حياة مليئة بالتفاصيل الثرية والمواقف البارزة التي شكلت شخصية إحسان عبد القدوس الذي ولد لعائلة ثرية من أصل شركسي ليصبح بعد ذلك نصير المرأة، وأديب الحب الذي كتب أعظم الروايات التي تحولت كثير منها إلى أفلام وأعمال تلفزيونية ومسرحية.
إحسان محمد عبد القدوس هو كاتب وروائي مصري يعد من أول الروائيين العرب الذين كتبوا عن قصص الحب البعيدة عن العذرية، ولد في 1 يناير عام 1919 في القاهرة لعائلة من أصول شركسية.
نشأ إحسان في بيت جده لوالده الشيخ رضوان، الذي كان خريج الجامع الأزهر، وكان يعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وبسبب تربيته الدينية كان يفرض على عائلته الالتزام بالدين وأداء الفروض والمحافظة على التقاليد، كما كان يُحرم على نساء عائلته الخروج بدون حجاب.
والده هو الممثل محمد عبد القدوس، أما والدته السيدة "روز اليوسف" هي صحفية وفنانة أتت من بيت متفتح وكان يحضر مع والدته الندوات الثقافية والسياسية التي يشارك فيها كبار الشعراء والأدباء.
الاسم الحقيقي لوالدة إحسان "روز اليوسف" هو فاطمة اليوسف وهي لبنانية الأصل نشأت يتيمة واحتضنتها أسرة مسيحية صديقة لوالدتها التي قررت فيما بعد الهجرة إلى أمريكا، وحينما رست الباخرة بالإسكندرية طلب إسكندر فرح من الأسرة التنازل عن البنت اليتيمة ليتولاها ويربيها فوافقت الأسرة وبدأت حياتها في الفن.
وبعدها تعرفت فاطمة اليوسف على المهندس محمد عبد القدوس الذي كان مهندسًا بالطرق والكباري، في حفل في النادي الأهلي لهواة الفن، وتزوجا بعد ذلك، وعندما علم والده بذلك تبرأ منه وطرده من بيته لزواجه من ممثلة، فاستقال من وظيفته الحكومية وعمل ممثلًا ومؤلفًا مسرحيًا.
فعاش إحسان منذ طفولته بين جانبين متناقضين، فكان يحضر ندوات ودروساً دينية التي رغب فيها جده، وبعدها ندوات أخرى على النقيض، وكان هذا التناقض يصيبه في البداية بالحيرة ولكنه تمكن من تقبله بالتدريج.
درس إحسان في مدرسة خليل أغا في القاهرة، وبعدها في مدرسة فؤاد الأول، ومن ثم التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1942 وبعدها عمل محاميًا متدربًا في مكتب الأستاذ إدوار قصيري.
ولكنه فشل أن يكون محاميًا؛ لأنه لا يجيد المناقشة والحوار وكان يدير فشله بالصراخ والمشاجرة مع القضاة أو المزاح وإلقاء النكات.
زوجة إحسان عبد القدوس
جمعت قصة حب كبيرة بين الروائي الراحل إحسان عبد القدوس وزوجته لواحظ عبد المجيد المهيلمي والذي كان يناديها ب "لولا" خلال الأربعينات وقد توجت قصة الحب تلك بالزواج في 5 نوفمبر عام 1942.
كان إحسان يقول عن زوجته دائمًا: "ليس هناك زوجة جميلة وزوجة ليست جميلة، ولا زوجة ذكية وزوجة غبية، لكن هناك زوجة يحبها زوجها وزوجة لا يحبها زوجها.
استمر زواج إحسان عبد القدوس ولواحظ 47 عامًا كاملة حتى وفاته عام 1990، وقد تعرف على لواحظ في السنة الأخيرة في كلية الحقوق، وتعرف عليها من خلال أسرته فهي ابنة صديق والده وعندما رآها أعجب بها من النظرة الأولى.
في البداية رفضت عائلة لواحظ إحسان كعروس لابنتهم لأنه صحفي ناشئ لكن العروس صممت على الزواج وبالفعل تم الزواج ورزق منها بولدين وهما أحمد ومحمد.
توفي إحسان عبد القدوس في 12 يناير عام 1990 عن عمر 71 عامًا، وشعر بوفاته قبلها ب40 يوماً، حيث كان يجلس مع قرينته وقال لها "هل الموتى يحسون؟" وحينما تعجبت من سؤاله قال لها إنه يحس أن الموت قادم في القريب العاجل، وتوفي بعدها ب 40 يومًا.
بدأت الكاتب إحسان عبد القدوس مسيرته الأدبية مبكرًا، حيث تولى رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف –المجلة التي أسستها والدته- وهو عمره 26 عامًا، وكان يوقع مقالاته باسم إحسان عبد القدوس المحامي، بعدها قدم استقالته من الجريدة وترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين.
بعد استقالته من مجلة والدته تولى رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم لمدة عامين، وبعدها عُين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئاسة التحرير في الفترة ما بين 1971 إلى 1974.
وكان يكتب إحسان في السياسة وهو ما عرضه للسجن والاعتقالات أكثر من مرة، ولعل أهم القضايا السياسية التي تحدث عنها هي قضية الأسلحة الفاسدة، وتعرض بسببها لمحاولات اغتيال أكثر من مرة.
أيضًا تعرض للسجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وإحداها بسبب مقالة نشرها في مجلة روز اليوسف تحمل عنوان "الجمعية السرية التي تحكم مصر" وهاجم فيها قيادة الثورة، واعتقل بعدها في زنزانة فردية رقم 91 من أبريل إلى يوليو عام 1945.
روايات إحسان عبد القدوس
أما في الأدب فقد كتب إحسان أكثر من 600 رواية وقصة وتم تحويل العديد منها إلى أفلام سينمائية ومسرحيات ومسلسلات إذاعية، ومسلسلات تلفزيونية.
كما تُرجمت أعماله الأدبية والروائية إلى العديد من اللغات، كالإنجليزية، والفرنسية، والصينية، والأوكرانية، والألمانية. ركز إحسان في رواياته على فساد المجتمع المصري والرذيلة التي تفشت فيه والبعد عن الأخلاق، والاهتمام بالجنس والشهوات فقط، ولعل من هذه الروايات رواية "النظارة السوداء"، و"صانع الحب" واللتا صدرتا قبل ثورة 1952.
ومن روايات إحسان عبد القدوس الرومانسية "أيام شبابي"، و"صانع الحب"، و"بنت السلطان"، و"التجربة الأولى"، و"سيدة في خدمتك"، و"وكر الوطاويط"، و"زوجات ضائعات"، و"علبة من صفيح"، وغيرها.
وليس إحسان الكاتب الوحيد الذي كتب عن الجنس في رواياته، فسبقه توفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" والمازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" ولكنهما توقفا عن الكتابة عن الجنس بسبب ثورة الناس ضدهم، أما إحسان فلم يضعف على الرغم من سخط الناس عليه.
وتعد من أهم وأفضل روايات إحسان عبد القدوس رواية "شيء في صدري" التي صدرت عام 1958 التي رسم فيها الصراع بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشعبي، أيضًا روايته "البنات والصيف" التي اعترض عليها الرئيس السابق جمال عبد الناصر بسبب وصفه لحالات الجنس بين الرجال والنساء في إجازات الصيف.
ولكن لم يلقِ إحسان اهتمامًا لأي من الاعتراضات التي واجهته بسبب كتاباته، وإنما برر أن قصصه من وحي الواقع، بل الواقع أقبح من ذلك، وهو يكتب هذه القصص أملًا في إيجاد حلول لها.
وحصل على جوائز وتكريمات عديدة، ومنها الجائزة الأولى عن روايته "دمي ودموعي وابتساماتي" في عام 1973، وجائزة أحسن قصة فيلم عن روايته"الرصاصة لا تزال في جيبي".
أيضًا كرمه الرئيس السابق جمال عبد الناصر ومنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومنحه الرئيس السابق محمد حسني مبارك وسام الجمهورية، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب في سنة 1989.
كان لإحسان دور بارز في صناعة السينما حيث تحولت عدد من كتب إحسان عبد القدوس وروايته إلى أفلام سينمائية، ولكن لم يقتصر دوره في السينما على ذلك فحسب، بلشارك في كتابة السيناريو والحوار لكثير من الأفلام، وشارك في صياغة وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم "لا تطفئ الشمس".
أيضًا كتب الحوار لفيلم "إمبراطورية ميم" وشارك في كتابة سيناريو فيلم "أبي فوق الشجرة"، أما عدد الروايات التي كتبها والتي تحولت إلى أفلام ومسلسلات قرابة الـ70 فيلمًا ومسلسلًا تلفزيونيًا.
حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى مسرحيات، و9 روايات إلى مسلسلات إذاعية، و10 روايات إلى مسلسلات تلفزيونية ليتربع على عرش أكثر كاتب وروائي له أفلام ومسلسلات، ولا ينافسه في ذلك إلا الأديب نجيب محفوظ.
أيضًا تعامل مع 16 مخرجًا وكان نصيب الأسد منها حسين كمال، وصلاح أبو سيف، وأحمد يحيى، ولم يكن يتعامل إلا مع المخرجين الذين يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله.
وهناك العديد من الأفلام التي أنتجت من رواياته وحققت نجاحًا باهرًا في السينما المصرية، ولعل أهمها فيلم "لا أنام" من بطولة فاتن حمامة، وفيلم "في بيتنا رجل" من بطولة زبيدة ثروت، وفيلم "كرامة زوجتي" من بطولة شادية.
ومن وجهة نظره فإن أفضل الممثلات اللاتي تمكن من تجسيد شخصيات قصصه هي الفنانة فاتن حمامة، التي تمكنت من تجسيد شخصية نادية في فيلم "لا أنام" وشخصية فايزة في فيلم "الطريق المسدود"، أيضًا أحب التعامل مع الفنانة نبيلة عبيد، ونادية لطفي، ولبنى عبد العزيز، وسعاد حسني.