"كوكب الشرق".."قيثارة الشرق" ،"فنانة الشعب" ،"ثومة" ،"سيدة الغناء العربي"... ألقاب طاردت أم كلثوم أو فاطمة إبراهيم البلتاجي، التي ظلت لسنوات تشدو وتطرب آذان الوطن العربي ككل.
"أم كلثوم" لم يكن والدها يريد أن تغني ولكن كل من سمع صوت هذه الطفلة المعجزة تنبأ لها بمستقبل مبهر، حتى ترك والدها بطانتها، وأنشأت فرقتها الموسيقية وبدأت تقدم أروع الأغاني، التي ما زالت تتردد حتى الآن رغم وفاتها منذ حوالي 47 عاما. مسيرتها وأبرز المعلومات عن حياتها في السطور التالية..
اسمها الحقيقي بالكامل فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، ولدت "فاطمة" أو أم كلثوم في قرية تسمى طماي الزهايرة، في مركز السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية في 31 ديسمبر 1898، ولكن تاريخ ميلاد أم كلثوم وفقا للسجلات فهو 4 مايو 1908.
كانت أسرتها فقيرة، تعيش في منزل من الطوب اللبن، والدها الشيخ إبراهيم إماماً ومؤذناً لمسجد القرية، بالإضافة لعمله كمنشد في حفلات الزفاف في القرية لتحسين دخله، أما ووالدتها فاطمة المليجي فكانت ربة منزل. أما عن أخوات أم كلثوم فهم "خالد" وأختها "سيدة".
التحقت "أم كلثوم" بالكتاب، فتعلمت القراءة والكتابة وحفظت القرآن، حينما سمعها والدها تدندن بالأغاني التي يحفظها لأخيها "خالد" ضمها معه لدروس الغناء وبدأ يصطحبها في حفلاته وعمرها اثنتي عشرة سنة، وكانت ترتدي العقال مثل أخيها خالد.
بدأ صيتها يذيع في صغرها، وبدأ الناس تطلب "أم كلثوم" بالاسم وتحول والدها وأخوها للعمل في بطانتها، في عام 1916 كان الشيخ زكريا أحمد والشيخ أبو العلا محمد في السنبلاوين، وعندما سمع صوتها أعجبا بها بشدة وبدأوا في محاولة إقناع والدها بالسفر بها إلى القاهرة.
في عام 1922، ذهب والدها بها إلى القاهرة، وأحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا وأعطتها سيدة القصر خاتما ذهبيا وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها.
بدأت "أم كلثوم" الغناء في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس بدون فرقة موسيقية، وغنت على مسرح حديقة الأزبكية واشتهرت بقصيدة "وحقك أنت المنى والطلب" وتعد هذه أول أسطوانة لها صدرت في منتصف العشرينيات وبيع منها ثمانية عشر ألف أسطوانة.
بدأت منذ عام 1923 الغناء في حفلات أكبر الشخصيات في البلد وبحضور أهم المطربين في ذلك الوقت، فحضرت إحدى حفلاتها سلطانة الطرب في ذلك الوقت منيرة المهدية، وكذلك الموسيقار محمد عبدالوهاب.
في نفس العام 1924 أدخلت "أم كلثوم" الموسيقي في غنائها، بعد أن تعرفت إلى طبيب أسنان يهوى الموسيقى هو أحمد صبري النجريدي، وهو أول ملحن يلحن لأم كلثوم ألحانا خاصة بها، إلا أن التعاون بينهم لم يستمر كثيرا، لاعتمدت ألحانه على الزخارف الموسيقية بشكل مبالغ فيه لما تستساغه أم كلثوم.
في نفس العام تعرفت على أكثر الشخصيات التي أثرت في مسيرة "أم كلثوم" وهم الشاعر أحمد رامي، الذي تعرفت عليه عن طريق الشيخ أبو العلا محمد، ومن بعده الملحن محمد القصبجي.
كون محمد القصبجي لها أول فرقة موسيقية بديلة للبطانة التي كانت سخرية الصحف في ذلك الوقت، وقتها انسحب والدها الشيخ إبراهيم وأخوها الشيخ خالد من بطانتها، وقررت "أم كلثوم" التخلي عن لبس العقال وأن ترتدي زي الآنسات.
ويعتبر عام 1928 عام الانطلاق حينما غنت مونولوج (إن كنت أسامح وأنسى الأسية)، لتحقق الأسطوانة أعلى مبيعات ويصبح اسمها يتردد في أرجاء مصر المحروسة.
كانت "أم كلثوم" تحاول التنوع ولا تعتمد على ملحن واد وفي عام 1935 لحن لها الملحن الشاب رياض السنباطي (علي بلد المحبوب وديني)، وبعد النجاح الذي حققته الأغنية استمر التعاون بينهم حوالي 40 عاما، حتى إنه يكاد يكون ملحنها الوحيد طوال الخمسينات.
لحنت "أم كلثوم" لنفسها مرتين الأولى أغنية "على عيني الهجر" والثانية كانت "يا رتني كنت النسيم".
بعد افتتاح الإذاعة المصرية كانت أم كلثوم أول من غنى فيها في 31 مايو 1934. وفي عام 1943 أسست "أم كلثوم" أول نقابة للموسيقيين برئاستها وظلت تشغل المنصب مدة عشر سنوات.
كانت "أم كلثوم" تم تكريمها من الملك فؤاد ومنحها قلادة صاحبة العصمة عام 1932، لذلك بعد أن قامت ثورة يوليو 1952، فإن الضابط المسؤول عن الإذاعة تعامل معها على أنها "مطربة العهد البائد"، وتم منع إذاعة أغانيه وطردها من منصب "نقيب الموسيقين".
نقل الصحفي مصطفى فهمي هذا الأمر إلى جمال عبدالناصر، الذي ألغي القرار، خاصة أنه تم تعيين محمد عبدالوهاب نقيبا للموسيقيين، وقيل إنه بمساندة ودعم بعض الضباط الأحرار، فبلغت أم كلثوم قرار اعتزالها إلى الصاغ أحمد شفيق، الذي نقلها إلى مجلس قيادة الثورة.
فذهب إليها وفد من مجلس قيادة الثورة وهم جمال عبدالناصر، عبدالحكيم عامر، وصلاح سالم، وأقنعوها بالعدول عن قرار الاعتزال، وتم تدارك كل ما حدث في حقها، ورأست اللجنة التي أشرفت على اختيار السلام الوطني للجمهورية الجديدة.
وفي 19 ديسمبر من نفس العام 1952، تم تكوين اللجنة الموسيقية العليا، وضمت في عضويتها كلا من أم كلثوم، رياض السنباطي، ومحمد عبدالوهاب.
عانت أم كلثوم من مرض الغدة الدرقية، وبدأت منذ عام 1954 تخفيف عدد حفلاتها، وبدأت تظهر بنظرة سوداء، لأن الغدة تسبب في جحوظ عينيها، وتوقفت عن التمثيل في السينما مكتفية بـ6 أفلام فقط.
بدأت شهرة أم كلثوم تتخطى الحدود، وتصل للعالمية، حتى أن مجلة نيوزويك كتبت عنها عام 1956 صوت أم كلثوم هو الصوت المفضل المحبوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ووصفتها بـ"ملكة بلاد العرب".
تم تداول العديد من الأنباء عن أن أم كلثوم تزوجت 4 مرات وليس مرة واحدة كما هو معلن رسميا، وأن المرة الأولى كانت زواجا صوريا من صديق والدها الشيخ عبدالرحيم، من أجل سفرها للخارج، لأنها كانت تريد أن تستخرج جواز سفر لإحياء 4 حفلات في العراق ولكن القانون كان يمنع غير المتزوجات من السفر.
فلجأوا لهذه الحيلة حتى تسافر واستمرت الزيجة 3 أسابيع حتى عادت من السفر، ووقع الطلاق.
ووقعت أم كلثوم في حب شريف صبري باشا، شقيق الملكة نازلي، واتفقا على الزواج، ولكن عائلته عارضت هذا الزواج، فطلب منها الزواج سرا ولكن رفضت أم كلثوم، ولم يتم الزواج.
أما الزيجة الثانية فكانت من الملحن محمود الشريف، الذي نشأت بينهم قصة حب وتزوجا، ولكن الزواج لم يستمر إلا أسبوع واحد، وفقا للفنان سمير صبري، بعد أن علمت "أم كلثوم" أن زوجته ما زالت على ذمته.
أما الزيجة الثالثة والتي ثار حولها كثيرا من الجدل قيل إنها كانت مع الكاتب الصحفي مصطفى أمين، وأنها كانت عرفيا واستمرت لمدة 11 عاماً، ورغم تشكيك الكثيرين في صحة الزواج إلا أن الدكتورة رتيبة الحفني أكدت وقوع الزواج.
أما الزيجة الرابعة والأخيرة فكانت من الدكتور حسن الحفناوي، الذي كان يصغرها بنحو 17 عامًا، وتزوجا عام 1954 واستمر حتى وفاتها 1975.
أما عن عدد أبناء أم كلثوم، فلم تسفر الزيجة، عن أي أبناء، خاصة أنها تزوجته وقد تخطت الخمسين من عمرها.
في نهاية الخمسينات عض كلب أم كلثوم أحد المارة، ولكن وبرأتها النيابة، ليكتب شاعر العامية أحمد فؤاد نجم قصيدته الشهيرة "كلب الست"، ليضج الموضوع في الصحف، ويعتبره البعض محاباة لأم كلثوم من جانب النيابة.
أم كلثوم إنت عمري
تعتبر الستينات فترة من أروع فترات أم كلثوم الفنية، صحيح أنها لم تقارن في العدد بالخمسينات، إلا إنها كانت أكثر تأثيرا، في عام 1960، عرض عليها المطرب محمد فوزي أن يسمعها لحنا لشاب جديد موهوب ستغنيه إحدى المطربات، وبعد أن سمعت أم كلثوم اللحن من بليغ حمدي، فطلبت منه أن يعيده وفي النهاية طلبت أن تغنيه، ليبدأ التعاون بينها وبين "بليغ".
وفي نفس العام حصلت أم كلثوم على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وفي نفس العام افتتح التليفزيون لتكون أول من يغني به.
وفي عام 1964 وبناء على طلب الرئيس عبدالناصر شخصيا، تم التعاون بين الموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم في واحدة من أشهر أغانيها وهي "إنت عمري".
بعد نكسة 1967 بدأت أم كلثوم في تدشين حفلات والتبرع بأرباحها من أجل المجهود الحربي، غنت أشهر أغانيها الوطنية في تلك الفترة "أصبح عندي بندقية".
وفي ليلتي 13 و15 نوفمبر 1967 غنت أم كلثوم في فرنسا على مسرح الأولمبيا أشهر المسارح في العالم وكانتا الحفلتين الوحيدتين اللتين تحييهما الست خارج العالم العربي وإحدى أهم الحفلات التي تقام على مسرح الأولمبيا، فقال جان ميشال بوريس أحد مديري مسرح الأولمبيا في تلك الفترة أن 3 مغنين حفروا أسماءهم في ذاكرة الأولمبيا أم كلثوم أولهم.
منذ بداية عام 1971 بدأت صحة أم كلثوم تسوء، فانقطعت عن الحفلات وكانت أخر حفلاتها في 17 فبراير 1972 والتي قدمت فيها أغنيتها "ليلة حب"، وبداية من 1975 بدأت كليتي أم كلثوم تسوء، وبدأت الصحف تستهل نشرتها في الصفحة الأولى بأخبار الحالة الصحية لأم كلثوم.
وفي 3 فبراير 1975، تم إعلان خبر وفاة أم كلثوم عن عمر يناهز 76 عاما، بسبب قصور في القلب، وأقيمت لها جنازة مهيبة حضرها ما بين 2 لـ4 ملايين شخص.
شيعت الجنازة من مسجد عمر مكرم بوسط القاهرة، وأرسل الأمير عبد الله الفيصل هدية عبارة عن عدة ليترات من ماء زمزم وصلت مباشرة من الأراضي المقدسة كواجب أخير.
ونعتها صحف العالم، فكتبت صحيفة التايمز الأمريكية، إنها من رموز الوجدان العربي الخالدة، فيما كتبت صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية أن مشاعر العرب اهتزت من المحيط إلى الخليج.
أشهر أغاني أم كلثوم
قدمت أم كلثوم حوالي 320 أغنية لعل من أشهرها "إنت عمري"، "الأطلال"، "أمل حياتي"، "أراك عصي الدمع"، "سيرة الحب"، "يا مسهرني" ،"فكروني" ،"حيرت قلبي معاك"، "الحب كله" ،"الحب كده" .
