الركود الاقتصادي: ما هو؟ أسبابه وآثاره في ضوء رسوم ترامب

  • تاريخ النشر: منذ يومين
الركود الاقتصادي: ما هو؟ أسبابه وآثاره في ضوء رسوم ترامب

مع تصاعد التوترات التجارية العالمية، وتحذير العديد من الخبراء بحرب تجارية عالمية محتملة، تبرز من جديد مخاوف دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، ولا سيما بعد التعريفات الجمركية الأخيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته، فما هو الركود الاقتصادي؟ وهو ما أسبابه وآثاره المحتملة على الاقتصادات الكبرى والصغرى وعلى الأفراد؟ في هذا المقال نضع مفهوم الركود الاقتصادي تحت المجهر، ونوضح الفرق بينه وبين الكساد، وسنقف على أسبابه وآثاره في ضوء الرسوم الأخيرة.

ما هو تعريف الركود الاقتصادي؟

الركود الاقتصادي من بين المصطلحات الاقتصادية الشائعة، والتي تشير إلى النمو الاقتصادي السلبي لبلد ما لفترة طويلة من الوقت. يعد الركود أحد مراحل الدولة الاقتصادية الأربع، والتي تبدأ بالنمو، ثم الذروة، وبعدها الركود، ومن ثم قاع الركود.

تاريخيًا، كانت فترات الركود الاقتصادية أقصر بكثير مقارنة بفترات الذروة والنمو والتوسع، وقد تعرضت الولايات المتحدة لعدة فترات من الركود، ولكنها تعافت منها، وتمكنت من مواجهتها.

يُعرف بعض الخبراء الركود الاقتصادي بأنه هبوط الناتج المحلي الإجمالي لمدة ستة أشهر أو أكثر، إلا أن هذا التعريف يلقى اعتراضًا من العديد من الاقتصاديين، وخاصة أن هذا التعريف لا يأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي تطرأ في جوانب اقتصادية مختلفة، منها ثقة المستهلك ومعدلات البطالة وغيرها.

وفقًا للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية، يتم  تحديد فترات الركود من خلال دراسة مؤشرات التدهور الاقتصادي المستمر في قطاعات مختلفة، حيث يتم دراسة بيانات عدة قطاعات، منها الدخل الحقيقي، والقدرة الشرائية للأفراد بعد التضخم، ومستويات التوظيف، وحجم إنتاج المنتجين الصناعيين، وقيمة جميع السلع والناتج المحلي الإجمالي، أو حجم المبيعات.

عادة ما تحتاج المكاتب المتخصصة أكثر من بضعة أشهر للتأكد من حالة الركود الاقتصادي، وأنها ليست فترة قصيرة الأجل، حيث تختلف فترات الركود وفقًا للعديد من العوامل.

ماذا يحدث في حالة الركود الاقتصادي؟

عندما يبدأ اقتصاد دولة ما في الركود، يواجه الاقتصاد سلسلة من التراجعات المتداخلة التي تطال مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية. أولى علامات الركود تظهر في صورة انكماش اقتصادي ملموس، يتبعه تراجع معدلات التوظيف، وهبوط أداء الشركات، وتدهور مؤشرات سوق الأوراق المالية، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في تكاليف الاقتراض، سواء للأفراد أو الشركات.

ولا يقتصر آثار الركود الاقتصادي على الأرقام فحسب، بل يؤثر كذلك على سلوك الأفراد والمجتمعات. ففي مواجهة الضبابية الاقتصادية، يميل الأفراد إلى تبني سلوك دفاعي يعتمد على الادخار بدلًا من الاستهلاك.

ورغم أن هذا النهج يمنحهم شعورًا بالأمان المؤقت، لكنه في الوقت نفسه يعتبر ضربة موجعة للشركات التي تعتمد بشكل أساسي  على الإنفاق لضمان استمراريتها.

وللإجابة بشكل أدق على سؤال ماذا يحدث في حالة الركود الاقتصادي، بعد تقليل إنفاق المستهلكين، تبدأ عجلة التأثير السلبي بالدوران، والتي تكون كالتالي:

  • تقل أرباح الشركات، وبالتالي تتخذ الشركات قرارات بتقليص العمالة.
  • ينخفض دخل المستهلكين، وبالتالي تضعف قدرتهم الشرائية.
  • الانخفاض في الإنفاق يفاقم الأزمة ويعمق الركود.
  • وفي مرحلة أكثر حدة، قد يؤدي هذا التراجع في الطلب إلى ظاهرة الانكماش، أي انخفاض عام في الأسعار، وهي أكثر المراحل خطوة في أي دورة اقتصادية.

ومع كل هذه التحديات، فإن الركود الاقتصادي العالمي ليس حالة أبدية، بل قد يتعافى الاقتصاد مع مرور الوقت بفعل عوامل السوق الطبيعية، أو يتلقى دفعة تصحيحية عبر تدخلات حكومية مدروسة هدفها إنعاش النمو، وكسر الدوامة السلبية.

اقرأ أيضًا: الاستثمار في الذهب هل هو الحل الأمثل في الركود الاقتصادي

أسباب الركود الاقتصادي

لا يوجد سبب واحد للركود الاقتصادي، بل عادة ما يكون نتاج مجموعة من العوامل المتداخلة التي تدفع عجلة الاقتصاد إلى التباطؤ، ورغم تنوع السيناريوهات، فهناك ثلاثة محركات أساسية تعد من أسباب الركود الاقتصادي:

  • الأحداث غير المتوقعة

تميل الاقتصادات بشكل أساسي إلى الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالمستقبل، لكن  عند حدوث أحداث غير متوقعة، مثل الحروب والأوبئة، أو الأزمات المالية العالمية، فهذا يولد حالة عدم يقين يربك الأسواق، ويثير الذعر على المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.

وهذا ما يحدث الآن في العالم، فبعد إعلان دونالد ترامب رسوم جمركية إضافية وصلت بعضها إلى 34%، أدى هذا إلى حالة من عدم الاستقرار والضبابية، وبالتالي تزعزع سوق الأسهم وأداء الشركات العالمية.

وسبق أن حدث ذلك خلال أزمة كورونا عام 2020، والتي دفعت العالم كله إلى حالة ركود حاد، على الرغم من أنه كان قصير الأمد نسبيًا، واستمر لمدة شهرين فقط.

  • انفجار فقاعات الأصول

في بعض الأحيان، تشهد قطاعات معينة نموًا سريعًا، لكنه غير متوازن، فترتفع قيمة الأصول فيها إلى مستويات غير مبررة، وهو ما يعرف باسم "فقاعة الأصول". هذه الفقاعات تبدو مربحة في ظاهرها، لكنها هشة وخطيرة في الوقت نفسه.

عندما تتوقف التدفقات المالية، أو يتغير السياق الاقتصادي بشكل مفاجئ، تنفجر تلك الفقاعات، وتسبب انهيارًا واسع النطاق في هذا القطاع. ومثال على ذلك، فقاعة العقارات عام 2008، وفقاعة الإنترنت في أوائل الألفية.

  • النمو السريع في الاقتصاد

تعرف هذه الحالة باسم "النجاح المفرط"، حيث يشهد الاقتصاد نموًا بوتيرة أسرع من قدرة العرض على الاستجابة، فترتفع الأسعار بفعل زيادة الطلب، وتبدأ الشركات في رفع تكاليف السلع والخدمات للحفاظ على أرباحها وسط ارتفاع أسعار المواد والعمالة.

وهنا يتدخل البنك المركزي غالبًا، حيث رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم. ورغم أنها خطوة هدفها تحقيق التوازن، إلا أن لها آثاراً جانبية، منها ارتفاع تكلفة الاقتراض، مما يقلل من رغبة الشركات في الاستثمار، ويجبر الأفراد على خفض إنفاقهم.

وهو ما يحدث حاليًا في الاقتصاد العالمي، وخاصة مع التطور التكنولوجي المتزايد، وتسارع شركات التكنولوجية العالمية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان استمرار تواجدها في السوق العالمية، وزيادة قدرتها على المنافسة بقوة.

اقرأ أيضًا: ارتفاع النفط رغم الآمال في الاقتصاد الصيني وسط مخاوف الركود العالمي

ما هو الفرق بين الركود والكساد الاقتصادي؟

في عالم الاقتصاد، لا يسير كل شيء على وتيرة واحدة، فهناك قمة وقاع، ووراء كل ذروة نشاط اقتصادية، تمكن بداية محتملة لفترة من الانكماش، والتي تعرف باسم الركود الاقتصادي.

يتميز الركود بانتشار في كافة قطاعات الاقتصاد، ويظهر جليًا من خلال مؤشرات رئيسية، مثل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وتراجع مستويات الدخل الحقيقي، وتقلص فرص التوظيف، وتراجع الإنتاج الصناعي، إلى جانب هبوط ملحوظ في مبيعات الجملة والتجزئة. لكن الركود غالبًا ما يكون قصير الأمد، ولا يعد ظاهرة دائمة.

أما كلمة "كساد" فهي تحمل ثقلًا خاصا في قاموس الأزمات الاقتصادية. الكساد يعد شكلًا أكثر تطرفًا من الركود، حيث يكون أطول مدة وأعمق من ناحية الآثار.

لا يوجد تعريف عالمي موحد للكساد، إلا أن غالبية الاقتصاديين يتفقون على أن الكساد هو حالة ركود أكثر حدة وأطول مدة وأكثر تأثيرًا من الركود العادي.

وفقًا للخبير الاقتصادي الأمريكي جريجوري مانيكو، فإن فترات الانخفاض الطفيف في الناتج المحلي الإجمالي تُسمى "ركودًا"، أما إذا كان الانخفاض حادًا وعميقًا هي حالة كساد اقتصادي.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة