مبكر.
والده كان يعمل مديرًا لحسابات دائرة الوالد باشا أم الخديوي عباس، وهو الابن الوحيد لوالدته، وله أخان غير شقيقين، وهما محمود ومصطفى.
كانت نشأته في الحي الشعبي سببًا في حبه للموسيقى والشعر، فقد نشأ وهو يستمع إلى الربابة وإنشاد الشعر الشعبي في مقاهي الجمالية والبغالة والإمام الشافعي.
أحب بديع الزجل والشعر في سن مبكر، وكتب أول قصيدة له وهو في عمر الثالثة عشرة، وأنهى دراسته في إحدى المدارس الأميرية في الحي وتخرج عام 1905 في معهد المعلمين.
بعد التخرج عمل بديع مدرسًا لمادتي الجغرافيا واللغة الإنجليزية، كما عمل في هيئة التليفونات المصرية لإجادته العربية والإنجليزية وذلك بعد أن تخرج من مدرسة المعلمين العليا.
في عمر الثالثة عشر كتب أول قصيدة له تحت اسم مستعار وهو "ابن النيل" وكتب قصائده بالعامية في عدة صحف، منها الأفكار، والمؤيد، والوطن، ومصر.
كان بديع يرغب في أن يكون ممثلًا ولكنه لم ينجح في اختبارات الأداء، فأسس فرقة خاصة به اسمها "المصري للتمثيل العصري" وقدم فيه مسرحياته التي يكتبها بنفسه.
تزوج الفنان بديع من سيدة من خارج الوسط الفني، وقد توفيت زوجته قبله، وأنجب منها 3 أبناء، وهم مبدع الذي عمل في المحاماة، والأصغر نبيل الذي تخرج في معهد السينما، وأوسطهم ابنه الفنان عادل خيري الذي أصبح ممثلًا ناجحًا ولكنه توفي وهو صغير بسبب تليف الكبد.
وفاته
توفي بديع خيري في 1 فبراير عام 1966 عن عمر 72 عامًا بعد معاناة مع المرض وذلك بعد وفاة ابنه عادل بثلاثة أعوام.
عانى بديع من مرض السكري الذي توفي بسببه ابنه، وقد تمكن من التوغل في دمه في آخر أيام حياته، وعاش في غيبوبة شديدة حتى وفاته.
مشواره الفني
بدأ الفنان عادل خيري مشواره الفني في كتابة المونولوج، وحصل بديع على 50 قرشًا على أول مونولوج كتبه، وبعد النجاح ارتفع المبلغ إلى 100 قرشًا.
وبعد أن اتجه إلى التمثيل المسرحي قرر كتابة المسرحيات، وقدم أولى مسرحياته التي حملت عنوان "أما حتى ورطة"، ثم أسس فرقة "جمعية التمثيل العصري" وقدم فيها عدد من مسرحياته.
ألف بديع العديد من المسرحيات الناجحة، منها "إلا خمسة"، و"الدلوعة"، و"حكاية كل يوم" و"الشايب لما يدلع"، و"لو كنت حليوة"، و"الستات ميعرفوش يكدبوا"، و"الدنيا لما تضحك" وشارك في التمثيل في بعضها.
أما في السينما فكان بديع من أوائل من كتبوا الحوار في السينما المصرية، ومن الأفلام التي كتبها، "30 يوم في السجن"، و"العائلة الكريمة"، و"مليش غيرك"، و"سي عمر"، و"أبو حلموس"، و"الباشمقاول"، و"أنشودة الراديو"، و"التضحية الكبرى"، و"الياقوت"، وغيرها.
بديع خيري وسيد درويش
تقابل بديع مع الفنان سيد درويش من خلال صديق مشترك، وهو الموسيقي الإيطالي ألبرتو ببياتشي، الذي كان دائمًا يصارحه بأن الموسيقى الشرقية مختلفة فنيًا، ونصحه أن يذهب إلى تياترو جورج أبيض ليستمع إلى ألحان أوبريت فيروز شاه.
وأعجب الموسيقار الإيطالي بالموسيقى، وأصر على مقابل مؤلف هذا الأوبريت، وهو عبد الحليم المصري، وطلب منه أن يكون واسطة التعارف بينه وبين سيد درويش، وتم اللقاء، ومن بعدها لم يفترقا.
كتب بديع لسيد درويش العديد من الأشعار، وقد وصف بديع بأنه صانع ثورة في عالم الزجل، حيث اشتهر بكتابة عدة بحور شعرية في القصيدة الواحدة، وهو مختلف عما كان سائدًا في النظام التقليدي الذي كان يعتمد على بحر شعري واحد في القصيدة كلها.
وقد وصف حسن درويش في كتابه "بديع خيري، الأزجال البديعية والألحان الريحانية: دراسة فنية سياسية اجتماعية" أن أزجال بديع كان أشبه بالتأريخ الواقعي للحقبة الزمنية التي كان يعيش فيها دون تزييف". وقال خيري شلبي أن بديع هو الند الوحيد لبيرم التونسي في كتابة الزجل بنكهة مصرية أصيلة.
من الأغنيات التي كتبها بديع ولحنها سيد درويش، "يا بلح زغلول"، و"أهو دا اللي صار"، و"البحر بيضحك ليه"، و"خفيف الروح بيتعاجب"، و"طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة".
كتب كذلك العديد من القصائد الوطنية، منها أغنية " قوم يا مصري، مصر دايمًا بتناديك.. خد بنصري، نصري دين واجب عليك" التي قدمها الثنائي بديع ودرويش خلال ثورة 1919.
معظم هذه الأغاني التي كتبها بديع أصبحت أغاني تراثية أثرت المكتبة الغنائية المصرية ولا تزال خالدة حتى يومنا هذا يغنيها شباب هذا الجيل.
بديع والريحاني
يعد ثنائي بديع خيري والريحاني من أشهر الثنائيات الفنية، وكانت مسرحية "أما حتة ورطة" التي ألفها بديع عام 1918 سبب لقائه بالريحاني، فقد حققت المسرحية نجاحًا كبيرًا لفرقة جمعية نادي التمثيل العصري، حيث كانت أول مسرحية مصرية خالصة وليست مترجمة عن روايات أجنبية.
بعد شهرة المسرحية قرر أن يذهب لرؤيتها في مسرح الإيجبسيانا ليعجب بها ويسأل عن الكاتب، ليبدأ بعدها رحلة الثنائي الذي قدما معًا أجمل الأعمال الفنية.
في بداية حياته كان بديع يعمل مدرسًا، لذا كان يمثل تحت اسم مستعار خوفًا من أن يتم فصله بسبب عمله بالفن، وقد أخبر بديع الريحاني عن هذا السر، واستمرت علاقتهما لأكثر من 30 عامًا.
لم تقتصر رحلة الثنائي على خشبة المسرح فقط، والتي أثمرت عن عدد من الأعمال منها، إلا خمسة، والدلوعة، والدنيا لما تضحك، ولو كنت حليوة، والشاب لما يدلع، بل وصلت إلى السينما أيضًا في نهاية الثلاثينيات.
حيث قدما معًا مجموعة من الأفلام، ومنها "سلامة في خير"، و"سي عمر"، و"لعبة الست"، و"أحمر شفايف"، "أبو حلموس"، وحتى آخر أفلام الريحاني غزل البنات عام 1949.
وقد وصف بديع علاقته بالريحاني بأنها كالولادة من جديدة، حيث قال عبارة كررها في مذكراته ولقاءاته التلفزيونية والإذاعية، "وُلدت مرتين، الأولى يوم ميلادي، والثانية يوم لقائنا وكلاهما بتاريخ واحد 18 أغسطس".
