أنسي الحاج.. رائد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر

تميزت المسيرة الشعرية للشاعر اللبناني المعاصر أنسي الحاج بالتجديد والإبداع، فهو يعد من رواد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر، فضلًا عن أعماله في القصة القصيرة وكتاباته في المجلات الأدبية، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.

من هو أنسي الحاج؟

أنسي لويس الحاج هو شاعر لبناني معاصر ولد في 27 يوليو عام 1937 في قرية جزين إحدى قرى قضاء جزين في محافظة الجنوب.

للشاعر والصحفي أنسي مسيرة حافلة بالإبداع والنضال الثقافي، ولد في قيتولي قضاء جزّين في لبنان، حيث نشأ في بيئة ثقافية تحمل في طياتها الحبّ للكلمة والتعبير.

تألق أنسي الحاج في مجال الصحافة، حيث انضم إلى جريدة "النهار" وأسهم في تأسيسها وإصدارها، وكان له دور بارز في صفحتها الثقافية وملحقها الأدبي المعروف.

لم يقتصر إبداعه على مجال الصحافة فقط، بل استمر في تقديم إسهاماته الأدبية والفكرية من خلال تأسيس مجلة الشعر والمشاركة في العديد من المجلات والصحف الثقافية.

من أبرز إنجازاته الأدبية، ديوانه الأول "لن" الذي اشتهر بمقدمته النظرية التي دافع فيها عن أصول قصيدة النثر ونقدها، كما له مساهمات أدبية متعددة في صحف ومجلات مختلفة، وتحت إشرافه صدرت عدة مجموعات شعرية.

تتجلى أهمية أنسي الحاج كشاعر وصحافي في مساهمته في إثراء الحياة الثقافية والأدبية في لبنان والعالم العربي، وترك بصمة لامعة في ميدان الثقافة والأدب.

نشأته وتعليمه

أنسي الحاج ابن لأسرة تتمتع بتقاليد ثقافية، حيث والده لويس الحاج كان صحافيًا ومترجمًا، ولعل هذا الجو الثقافي الذي نشأ فيه ساهم في تشكيل شخصيته ورؤيته الفنية والثقافية.

والده هو الصحافي والمترجم لويس الحاج، أما والدته اسمها ماري عقل، وقد تلقى تعليمه في مدرسة الليسيه الفرنسية ثم درس في معهد الحكمة.

زوجة أنسي الحاج

تزوج من السيدة ليلى ضو عام 1957 ولديه منها ندى ولويس.

مسيرته المهنية في الصحافة

بدأ أنسي الحاج ينشر قصصه القصيرة وقصائده منذ عام 1954 من خلال المجلات الأدبية المختلفة حينما كان طالبًا في المدرسة، ثم اتجه بعدها إلى الصحافة حيث كتب في صحيفة "الحياة"، و"النهار" وعمل فيها بشكل دائم بداية من عام 1956 حيث كان مسؤولًا عن الصفحة الأدبية في الجريدة.

انتقل بعدها للعمل في جريدة النهار وكان محررًا للزوايا السياسية لعدة سنوات وبعدها انتقل إلى الزاوية الأدبية اليومية وأصبح يكتب صفحة أدبية يومية في الجريدة.

في عام 1964 أصدر أنسي الملحق الصقافي الأسبوعي في جريدة النهار وظل يصدرها حتى عام 1974 بمساعدة الشاعر اللبناني شوقي أبوشقرا، وفي عام 1957 ساهم في تأسيس مجلة "شعر" مع الشاعر يوسف الخال وأدونيس وأصدر فيها أول ديوان له ومجموعة من قصائد النثر.

تولى أنسي رئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف بجانب عمله في جريدة النهار، ومنها صحيفة الحسناء وصحيفة النهار العربي والدولي، وقد ظل رئيس تحرير للنهار من عام 1992 حتى  استقالته عام 2003.

الأعمال الكاملة أنسي الحاج

بدأ الشاعر والمؤلف اللبناني أنسي الحاج مشواره الأدبي وهو لا يزال في سن المراهقة، حيث بدأ بنشر قصص قصيرة وأبحاث وقصائد في المجلات الأدبية منذ عام 1954. وفي عام 1960، أصدر أول ديوان له بعنوان "لن"، والذي كان أول مجموعة قصائد نثرية في اللغة العربية.

على مدار مسيرته، عمل الحاج على ترجمة أكثر من عشر مسرحيات من الأدب العالمي إلى العربية، لكتّاب مثل شكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت، وقد تم عرض هذه المسرحيات في المهرجانات المسرحية المحلية.

تمت ترجمة مختارات من شعره إلى عدة لغات، من بينها الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والأرمنية والفنلندية، مما جعل أعماله محط اهتمام دولي.

ابنته ندى الحاج قامت بجمع كتابات غير منشورة له ونشرتها في كتاب بعنوان "كانَ هذا سهواً" عام 2016، في ذكرى وفاته الثانية.

نشر الحاج عدة مجموعات شعرية على مدى حياته، ومن قصائد الشاعر أنسي الحاج "لن" عام 1960، و"الرأس المقطوع" عام 1963، و"ماضي الأيام الآتية" عام 1965، و"ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" عام 1970، و"الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" عام 1975، و"الوليمة" عام 1994.

بالإضافة إلى دواوينه الشعرية، له كتاب مقالات في ثلاثة أجزاء بعنوان "كلمات كلمات كلمات" عام 1978، وكتاب آخر في التأمل الفلسفي والوجداني بعنوان "خواتم" تم نشره في جزأين في عامي 1991 و1997، ويجري العمل على الجزء الثالث حاليًا.

قصيدة غيوم أنسي الحاج

من القصائد المميزة للشاعر أنسي الحاج قصيدة غيوم والتي يقول فيها:

غيوم

غيوم، يا غيوم

يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ

غيوم، يا غيوم

علِّميني فرَحَ الزوال!

هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح،

وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ؟

لا أسألُ لأُجاب، بل لأصرخ في سجون المعرفة.

ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم

ولا أن يظفر بدون جِزْية.

لا أعرف من قسَّم هذه الأقدار، ومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها.

هلمّي يا ليّنتي وقاسيتي،

يا وجهَ وجوه المرأة الواحدة،

يا خرافةَ هذياني،

يا سلطانةَ الخيال وفريستَه،

يا مسابِقةَ الشعور والعدد،

هلمّي الى الثواني المختلجة نسرق ما ليس لأحد سوانا.

وهْمُكِ أطيبُ من الحياة وسرابُكِ أقوى من الموت.

أجمل ما قال أنسي الحاج

من قصائده المميزة قصيدة "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" وفيها يقول:

يدي يدٌ لكِ ويَدُكِ جامعة

حَسَرْتِ الظّلَّ عن شجرة النَّدَم

فغسل الشتاءُ نَدَمي وَحَرَقه الصّيف

أنتِ الصغيرة كنُقطة الذهب

تفكّين السّحر الأسود

أنتِ السائغةُ اللينة تشابكتْ يداكِ مع الحُبّ

وكُلّ كلمةٍ تقولينها تتكاثف في مجموع الرّياح.

أنتِ الخفيفةُ كريش النعام لا تقولين تعال،

ولكنْ كُلّما صادَفْتُكِ كُلَّ لحظةٍ أعودُ إليكِ بعد غيابٍ طويل

وفي قصيدته "ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" نجده يقول:

قولوا هذا موعدي وامنحوني الوقت.

سوف يكون للجميع وقت، فاصبروا.

اصبروا عليَّ لأجمعِ نثري.

زيارتُكم عاجلة وسَفَري طويل

نظرُكم خاطف وورقي مُبعْثَر

محبّتُكم صيف وحُبّيَ الأرض.

مَن أُخبر فيلدني ناسياً

إلى مَن أصرخ فيُعطيني المُحيط؟

صــار جسدي كالخزف ونزلتُ أوديتي

صـارت لغتي كالشمع وأشعلتُ لغتي،

وكنتُ بالحبّ.

وفاة أنسي الحاج

توفي الشاعر والصحفي اللبناني أنسي الحاج يوم الثلاثاء الموافق 18 فبراير عام 2014 عن عمر 76 عامًا بعد صراع مع مرض سرطان القولون، حيث تدهورت صحته قبل وفاته في منزله. بعد وفاته بعامين وتحديدًا في 27 يوليو عام 2016 احتفل محرك البحث جوجل بالذكرى الـ79 لميلاد أنسي الحاج.