حكمت الملكة إليزابيث الثانية، التي بلغت من العمر أكثر من 96 عامًا، ما مجموعه 53 دولة ذات سيادة منذ عام 1952 أي ما يزيد عن 70 عامًا على رأس الحكم، لتصبح أطول حاكم لبريطانيا في التاريخ، وطوال فترة حكمها تمتعت بشعبية كبيرة وعُرفت باهتمامها بالحكومة والسياسية.
حياة الملكة إليزابيث الثانية ونشأتها
إليزابيث الثانية واسمها بالكامل إليزابيث أليكسندرا ماري هي الملكة الدستورية لأربع عشرة دولة من مجموع 53 من دول الكومنولث التي ترأسها، وملكة المملكة المتحدة، وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، ورئيسة الكومنولث.
ولدت إليزابيث في 21 أبريل عام 1926 في مايفير لندن بالمملكة المتحدة، في عهد جدها الملك جورج الخامس، وهي الابنة الأولى للأمير ألبرت دوق يورك، وقرينتها إليزابيث دوقة يورك، التي أصبحت لاحقًا الملكة إليزابيث الأولى.
والدها هو الابن الثاني للملك جورج الخامس والملكة ماري، أما والدتها هي الابنة الصغرى الأرستقراطي الاسكتلندي كلود لاوز ليون.
ولدت إليزابيث بعملية قيصرية في منزل جدها لأمها في لندن، وتم تعميدها من قبل رئيس أساقفة يورك الأنجليكاني، كوزمو جوردون لانج. كانت إليزابيث موضع اهتمام جدها جورج الخامس، حيث كان يحبها كثيرًا، وكانت زياراتها المنتظمة لها أثناء مرضه الخطير سببًا في رفع معنوياته والمساعدة في شفائه.
ولدت شقيقة إليزابيث الوحيدة، الأميرة مارجريت، عام 1930، وتلقت الأميرتان تعليمهما في المنزل تحت إشراف والدتهما ومربيتهما ماريون، وتعلمتا التاريخ، واللغة، والأدب، والموسيقى.
في عام 1950 نشر الكاتب كروفورد سيرة ذاتية يحكي طفولة إليزابيث ومارجريت، وفي الكتاب وصف إليزابيث بحبها للخيول والكلاب، ونظامها، كما وصفها بأنها شخصية محبة للسلطة، والتأمل.
وراثة العرش
خلال فترة حكم جدها الخامس، كانت الملكة إليزابيث الثانية في المرتبة الثالثة في خط خلافة العرش البريطاني، بعد عمها إدوارد ووالدها، وعلى الرغم من تلقيها اهتمامًا كبيرًا من العامة والشعب، ولكن كان من المستبعد أن ترث إليزابيث العرش وأن تصبح ملكة.
في هذا الوقت كانت عمها إدوارد لا يزال صغيرًا، ومن المحتمل أن يتزوج وينجب أطفالًا يرثون العرش ويرث أبناؤه خط الخلافة بدلًا منها.
بعد وفاة جدها عام 1936 خلف عمها إدوارد الثامن الحكم، وأصبحت بدورها الثانية في ترتيب ولاية العرش بعد والدها، ولكن في وقت لاحق من ذلك العام تنازل عمها إدوارد عن العرش بعد زواجه من المطلقة واليس سيمبسون وإثارته لأزمة دستورية.
بعد هذا التنازل أصبح والد إليزابيث ملكًا، واتخذ اسم "الملك جورج السادس" ونظرًا لعدم وجود إخوة ذكور لإليزابيث فقد أصبحت وريثة على العرش. تلقت إليزابيث دورسًا في التاريخ الدستوري، كما تعلمت اللغة الفرنسية، وذلك لتستعد لترث العرش بعد والدها.
دورها في الحرب العالمية الثانية
في عام 1939 دخلت بريطانيا الحرب العالمية الثانية، وبسبب ذلك اقترح اللورد هايلشام أن يتم إجلاء الأميرات إلى كندا لتجنب القصف الجوي المتكرر على لندن، ولكن رفضت والدتهم ذلك، وأصرت على عدم مغادرة أحد.
بقيت الأميرات في قلعة بالمورال في أسكتلندا، ثم انتقلن إلى قلعة وندسور وعاشوا معظم السنوات الخمس التالية فيها.
في هذا الوقت كانت إليزابيث تبلغ من العمر 14 عامًا، ونظمت أول بث إذاعي لها خلال ساعة الأطفال على قناة بي بي سي، وخاطبت الأطفال الآخرين الذين تم إجلاؤهم من المدن، حيث قالت:
"نحاول بذل كل ما في وسعنا لمساعدة البحارة الشجعان والجنود والطيارين، ونحاول أيضًا أن نتحمل نصيبنا من خطر الحرب وحزنها."
في عام 1943 قامت إليزابيث بأول ظهور علني منفرد لها في زيارة إلى حرس غرينادير وذلك بعد أن تم تعيينها عقيدًا، ومع بلوغها سن الثامنة عشرة قام البرلمان بتغيير القانون لتتمكن من العمل كواحدة من خمسة مستشاري دولة في حالة عدة قدرة والدها أو غيابه.
في فبراير عام 1945 تم تعيينها في المرتبة الثانية الفخرية في الخدمة الإقليمية، وتدربت على قيادة السيارة، وحصلت على رتبة قائد فخري.
في نهاية الحرب في أوروبا اختلطت إليزابيث ومارجريت بشكل متخفي مع الجماهير المحتفلة في شوارع لندن، وقالت في مقابلة لها "لقد سألنا والديّ إذا كان بإمكاننا الخروج ورؤية أنفسنا. أتذكر أننا كنا خائفين من التعرف علينا".
ذهبت إليزابيث في أول جولة خارجية لها في عام 1947 برفقة والديها في جنوب إفريقيا، وخلال تلك الجولة بث الكومنولث البريطاني عيد ميلادها الحادي والعشرين، وقدمت تعهدها التالي:
"أعلن أمامكم جميعًا أن حياتي كلها، سواء كانت طويلة أو قصيرة، ستكرس لخدمتكم وخدمة عائلتنا الإمبراطورية العظيمة التي ننتمي إليها جميعًا."
زواجها من الأمير فيليب
التقت الملكة إليزابيث الثانية بزوجها المستقبلي الأمير فيليب في عام 1934 ثم التقت به للمرة الثانية في عام 1937، وكانا أبناء عمومة من الدرجة الثانية.
بعد لقائهما للمرة الثالثة في يوليو عام 1939 قالت إليزابيث إنها وقعت في حب فيليب، رغم أن عمرها 13 عامًا فقط، وشرعا في تبادل الرسائل.
تم الإعلان رسميًا عن خطوبتهما عندما كان عمرها 21 عامًا ولم تخلُ الخطوبة من الجدل، فلم يكن لفيليب مكانة مالية، كما أنه ولد في الخارج ولديه أخوات تزوجن من نبلاء ألمان تربطهم صلات بالنازية.
من أجل زواجه من إليزابيث تخلى فيليب عن ألقابه اليونانية والدنماركية، وتحول من الأرثوذكسية اليونانية إلى الأنجليكانية، وأخذ لقب عائلة والدته البريطانية.
تزوجت إليزابيث في 20 نوفمبر عام 1947، وتلقت 2500 هدية زفاف من جميع أنحاء العالم، ولم تتلقَ شقيقات فيليب دعوات لحضور حفل الزفاف بسبب زواجهن من رجال ألمان.
أنجبت إليزابيث طفلها الأول الأمير تشارلز في 14 نوفمبر عام 1948، وولدت الطفلة الثانية لها الأميرة آن في 15 أغسطس عام 1950.
ولدت إليزابيث طفلها الثالث الأمير أندرو في شهر فبراير عام 1960 وكان أول ولادة لملك بريطاني قائم منذ عام 1857، ثم ولدت طفلها الرابع الأمير إدوارد في 10 مارس عام 1964.
توليها عرش بريطانيا
في عام 1951 تدهورت صحة الملك جورج الثالث، ووقفت إليزابيث بدلًا منه في المناسبات العامة، كما قامت بجولة في كندا وزارت الرئيس هاري ترومان في واشنطن العاصمة.
في أوائل عام 1952 قامت إليزابيث مع زوجها فيليب بجولة في أستراليا ونيوزيلندا عن طريق كينيا، ووقتها وصلت أخبار وفاة جورج السادس، وتولي إليزابيث العرش بأثر فوري، فاختارت الاحتفاظ بإليزابيث كاسم ملكي لها، وأطلق عليها الملكة إليزابيث الثانية.
في أثناء الاستعدادات للتتويج أخبرت الأميرة مارجريت أختها أنها ترغب في الزواج من بيتر تاونسند المطلق، ولديه ولدين من زواجه السابق، وبطبيعة الحال تعاطفت إليزابيث مع أختها، وأخبرتها بتأجيل الزواج لمدة عام على أمل أن تتلاشى العلاقة في هذه الفترة.
عارض كبار السياسيين هذا الزواج، وقررت الأميرة مارجريت الزواج مدنيًا وتخلت عن حقها في الخلافة من أجل هذا الزواج.تمت مراسم التتويج في 2 يونيو عام 1953 وتم بثها على التلفزيون.
طوال فترة حكم الملكة إليزابيث الثانية قامت بمئات الزيارات الرسمية في دول العالم، بالإضافة إلى جولات في الكومنولث، وكانت أول ملك لأستراليا ونيوزيلندا يزور هاتين الدولتين.
عملت الملكة على تسريع إنهاء الاستعمار في إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، وحصلت أكثر من 20 دولة على استقلالها من بريطانيا.
في عام 1977 احتفلت إليزابيث الثانية باليوبيل الفضي، وهي الذكرى السنوية الخامسة والعشرين على حكم الملكة إليزابيث، وتزامن مع هذا الاحتفال العديد من جولاتها الوطنية.
في أثناء حكمها تعرضت الملكة لعدة محاولات اغتياله، أولها في عام 1981 حينما تم إطلاق 6 طلقات عليها من مسافة قريبة بينما كانت تسير في المركز التجاري على حصانها، واكتشفت التحقيقات وقتها أن الطلقات كانت فارغة.
تم القبض على المهاجم ماركوس سارجنت البالغ من العمر 17 عامًا وسجن 5 سنوات وأطلق سراحه بعد 3 سنوات، وأشاد الجميع برباطة جأش الملكة ومهارتها في التحكم.
كان الهجوم الثاني الذي تعرضت له الملكة إليزابيث الثانية أثناء زيارتها لنيوزيلندا، حيث أطلق كريستوفر جون لويس البالغ من العمر 17 عامًا عيارًا ناريًا من الطابق الخامس من مبنى يطل على العرض الذي كانت فيه، ولكنه أخطأ.
تم القبض على لويس وحكم بالسجن 3 سنوات بتهمة الحيازة غير القانونية للسلاح، وبعد عامين من عقوبته حاول الهروب من مستشفى للأمراض النفسية بقصد اغتيال الأمير تشارلز الذي كان يزور البلاد مع ديانا.
في حادثة هي الأولى من نوعها استيقظت الملكة في غرفة نومها في قصر باكنغهام لتجد شخصًا في غرفة نومها في زلة أمنية خطيرة.
في التسعينات تعرضت الملكة للعديد من الانتقادات المتزايدة، وحصلت عدة اضطرابات في القصر الملكي، منها انفصال ابنها الثاني الأمير أندرو عن زوجته سارة، وطلاق ابنتها آن من الكابتن مارك فيليبس.
تعرضت أيضًا لانتقادات كثيرة بسبب ثروتها الخاصة، وبعدها أعلن رئيس الوزراء عن خطط لإصلاح الشؤون المالية للمملكة، كما تزامن مع هذه المشكلات انفصال ابنها تشارلز عن الأميرة ديانا أميرة ويلز.
في عام 2002 احتفلت الملكة باليوبيل الذهبي، وهو ذكرى مرور 50 عامًا على توليها الحكم، وحضر مليون شخص هذا الاحتفال الذي استمر لثلاثة أيام في لندن، وفي عام 2012 احتفلت باليوبيل الماسي، وهو ذكرى مرور 60 عامًا على العرش.
في عام 2012 افتتحت الملكة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وأولمبياد المعاقين في لندن، مما جعلها أول رئيس يفتتح دورتين للألعاب الأولمبية.
في عام 2007 تفوقت الملكة إليزابيث الثانية على جدتها الكبرى الملكة فيكتوريا لتصبح أطول ملكة بريطانية عمرًا، وأطول فترة حكم لملكة بريطانية، وأطول ملكة حاكمة ورئيسة دولة.
أما في عام 2015 أصبحت أكبر الملوك الحاليين بعد وفاة الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية، وأصبحت لاحقًا أطول الملوك الحاليين حكمًا بعد وفاة ملك تايلاند بوميبول في أكتوبر عام 2016.
توفي زوجها الأمير فيليب في أبريل عام 2021 بعد 73 عامًا من الزواج مما جعلها أول ملك بريطاني يحكم كأرملة أو أرمل منذ الملكة فيكتوريا، وعلى الرغم من وباء كورونا حضرت الملكة افتتاح الدولة للبرلمان لعام 2021.
في 6 فبراير عام 2022 بدأ الاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة بمناسبة مرور 70 عامًا على اعتلائها العرش، وبعدها عانت من أعراض فيروس كورونا، ولكنها كانت حاضرة في صلاة الشكرة للأمير فيليب.
في 6 سبتمبر عام 2022 عينت رئيسة الوزراء البريطاني الخامس عشر ليز تروس في لغة بالمورال في اسكتلندا وهي المرة الوحيدة التي لم تستقبل فيها رئيس وزراء جديد في قصر باكنغهام خلال فترة حكمها.
وعلى الرغم من مرضها لم تخطط أبدًا للتنازل عن العرش، على الرغم من قلة ظهورها في المناسبات العامة، وتولي ابنها الأمير تشارلز المزيد من واجباتها.
وفاتها
في 8 سبتمبر عام 2022 أعلن قصر باكنغهام أن الملكة تخضع للإشراف الطبي في قلعة بالمورال، وأعرب الأطباء عن قلقهم، وبسبب ذلك سافر أبناء الملكة الأربعة مع زوجات أبنائها وأحفادها إلى القصر.
تم تأكيد وفاة الملكة إليزابيث الثانية في مساء 8 سبتمبر عام 2022، وبدأت عملية جسر لندن، وهي اسم خطة جنازة للملكة إليزابيث، وانتقل الحكم إلى ابنها الأمير تشارلز الثالث.