إمام مجدد وداعية وصاحب فكر إصلاحي سابق لعصره، دعي لمواجهة الاستعمار الأجنبي وقدم مقترحات ثورية لإصلاح المؤسسات الإسلامية مع خطط لتطوير الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.
إنه الإمام محمد عبده الذي واجه السجن والنفي بشجاعة حتى وفاته، وما زالت كتبه وأفكاره مرجعا للباحثين حتى الآن، مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته في السطور التالية...
ولد الإمام محمد عبده يوم 1 يناير من عام 1849 في محافظة البحيرة بمصر، وتوفي يوم 11 يوليو في عام 1905 بمحافظة الإسكندرية، وكان والده من أصل تركماني، وأم مصرية يرجع أصلها إلى قبيلة بني عدي العربية.
وأرسله والده إلى كتاب القرية حتى بلغ 15 عاما ثم درس في المسجد الأحمدي بمدينة طنطا في دلتا مصر، ودرس علوم اللغة وحفظ القرآن وانتقل بعدها إلى الدراسة في الأزهر الشريف عام 1865.
ودرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة والعلوم الشرعية واللغوية حتى حصل على شهادة العالمية عام 1877.
تميز الإمام بشخصية مستقلة ومنفتحة على العلوم المختلفة منذ صغره وتعرف على العلوم التي لا يتم تدريسها في الأزهر الشريف وارتبط بشخصيات مؤثرة كان لها دور كبير في تشكيل وعيه.
منها الشيخ درويش خضر، ثم الشيخ حسن الطويل الذي عرفه على علوم الرياضيات والفلسفة، حتى التقي بجمال الدين الأفغاني، ليبدأ سويا مرحلة الدعوة نحو الإصلاح الديني.
بعد الانتهاء من الدراسة في الأزهر الشريف بدأ الإمام مرحلة التدريس في عديد من الأماكن منها تدريس علوم التوحيد والفلسفة والمنطق في الأزهر الشريف.
وتدريس مقدمة ابن خلدون في دار العلوم، بجانب التدريس في مدرسة الألسن، وألف كتابا في علم الاجتماع والعمران، وكتب عدد كبير من المقالات في الجرائد ومنها الأهرام القاهرية.
تم تعيين الإمام محمد عبده في جريدة الوقائع المصرية وقام بالتحرير والكتابة في القسم الخاص بالمقالات الإصلاحية الأدبية والاجتماعية.
ليعبر من خلالها عن آرائه الإصلاحية ومنها نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي وكان أحد مؤيدي الثورة العرابية في عام 1882 وبعد هزيمتها تم القبض عليه وحكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.
لينتقل إلى بيروت لمدة عام ثم سافر إلى باريس وأسس مع جمال الدين الأفغاني جريدة "العروة الوثقى"، وعاد إلى بيروت وعمل في الكتابة والتدريس في المساجد، كما قام بالتدريس في "المدرسة السلطانية".
عاد الإمام إلى مصر بعد 6 سنوات في المنفى، واستمر في مسيرته الإصلاحية وتم تعيينه قاضياً أهلياً في محكمة بنها، ثم في محكمة الزقازيق، وعابدين ثم مستشاراً في محكمة الاستئناف.
وفي 1899 قرر الخديوي عباس حلمي تعيينه مفتياً للديار المصرية، ليكون أول مفتي مستقل لا يجمع بين الإفتاء ومشيخة الأزهر.
وأصدر الإمام 944 فتوى تم جمعها في المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله بإجمالي 198 صفحة بجانب 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث.
وتنوعت الفتاوي في قضايا الوقف، والميراث، والمعاملات ذات الطابع المالي والآثار الاقتصادية، مثل البيع والشراء، والإجازة والرهن والإبداع، والشركة وإبراء الذمة، واستقلال المرأة المالي.
ومشاكل الأسرة وقضاياها من الزواج، وطلاق ونفقة، واستمر في منصب الإفتاء لمدة 6 سنوات حتى وفاته في عام 1905.
هاجم الإمام مشايخ الأزهر بعبارات حادة حيث قال: "إن بقاء الأزهر متداع على حاله محالاً، فهو إما أن يعمر، أو أن يتم خرابه".
وكان يحاول التخلص من فكر رجال الدين التقليديين ما أدى إلى سجالات فكرية مستمرة بينه وبين مشايخ الأزهر وصلت إلى حد تأليف كتب تهاجم أفكاره هو وصديقه جمال الدين الأفغاني.
قام الإمام بتألف عدد كبير من الكتب الهامة منها "رسالة التوحيد"، تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي"، وتحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني، وكتاب "الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية"، وتقرير إصلاح المحاكم الشرعية.
يوجد عدد من العبارات الشهيرة التي جاءت على لسان الإمام محمد عبده والتي تعبر عن إفطاره الإصلاحية ومنها: "من تمت تربيته على التسليم بغير عقل والعمل ولو صالحا بغير فقه فهو غير مؤمن".
وتابع الإمام: "فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقي عقله وترتقي نفسه بالعلم فيعمل الخير لأنه يفقه أنه الخير النافع المرضي لله، ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته".
وقال أيضا: "كل ما يُعاب على المسلمين ليس من الإسلام، وإنما هو شيء آخر سموه إسلامًا"، و"لا صلاح في الاستبداد بالرأي وإن خلصت النيات"، و"إذا ما جهل المرء بأمر فما أيسر عليه من معارضته".
و"من يريد خير البلاد فلا يسعى إلا في إتقان التربية، وبعد ذلك يأتي له جميع ما يطلبه".
كما قال: "إن الجاهلية اليوم أشد من الجاهلية والضالين في زمن النبي.. كان البدوي، راعي الغنم، يسمع القرآن فيخر له ساجدا لما عنده من رقة الإحساس ولطف الشعور فهل يقاس هذا بأي متعلم اليوم؟".
وقال: "من لا يذوق لذة العمل الاختياري لا يذوق لذة الراحة الحقيقية، لأن الله تعالى لا يضع الراحة بغير عمل".
وقال الإمام في فتوى شهيرة إن الحجاب - الذي يشبه النقاب في عصرنا الحالي - مجرد عادة بسبب الاختلاط بأمم أخرى، وأن الكتابات التي تنادي بضرورة الحجاب جاءت بسبب الخوف من الفتنة.
مؤكدا أن الآية القرآنية التي تطالب بغض البصر موجهة إلى الرجال والنساء، كما قال الإمام: "لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصا تقضي بالحجاب "النقاب" على ما هو معروف الآن عند بعض المسلمين لوجب علي اجتناب البحث فيه.
وتابع: "ولما كتبت حرفا يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الأمر لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة، لكننا لا نجد في الشريعة نصا يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة.
وأضاف: "وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم"، وتساءل: "كيف لامرأة محجوبة أن تعمل بصناعة أو تجارة، وكيف يمكن لخادمة محجوبة أن تقوم بخدمة بمنزل فيه رجال أو تدير تجارتها بين الرجال أو تمارس الزراعة أو الحصاد في مجتمع فيه رجال".
الإمام محمد عبده في الدراما
كانت شخصية الإمام المجدد ملهمة لصناع الدراما حيث ظهر في كثير من الأعمال الفنية التي تحكي التاريخ الإسلامي، منها على سبيل المثال مسلسل الإمام عبده في عام 2005.
من بطولة الفنان أحمد عبد العزيز، وفي مسلسل "قاسم أمين" جسد دوره الفنان توفيق عبد الحميد، وفي مسلسل "جمال الدين الأفغاني" قدم الفنان محمود الجندي شخصية الإمام محمد عبده.