أحد أهم المفكرين العرب وأكثر المدافعين عن الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، إنه إدوارد سعيد المولود في القدس يوم 1 نوفمبر عام 1935، عمل أستاذ جامعي للنقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك.
ويعتبر من مؤسسي دراسات ما بعد الاستعمار أو ما بعد الكولونيالية، كما كان عضوا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته
كان كتابه "الاستشراق" الذي صدر في عام 1978، أحد أهم كتبه والتي عبرت عن أفكاره المميزة عن دراسات الاستشراق الغربية المختصة بدراسة الشرق والشرقيين، حيث كان يرى أن الدراسات الاستشراقية مرتبطة بالمجتمعات الإمبريالية ولها أبعاد وأهداف سياسية وأنها لا تعبر عن المجتمعات الشرقية.
وانتهت في التشكيك بأبيات ونتائج دراسات الاستشراق، وحصلت مذكراته التي صدرت عام 1999 بعنوان "خارج المكان" على عدد من الجوائز منها جائزة نيويورك لفئة غير الروايات، وجائزة كتب أنيسفيلد-ولف لفئة غير الروايات وغيرها، كما كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني حتى عام 1991 واستقال احتجاجاً على اتفاقية "أوسلو".
ولد المفكر الراحل في مدينة القدس يوم 1 نوفمبر عام 1935، وخدم والده الفلسطيني البروتستانتي في الحرب العالمية الأولى في فرنسا ضمن القوات الأمريكية ليحصل على الجنسية الأمريكية، وعاش إدوارد حتى عمر 12 عاما متنقلاً بين القدس والقاهرة.
والتحق بالمدرسة الإنجيلية ومدرسة المطران في القدس سنة 1947، وعندما بدأت حرب 48 انتقل مع عائلته من حي الطالبية في القدس إلى القاهرة، وقبل نهاية الأربعينات التحق بكلية فيكتوريا في الإسكندرية وطرد منها في عام 1950 بسبب مشاغباته.
وعندما بلغ 15 عاما التحق بمدرسةٍ داخليةٍ في ماساتشوستس بالولايات المتحدة، لتسهيل حصوله على الجنسية الأمريكية، ثم درس الآداب وتخرج من جامعة برنستون في عام 1957، وحصل على ماجستير الآداب عام 1960، والدكتوراه في النقد الأدبي والأدب المقارن عام 1963 من جامعة هارفارد.
أما عن ديانة إدوارد سعيد، فهو مسيحي الديانة.
في نفس عام حصوله على الدكتوراه انضم إدوارد إلى جامعة كولومبيا ليعمل في قسم اللغة الإنجليزية والأدب المقارن، كما عمل أستاذاً زائراً للأدب المقارن في جامعة هارفارد عام 1974.
وزميلاً لمركز الدراسات المتقدمة للعلوم السلوكية التابع لجامعة ستانفورد، وأستاذاً مساعداً للغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، وأستاذ للسلطنات القديمة وتأسيس حقوق الإنسان، وأستاذاً زائراً في جامعة جونز هوبكينز.
وأستاذاً زائراً في جامعة ييل، كما قدم محاضرات في نحو 100 جامعة، وفي عام 1992 حصل على لقب أستاذ جامعي في جامعة كولومبيا وهي أعلى درجة علمية أكاديمية.
ونشر مقالات في دورية "ذا نيشن" وصحيفة الجارديان ومجلة لندن ريفيو أوف بوكس وصحيفة لوموند ديبلوماتيك وصحيفة كاونتربونش وصحيفة الأهرام المصرية والحياة اللندنية، وتم ترجمة كتابته إلى 26 لغة مختلفة.
قدم المفكر الراحل عددا من الكتب المهمة طوال تاريخه الأكاديمي وكان من أهمها كتاب "الاستشراق" وحظي الكتاب بشهر واسعة، وكتاب "الإسلام في عيون الغرب" الذي يضم مقالات عن صورة الإسلام في عيون المجتمع الغربي.
وكتاب "الآلهة تفشل دائمًا" الذي يتحدث عن دور المثقف والظواهر الناتجة عن ارتباط الثقافة بأي سلطة، بالإضافة إلى كتاب "استكشافات في الموسيقي والمجتمع" وهو عبارة عن حوار بين إدوارد ودانيال بارنيوم مدير الشؤون الموسيقية لأوركسترا شيكاغو حول الفرق بين الموسيقي والنثر والصوت والعزف، بجانب كتاب "الحرب من أجل فلسطين إعادة كتابة تاريخ 1948".
يعتبر موقفه من الاستشراق الذي عبر عنه في كتابه الشهير الذي حمل نفس الاسم أحد أهم أسباب شهرته الأكاديمية، وقال إدوارد عن الكتاب: "هذا الكتاب نما بطرق لم أشهد مثيلا لها، ثم وعلى نحو مفاجئ أصبح شيئاً أكبر.
أصبح التاريخ الكامل لتمثيل الآخر، أعتقد أنه أحد أوائل الكتب التي حاولت القيام بذلك، ولم يكن الكتاب مجرد عمل فكري بل ضم كذلك الكليشيهات التي اتبعتها الدول الاستعمارية لفرض هيمنتها على المستعمرات".
ويرى المفكر الفلسطيني الراحل أن الدراسات الغربية عن الشرق مليئة بالريبة ولا يمكن الوثوق بها، وأن تاريخ الحكم الاستعماري والهيمنة السياسية على الشرق من خلال الدول الأوروبية شوهت هذه الدراسات.
وقال في كتابه: "كان المستشرق الحديث في نظر نفسه بطلا ينقذ الشرق من مهاوي الغموض، والعزلة، والغرابة التي كان هو ذاته قد ميزها بشكلها الصحيح"، كما قال إن الغرب لديه رؤية نمطية عن الشرق في الفن والأدب منذ العصور القديمة.
يعتبر المفكر الفلسطيني الراحل من أهم المدافعين عن الحقوق الفلسطينية وقام في كتاب "مسألة فلسطين" بشرح القضية من المنظور الفلسطيني منذ بداية الحركة الصهيونية وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وتأكيد أحقية الفلسطينيين بأرضهم وقدم وثائق تكذب الدعاية الصهيونية بعدم وجود شعب في فلسطين، وقيل عنه: "كان إدوارد سعيد عدواً ونقيضاً للخطاب الصهيوني بكل مكوناته".
وقال عن فلسطين في مذكراته: "كان عام 1967 مدمرا لي ولكل شيء عرفته، كنت وحيدا في أمريكا وقتها حيث شاع فيها إحساس عارم بالنصر ليس فقط في أوساط اليهود وحسب وإنما عند الجميع، ولم أعد الإنسان ذاته بعد 67، فقد دفعتني صدمة الحرب إلى نقطة البداية، إلى الصراع على فلسطين".
كما شارك في جهود إقامة الدولة الفلسطينية، وكان عضوا مستقلا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ 1977 وحتى 1991، ووضع مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش وثيقة إعلان دولة فلسطين عام 1988، واستقال منه عام 1991 احتجاجاً على اتفاقية أوسلو حيث اعتبر بنود الاتفاق غير مقبولة ولن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية.
ومن مواقفه الشهيرة عندما ظهر في صورة عام 2000 مع ابنه وهو يلقي بحجر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية باتجاه إسرائيل وتم اتهامه بالتعاطف مع الإرهاب، ولكنه قال إن ما فعله يعبر عن "رمزية الفرح لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان".
حصل المفكر والأكاديمي الفلسطيني على عدد من الجوائز المرموقة منها جائزة أميرة أشتوريس للكنونكورد عام 2002، وجائزة أنسفيلد وولف في عام 2000، وجائزة نونينو الدولية عام 1996، وجائزة الكتاب الأمريكي في نفس العام، وزمالة غوغنهايم عام 1972.
توفي المفكر الفلسطيني يوم 25 سبتمبر 2003 في مدينة نيويورك بعد صراع مع مرض "اللوكيميا" لمدة 10 أعوام، وأوصى بنثر رماده في دولة عربية واختار لبنان ونقل رماده في 30 أكتوبر 2003 إلى مقبرة برمانا الإنجيلية في جبل لبنان.
أشهر أقوال إدوارد سعيد
عبر المفكر الفلسطيني الراحل عن أفكاره في عبارات مميزة دائما ما يتناقلها القراء ومن أبرزها: "الاستسلام للتخصصية، حسبما أشعر دائما هو كسل، ولذا ينتهي بك الأمر إلى تنفيذ ما يطلبه منك آخرون، لأن هذا هو ما يمليه عليك التخصص".
كما قال "النقد، كما يمارس الآن، نشاط أكاديمي يقع في معظمه بعيدًا عن القضايا التي تهم قارئ الصحيفة اليومية".
وقال أيضا: "لا يوجد في الدراسات الأكاديمية حول الإسلام، وهي على ما هي عليه حالياً، إلا النزر اليسير لتقويم الوضع السائد تجاه الإسلام أو تعديله.
وبعبارة أخرى فإن الإنشاء حول الإسلام إن لم يكن فاسداً باطلاً برمته، لهو ومن المؤكد منسوب بألوان الوضع السياسي والاقتصادي والفكري الذي ينشأ فيه "، كما قال: "كل صفحة من صفحات القصيدة أو الرواية لا بد من أنها استولت على حقيقة اجتماعية ما، أو مسّت حياة إنسان ما، أو كبتت طبقة اجتماعية أو أعلت من شأن أخرى".
