يعد الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير من أبرز الشعراء في السودان ومن رواد شعر الرومانسية الصوفية المتجددة، ورغم حياته القصيرة إلا أن أعماله الشعرية لاقت اهتمامًا كبيرًا في الصحف والمجلات السودانية وشبه بعضهم حياته بحياة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، في السطور التالية تعرف على مسيرته الأدبية وحياته.
من هو التجاني يوسف بشير؟
أحمد التجاني بن يوسف بن بشير بن الإمام جزري الكتيابي هو شاعر سوداني حصل على لقب شاعر الجمال والروح والوجدان ولد عام 1912 في السودان وتوفي شابًا في عام 1937 عن عمر 25 عامًا فقط.
رغم حياته القصيرة اشتهرت أعماله الأدبية بشكل واسع في السودان والوطن العربي ولاقت أعماله الأدبية وأشعاره ودواوينه اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الثقافية في السودان.
تم تشبيه حياة التجاني بحياة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، فكلاهما عاشا في الفترة نفسهما وتشابهت تجاربهما في الحياة بشكل كبير.
نشأته وتعليمه
نشأ التجاني يوف البشير في حي الركابية في مدينة أم درمان في السودانية، وقد نشأ في بيئة متدينة ومحافظة، وكانت عائلته صوفية، واختارت اسمه تيمنًا بصاحب الطريقة التيجانية الصوفية المعروفة الإمام أحمد التيجاني الذي توفي في مدينة فاس المغربية عام 1815.
تأثر التيجاني بالطابع الديني المحافظ الذي نشأ به وظهر ذلك التأثر جليًا في أعماله الأدبية فيما بعد، كما كان يكتب اسمه "الخلوة" على أشعاره حيث درس في خلوة عمه الشيخ محمد الكتيابي.
حفظ التيجاني القرآن الكريم في سن صغيرة، ثم التحق بالمعهد العلمي في أم درمان ودرس فيها اللغة العربية والأدب والفلسفة، وخلال دراسته بدأ يكتب الشهر بنهم وانتشرت أشعاره بشكل واسع.
فصله من المعهد العلمي
خلال دراسته في المعهد العلمي فُصل الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير بسبب مناقشة دارت بينه وبين زملائه للمقارنة بين الشاعر أحمد شوقي والشاعر حافظ إبراهيم.
وخلال المناقشة قال التجاني تشبيهًا أثار جدًا في المعهد وحفيظة مدير المعهد آنذاك، حيث قال إن أحمد شوقي له فضل على سائر الشعراء كفضل القرآن على سائر الكتب.
أثار هذا التشبيه استياء مدير المعهد العلمي وقتها أحمد محمد أبو دقن وقرر فصله من المعهد بدون رجعة واتهمه بالكفر والزندقة.
بعد فصله من المعهد العلمي لاتهامه بالكفر والزندقة كتب التجاني قصيدة بعنوان "المعهد العلمي" ودافع فيها عن نفسه من تهم الزندقة، فقال:
السحر فيكَ وَفيكَ مِـن أَسبابـه دَعـةُ الـمُـدِل بِعَبقـري شَبابـه
يا مَعهدي وَمَحط عَهد صِباي من دارٍ تَطرّقُ عَـن شَبـاب نابـهِ
واليَوم يَدفَعُني الحَنيـن فَأَنثنـى وَلهان مُضطَرِبـا إِلـى أَعتابِـهِ
سَبق الهَوى عَينيّ في مِضمـاره وَجَرى وَأَجفَل خاطِري مِن بابهِ
وَدَّعت غَضّ صِباي تَحتَ ظِلاله وَدَفنت بيض سني في مِحرابـهِ
نَضّرت فَجر سنـي مِـن أَندائِـهِ وَاشتَرت ملء يَديّ مِن أَعنابِـهِ
هُوَ مَعهَدي وَلَئن حَفظت صَنيعه فأَنا ابن سرحته الذي غَنـى بِـهِ
فَأَعيذ ناشئة التُقى أَن يرجفوا بِفَتى يَمتّ إِلَيـهِ فـي أحسابـهِ
ما زِلت أَكبَر في الشَباب وَأَغتَدي وَأَروح بَينَ بخٍ وَيا مَرحى بِـهِ
حَتّى رُميت وَلَستُ أَول كَوكَـب نَفِس الزَمان عَلَيهِ فَضل شِهابـه
قالوا وَأرجفت النُفوس وَأَوجفت هَلَعاً وَهاجَ وَماجَ قُسـور غابـهِ
كفر ابن يوسف مِن شَفي وَاعتَدى وَبَغى وَلَسـتُ بِعابـئ أَو آبـه
قالوا أحرقوه بل اصلبوه بل انسفوا للريح ناجس عظمه وإهابه
وَلَو ان فَوق المَوت مِن مُتلمـس لِلمَرء مُـدّ إِلَـيّ مِـن أَسبابـه
مسيرته المهنية
بعد أن فصل التجاني يوسف بشير من المعهد العلمي عمل بائعًا في محطة لبيع لوقود، كما أنه عمل كمحرر صحفي في صحيفة ملتقى النهرين ومجلة أم درمان ومجلة الفجر، وخلال عمله درس كتب الأدب القديم بنهم ومنها كتب الصوفية والفلسفة أيضًا.
متى توفي الشاعر التجاني يوسف بشير؟
عانى التجاني يوسف بشير من الفقر والمرض والعزلة الاجتماعية بسبب آرائه، وزادت عليه وطأة الآلام النفسية والجسدية التي أثرت على صحته بشكل كبير.
عانى التجاني من الوسواس القهري وقد عبّر وسواسه تلك في أشعاره أيضًا. عمل التجاني في ظروف بيئية غير صحية إطلاقًا حيث عمل لساعات طويلة في مطبعة قديمة تنبعث منها غازات ضارة وأجوار رطبة، وهو ما أدى إلى إصابته بالدرن الرئوي الذي أنهى حياته في سن مبكرة.
توفي التجاني في عام 1937 عن عمر 25 عامًا فقط، ورغم صغره سنه اشتهرت دواوينه بشكل كبير وانتشرت في كل الأقطار العربية.
![التجاني يوسف بشير Al-Tijani Yusuf Bashir رائد شعر الرومانسية الصوفية]()
قصائد التجاني يوسف بشير
انتشرت الكثير من قصائد الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير ويرى النقاد أنه تناول مشكلات فكرية وفلسفية عدة في أشعاره منها الحب والموت واملر ضوالطبيعة والتفلسف والتأمل وغيرها.
وظهر في قصائده تأثره الواضح بالقرآن الكريم، كما أن في شعره ظهرت زعات صوفية كثيرة وتضمن شعره الشك واليقين وقال النقاد إنه لو عاش أكثر لعرفوا إلى أي حال استقر.
وعن التشابه بينه وبين الشعر أبو القاسم الشابي قال النقاد إنهما اشتهرا في مرحلة ما بين الحربين العالميتين التي كان فيها تطلع للتحرر من الاستعمار، كما أن كليهما درسا في معهد ديني.
ولكن يرى النقاد ان تجربتهما الشعرية مختلفة تمامًا فشعر الشابي يغلب عليه النظرة التفاؤلية بعكس التجاني الذي غلب على أشعاره التشاؤم.
اجمل ما كتب التجاني يوسف بشير
للشاعر السوداني الراحل ديوان شعري بعنوان "إشراقة" وقد صدر قبل وفاته، وشمل هذا الديوان 15 قصيدة تقريبًا منها "الصوفي المعذب"، و"أنشودة الجن"، و"مدهش ذكره مخفيف الأداء"، و"أمل"، و"انت أم النيل"، و"المعهد العلمي"، و"قلب الفيلسوف"، و"اليقظة"، و"يؤلمني شكي".
واشتهر التجاني يوسف بشير بأنشودة الجن وهي أغنية تغنى بها المغني السوداني الشهير سيد خليفة والتي يقول فيها:
قـم يـاطرير الشباب
غــن لـنـا غـن
يـا حـلو يا مستطاب
إنــشـودة الـجـن
وأقـطف لي الأعناب
وامــلأ بـها دنـي
مـن عـبقري الرباب
أو حـــرم الـفـن
صح في الربى والوهاد
واسـتـرقص الـبيدا
واسـكب عـلى زناد
مــا يـسحر الـغيدا
وفـجـر الأعــواد
رجـعـا وتـرديـدا
حـتى ترى في البلاد
مــن فـرح عـيدا
وقد وضع لها المغني السوداني يوسف سيد خليفة لحنًا راقصًا، وانتشرت هذه القصيدة على لسان كل السودانيين.
ومن أعمال التجاني يوسف بشير في الغزل قصيدة "تجري مع الحب إلى غاية" والتي يقول فيها:
تَـجـري مَـع الحُـب إِلى غـايـة
خَــبـيـئة كَـالعـطـر فـي وَرده
أَدنـى إِلى الأَنـفُس في طِيبه
بِـقَـدر مـا يـوغـل فـي بُـعـده
إِذا اِنـقَـضـى كـانَ عَلى صَدره
قَـبـر لِذاكَ العُـرف مِـن بَعده
كَـــذَلِكَ الحُـــب وَغــايــاتــه
مِـن بَـرقـه الخـاطف أَو رَعده
يا مَن فَجَرت الحُسن في عالم
مِـن جُـنـدك القَـلب وَمِن جُنده
يَـرف سـحـر الكَـون فـي ثَـغره
وَيُـــولد الحُـــب عَــلى مَهــده
مَــتـاعـب الدُنـيـا وَآلامـهـا
وَمَـبـعَـث الفِـتـنـة مِـن عِـنده
