رائد الحداثة الشعرية وواحد من الشعراء الذين كان لهم دور في نقل الشعر العربي من حالة الجمود إلى الحداثة والتجديد، إنه الشاعر يوسف الخال صاحب التجربة الشعرية الفريدة من نوعها، الثأر على الأساليب التقليدية في الشعر والداعي إلى التجربة والتجديد في الشعر، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
حياة الشاعر يوسف الخال ونشأته
يوسف عبد الله الخال هو شاعر وصحافي لبنان سوري ولد في عام 1917 في أعقاب الحرب العالمية الأولى في قرية عمار الحصن إحدى قرى وادي النصارى في سوريا، وانتقل بعدها على مدينة طرابلس شمال لبنان مع عائلته، وعاش صباه في لبنان.
تلقى الخال تعليمه الابتدائية والثانوي في المدرسة الأمريكية للصبيان، وقد أحب الشعر منذ صغره ونظمه في البداية على السليقة وبعدها تحب العروض وموازين الشعر، وأصبح ينظم الشعر وهو دون العشرين من عمره.
خلال الحرب العالمية الثانية كان الخال يدرس في الكلية الأمريكية في مدينة حلب، وبسبب الحرب اشتغل في تدريس الأدب العربي في مدرسة الفنون في مدينة صيدا جنوب لبنان.
في عام 1942 التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت وبعدها بعامين درس الفلسفة على يد الدكتور شارل مارك، وتخرج بدرجة بكالوريوس العلوم، ورغم تخصصه في الفلسفة ولكنه اشتهر كشاعر وأديب في الغالب.
زوجته وأبنائه
تزوج الشاعر يوسف الخال مرتين، المرة الأولى من الرسامة اللبنانية هلن الخال التي تعد إحدى رائدات الفن اللبناني والنقد الفني، وذلك عام 1950، وأنجب منها طارق وجواد.
تزوج بعدها للمرة الثانية من الشاعرة والرسامة السورية اللبنانية مها بيرقدار عام 1970 وأنجب منها ولدين، وهما الممثل يوسف الخال، وشقيقته الفنانة ورد الخال.
مسيرته المهنية
اشتغل الشاعر يوسف الخال في تدريس الأدب العربي في مدرسة الفنون في مدينة صيدا جنوب لبنان، ورغم دراسته الفلسفة إلا أنه مشهور بالشعر والأدب.
أصدر الخال عام 1944، وهو العام الذي تخرج فيه، أول مجموعة شعرية له عن المطبعة الكاثوليكية في بيروت تحت عنوان "الحرية"، وفي عام 1947 قرر ترك التدريس وأصبح رئيس تحرير جريدة "صوت المرأة" التي أنشأتها جامعة نساء لبنان بعد أن شغل هذا المنصب صديقه رشدي المعلوم.
ظل الخال رئيسًا لتحرير الجريدة لمدة عام واحد فقط، وبعدها تسلم بدوره هذا المنصب الشاعر فؤاد سليمان، إذ قرر الخال مغادرة لبنان والسفر إلى الولايات المتحدة وعاش فيها من عام 1947 حتى عام 1955، وخلال هذه الفترة عمل الخال في الأمانة العامة للأمم المتحدة، ثم عاد إلى لبنان.
بعد عودته إلى لبنان عمل في مجلة "الصياد" لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها عاد إلى مهنة التدريس مرة أخرى في الجامعة الأمريكية، وفي الوقت نفسه عمل مساعدًا للدكتور شارل مارك حينما استقال من عمله كسفير للبنان في واشنطن.
مسيرته الأدبية ومؤلفاته
أحب يوسف الخال الشعر منذ صغره، وأصدر أول مجموعة شعرية له عام 1944 تحت اسم "الحرية"، وخلال توليه منصب رئيس تحرير عدة مجلات أصدر المزيد من المجموعات الشعرية.
كانت من أهم إنجازاته في مسيرته الأدبية هو إصدار مجلة "شعر" عام 1957 التي كانت حدثًا هامًا في حياته وفي مسيرة الشعر العربي معًا، إذ كانت المجلة سببًا هامًا في تحويل حالة الشعر العربي من الجمود إلى الحداثة والتطوير.
في عام 1958 قرر الخال ترك التدريس والاهتمام بتحرير مجلة "شعر" كما أنشأ مطبعة وداراً لنشر وطباعة المؤلفات الأدبية، وقد توقفت المجلة لأول مرة عام 1964، وبعدها توقفت نهائيًا عام 1970.
أصدر الخال مجموعات شعرية ومسرحيات شعرية، فضلًا عن كتب في النقد، ومنها المسرحية الشعرية "هيروديا"، وأشعار "البئر المهجورة"، و"قصائد في الأربعين"، و"رسائل إلى الدون كيشوت"، و"الولادة الثانية".
أصدر الخال كتاب "الحداثة في الشعر" وهو كتاب نقدي كتب فيه رأيه عن الشعر، كما أصدر "على هامش كليلة ودمنة" وهي مجموعة نثرية، و"يوميات كلب" وهي مجموعة نثرية باللغة العربية الحديثة.
وبجانب الشعر والنثر نشر الخال العديد من التراجم، ومنها "النبي" لجبران خليل جبران، و"ديوان الشعر الأمريكي"، و"الديمقراطية: أمل الإنسانية الأكبر" لليلاند ديويت بولدوين، و"الأرض الخراب" بالاشتراك مع أدونيس.
أيضًا ترجم "إبراهيم لنكولن: من الكوخ إلى البيت الأبيض"، و"الحكماء السبعة"، و"ثلاثة قرون من الأدب"، و"الكتاب المقدس: العهد الجديد"، و"وجوه سوفياتية في تسع قصص" لريموندبور وغيرها.
مختارات من أشعاره
اعتمد الشاعر يوسف الخال في قصائده على الثورة على الأساليب التقليدية في نظم الشعر، لا لأنها سخيفة بل لأن استخدام القوالب الجاهزة أمر لا يجوز في نظر الشاعر الحديث الذي يجب عليه أن يبدع خاصة في هذا العالم الثوري التي تغيرت فيه أنماط الحياة.
من أهم قصائده قصيدة "هذه الأرض لي" التي يعبر فيها عن حبه للبنان، ويقول فيها:
هذه الأرض لي وهذا الفضاءُ
ما تُرَاني ملكتُ ما لا أَشاءُ:
ثروةٌ، يا نعمّها، كم تفادى
وقضى في ادّخارها الآباءُ،
سمّروا كلَّ مطرحٍ بالضحايا،
والضحايا على المدى أَحياءُ
وأَرادوهُ أَن يظلَّ، فخاب
المحتوى دونه، وخاب العفاءُ
وتحدّى مواكبًا كفَّن النورَ
لواها، وكلُّ فتحٍ لواءُ.
هذه الأَرض لي، لدى كلِّ ظلٍّ
في حماها خميلة وسماءُ.
حفنة من ترابها كانت الدنيا،
وكان الهدى، وكان الضياءُ:
ما لشرقٍ لولا شفاعة لبنانَ
خلاصٌ ولا لغربٍ فداءُ،
حضن النور وحده وتبنَّى
من روت عن مجيئه الأَنبياءُ.
قصيدة "البئر المهجورة"
عرفتُ إبراهيمَ، جاريَ العزيزَ، من
زمانٍ، عرفتُه بئرًا يفيض ماؤُها
وسائرُ البشرْ
تمرُّ لا تشرب منها، لا ولا
ترمي بها، ترمي بها حجرْ.
لو كان لي أن أنشر الجبينَ
في سارية الضياءِ من جديدٍ،
يقول إبراهيمُ في وُريقةٍ
مخضوبةٍ بدمّه الطليل،
تُرى، يُحوّلُ
الغديرُ سيرَه كأنْ تبرعم الغصونُ
في الخريف أو ينعقد الثمرْ،
ويطلع النباتُ في الحجرْ؟
وفاته
توفي الشاعر يوسف الخال في عام 19 مارس عام 1987 عن عمر 69 عامًا بسبب السرطان، ودُفن في بلدة غزير قضاء كسروان، وقبل وفاته قال:
"إني سعيد أن ألقى ربي وفي يدي اليمنى حركة شعرية غيّرت إلى الأفضل مسيرة الشعر العربي، وفي اليد اليسرى ترجمة عربية للكتاب المقدس أتاحت للألوف من قرائه أن يخترقوا قدر الإمكان في المرحلة الراهنة جسد اللغة العربية القديمة إلى روح مضمونه الحي"