الجزائر في زمن الحراك ـ لماذا تُستهدف كنائس البروتستانت؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: السبت، 19 أكتوبر 2019
الجزائر في زمن الحراك ـ لماذا تُستهدف كنائس البروتستانت؟

يعود الجدل الديني مرة أخرى إلى الجزائر بعد إغلاق عدد من الكنائس في الآونة الأخيرة، ثلاث منها في أقل من أسبوع، بمبرّر غياب الترخيص، إذ نقلت منظمة التضامن المسيحي العالمي (CSW)، خبرَ إغلاق ثماني كنائس بروتستانية في عام 2019، آخرها ثلاث كنائس في ولاية تيزي وزو خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فيما تقول الكنيسة البروتستانتية الجزائرية إن العدد وَصل إلى 13 كنيسة خلال عام واحد.

واحتج عدد من المسيحيين في البلاد على هذه الإجراءات، إذ خرجوا يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول للتظاهر أمام مقرّ ولاية تيزي أوزو، وقد أعلنت صفحة الكنيسة البروتستانتية الجزائرية على فيسبوك أن قوات الأمن أوقفت 17 متظاهراً على الأقل، وهو ثاني احتجاج تدعو له هذه الكنيسة بعد وقفة أمام مقرّ ولاية بجاية يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول، إثر إغلاق خمس دور عبادة أخرى تابعة لكنائسها في هذه الولاية لوحدها.

وتثير إجراءات السلطات الجزائرية مخاوف الحقوقيين في التعامل مع الأقليات الدينية، إذ تعرّضت الجزائر لانتقادات في طريقة تعاملها مع الأقليات الدينية، ليس فقط مع المسيحيين البروتستانت، بل كذلك مع الجماعة الإسلامية الأحمدية، عندما شنت حملات اعتقالات ومحاكمات واسعة، وكذلك مع الطائفتين الشيعية والإباضية،في بلد يعتنق فيه جلّ سكانه، حسب التقارير الرسمية، الإسلام السني وفق المذهب المالكي.

لماذا البروتستانت؟

"ما يقلقنا أن هذه الإجراءات تأتي خلال هذه الفترة الصعبة التي تشهدها البلاد" يقول صلاح شلاح، رئيس الكنيسة البروتستانتية الجزائرية في تصريح لـDW عربية، في إحالة منه على الوضع السياسي غير المستقر الذي تعرفه الجزائر منذ تأجيل الانتخابات الرئاسية على خلفية المظاهرات ضد نظام عبد العزيز بوتفليقة.

ويوضح المتحدث أكثر أنه كانت هناك محاولات لتقسيم العرب والأمازيغ في الحراك، واليوم "يتم اختلاق هذا الموضوع ضد المسيحيين"، وهو ما اعتبره "محاولة لتحويل أنظار الجزائريين عن المشكل الحقيقي، وتأكيداً لمبدأفَرّق تسد". ويبرز المتحدث أن كل الكنائس ودور العبادة المغلقة تابعةللبروتستانت، في حين لم تتعرّض السلطات للكنائس الكاثوليكية رغم أن أنشطة الطائفتين منظمتان بالقانون نفسه.

وفي رأي الناشط الحقوقي صلاح دبوز، فإن الجزائريين الذين يختارون الانتقال إلى المسيحية، يتجهون غالباً إلى البروتستانتية، بينما تبقى الكاثوليكية محصورة بين المسيحيين الأوروبيين القاطنين في الجزائر، وهؤلاء، حسب رأيه، لا تستطيع السلطة التضييق عليهم. ويمضي دبوز في الحديث لـDW عربية أن عدداً من الكنائس المغلقة مؤخراً كانت في الأصل محلات خاصة حُوّلت إلى دور عبادة من لدن مواطنين جزائريين بروتستانت، بينما تبقى الكنائس الكاثوليكية في معظمها قديمة وموروثة عن عهد الاستعمار.

تخوّف على الأمن الروحي للجزائر؟

لم تخف السلطات الجزائرية رفضها لما تعتبره محاولات للمس بأمن البلاد الروحي، فقد سبق لوزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، أن صرح عام 2016 أن الحكومة "حريصة على محاربة كل الطوائف الدخيلة على المجتمع حتى لا يتم تقسيمه"، في أعقاب حملة واسعة شنتها السلطات ضدالطائفة الأحمدية. ويعدّ الجانب الديني حساساً في الجزائر، فقد شهدت البلاد عام 2015 مواجهات مذهبية بين الأمازيغ الإباضيين والعرب المالكيين أسفرت عن عدد من القتلى.

ومن أكبر المبّررات التي تسوقها السلطات الجزائرية لإغلاق الكنائس هناك منع التبشير، فقد ذكرت جريدة الشروق الجزائرية،أن والي تيزي وزو أصدر قرار إغلاق إحدى الكنائس لأسباب منها شكاوى المواطنين من نشاطها "المشبوه"، خاصة بعد الإقبال الكبير على الكنيسة من طرف المتنصرين، فيماتقول دراسة أمريكية، نشرها موقع "أصوات مغاربية"، إنعدد الجزائريين الذين تحوّلوا من الإسلام إلى المسيحية، بلغإلى غاية عام 2015 حوالي 380 ألف شخص، أغلبهم من منطقة القبائل التي تضم ولايتي تيزي وزو وبجاية، حيثُ أغلقت السلطات مؤخراً الكنائس.

وقد قامت الجزائر، حسب تقرير الحريات الدينية لعام 2018، -تصدره الخارجية الأمريكية- بإدانة أربعة أفراد بتهم منها التبشير، كما اعتقلت خمسة أفراد آخرين قبل تبرئتهم.

غيرَ أنصلاح شلاح ينفي قيام الكنائس البروتستانتية بحملات التبشير أو التنصير في الجزائر، موضحاً: "الجزائريون أبعد ما يكون عن أن يتم التلاعب بهم أو التأثير عليهم، هم واعون وناضجون وقادرون علىاختيار معتقداتهم بكل حرية".

من جهته، يتحدث صلاح دبوز عن أن النظام الجزائري يعتبر المواطن في البلاد هو المتحدث بالعربية والمسلم على المذهب المالكي، ومن هو على خلاف ذلك، فمصيره "القمع". ويحيل دبوز على "مضايقات" وقعت بحق الإباضيين، لدرجة أن "مشايخ هذه الطائفة باتوا يتعهدون بالولاء للسلطة وبانتخاب من يدور في فلكها مقابل تركهم يتحرّكون نوعا ما، دون أن يتمتعوا بكل حقوقهم".

معركة قانونية

تعاقب الجزائر على "التنصير" حسب قانون صدر عام 2006، بالسجن لما بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة مادية، وذلك لكل شخص "يحرّض أو يضغط أو يستعمل وسائل إغراء لحمل مسلم على تغيير دينه أو يستعمل من أجل ذلك المؤسسات التعليمية أو التربوية أو.."، كما يعاقب القانون كذلك بالعقوبة ذاتها على ما يعتبره "زعزعة إيمان مسلم"، رغم أن الدستور الجزائري يؤكد على حرية العبادة.

وتنادي المنظمات المسيحية بتعديل هذا القانون، إذ ترى فيه الكنيسة البروتستانتية "أداة بين أيدي السلطة للتضييق على المسيحيين الجزائريين". ومن أكبر نتائج هذا القانونطرد الرئيس الأسبق لهذه الكنيسة، هيو جونسون، عام 2006 رغمقضائه 45 عاماً في البلاد، كما طردت كذلك الجزائر قساوسة كاثوليك، من أبرزهم الفرنسي بيار فاليز، بمبرّر أنه كان يمارس التنصير بين مهاجرين من جنوب الصحراء.

غير أن الجزائر تحاول بعث رسائل للعالم بكون القانون غير موجه لتهديد وجود المسيحيين في البلاد، ومن ذلك رعايتها لنشاط قامت به الكنيسة الكاثوليكية نهاية عام 2018 في العاصمة الجزائر، بتطويب 19 مسيحياً قُتلوا خلال سنوات العشرية السوداء بالبلاد، لكن إجراءاتها الأخيرة ستزيد من الانتقادات الحقوقية الموجهة لها، في سنة منع خلالها الجزائريون إعادة انتخاب بوتفليقة سعياً لتحقيق دولة الكرامة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة