أسعار شوكولاتة عيد الميلاد ترتفع بسبب أزمة الكاكاو

قد يوفر موسم الكريسماسبعض الراحة لمتسوقي البقالة مقارنة بالسنوات السابقة، حيث يُسهم انخفاض التضخم الغذائي في العديد من البلدان في تخفيف الضغط على ميزانيات العطلات. لكن الشوكولاتة ليست من بين المنتجات التي استفادت من هذا الانخفاض، ففي ألمانيا، حيث يسعى المستهلكون لتخزين شوكولاتة "كيندر سانتا كلوز"، أفادت وسائل الإعلام المحلية بأنهم يدفعون زيادة تقارب 50٪ مقارنة بالعام الماضي. وقبل بدء موسم التسوق لعيد الميلاد، حذرت جمعية المستهلكين في المملكة المتحدة من أن أسعار بعض ألواح الشوكولاتة الفاخرة وصناديق هدايا الشوكولاتة قد تضاعفت تقريبًا في بريطانيا.

وفي نفس الوقت، قال أحد منتجي الشوكولاتة الفرنسيين لصحيفة "Ouest France" إنه يدفع الآن ما يصل إلى 12,000 يورو (حوالي 12,700 دولار) لكل طن متري من الكاكاو، المكون الأساسي للشوكولاتة، مقارنة بـ 3,000 يورو في العام الماضي.

أسوأ كابوس لمحبي الشوكولاتة

تواجه صناعة الشوكولاتة أزمة كبيرة بسبب نقص الكاكاو، حيث يعاني المحصول في غرب أفريقيا من تداعياتفيروس يصيب أشجار الكاكاو، مما يؤدي إلى تقليل الإنتاج بنسبة 50% في غضون عامين. بالإضافة إلى ذلك، تسببت ظاهرة النينيو في موسم أمطار غزيرة، ونقص الأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا، مما ساهم في تفاقم الأزمة. هذا إلى جانب تأثير التغير المناخي. نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الكاكاو بشكل كبير في بورصة لندن، حيث وصل سعر الطن إلى 8,363 جنيهًا إسترلينيًا (10,671 دولارًا)، بزيادة خمسة أضعاف عن العام الماضي.

قال ستيف ووتريدج، رئيس أبحاث السلع الناعمة في شركة تروبيكال ريسيرش سيرفيسز في لندن، لـDW "أن لزيادة الأخيرة في الأسعار كانت بسبب القلق من أن المحاصيل في ساحل العاج وغانا قد تكون أقل من المتوقع، مما سيقلل من فائض الإنتاج المحتمل في 2024/2025".

فيروس شجرة الكاكاو "كارثة" للمزارعين

يواجه مزارعو الكاكاو في غرب أفريقيا أزمة حادة بسبب فيروس CCSV الذي يصيب أشجار الكاكاو، ما يهدد بتفاقم الوضع في دول مثل ساحل العاج وغانا. وفقًا لتصريحات ستيف ووتريدج، رئيس قسم أبحاث السلع الناعمة في شركة تروبيكال ريسيرش سيرفيسز، فإن الإجراءات المحدودة لمكافحة الفيروس قد تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الإنتاج الذي يشهد تراجعًا بالفعل في المنطقة.

من جهتها، أكدت ميشيل نارديللا، مديرة قسم الاقتصاد في المنظمة الدولية للكاكاو (ICCO)، على ضرورة تعزيز برامج الاستدامة لتحسين ممارسات الزراعة في أفريقيا. وأوضحت أن العديد من المزارعين قد لا يدركون تأثير الفيروس على محاصيلهم، وقد يترددون في إزالة الأشجار المصابة بالنظر إلى أن الكاكاو يشكل مصدر دخلهم الأساسي، مما يجعل من الصعب عليهم اتخاذ مثل هذه القرارات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وفي هذا السياق، حذر بيير أندوراند، مؤسس شركة Andurand Capital Management، من استمرار العجز في سوق الكاكاو. وأوضح أن الإنتاج العالمي في موسم 2023-2024 قد تراجع بنسبة 13%، في حين انخفضت المخزونات في أوروبا وأمريكا إلى 25% من مستوياتها في ديسمبر 2023، ما ينذر بارتفاع حاد في الأسعار.

أعربت جمعية صناعة الحلويات الألمانية (BDSI)، التي تمثل أكثر من 200 منتج للحلويات، عن قلقها بشأن دقة أرقام الإنتاج، موضحة في تصريح لموقع DW أنه رغم التقديرات التي تشير إلى انخفاض المحصول، فإن الزيادة في شحنات الكاكاو من المزارع إلى الموانئ تشير إلى تحسن مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وفي الوقت نفسه، أكدت تقديرات وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية (BMZ) أن المزارعين في غرب أفريقيا يحصلون على نحو 7 سنتات فقط من كل يورو يُنفق على لوح شوكولاتة، بينما يستحوذ المصنعون والتجار على حوالي 80 سنتًا من نفس المبلغ، مما يبرز التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها المزارعون في ظل الظروف الحالية.

غانا تحسن صفقتها مع مزارعي الكاكاو

بدأ مزارعو الكاكاو في غانا، ثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم بعد ساحل العاج، بتخزين حبوبهم توقعًا لزيادة الأسعار، مما أسهم في تفاقم نقص المعروض. في الشهر الماضي، أعلنت الحكومة الغانية عن زيادة بنسبة 50% في المبالغ المدفوعة للمزارعين، بهدف الحد من تخزين الحبوب وتهريبها إلى الدول المجاورة التي تقدم أسعارًا أعلى. في الموسم الماضي، خسرت غانا أكثر منثلث إنتاجها من الكاكاو بسبب التهريب، وفقًا لمجلس الكاكاو في البلاد (Cocobod).

رغم الارتفاع الكبير في أسعار الشوكولاتة، الذي تسبب فيه شح إمدادات الكاكاو وزيادة التكاليف، فإن تأثير ذلك على الطلب كان محدودًا حتى الآن. ففي ألمانيا، أظهرت بيانات جمعية صناعة الحلويات الألمانية (BDSI) أن استهلاك الفرد من الشوكولاتة قد شهد زيادة طفيفة، حيث ارتفع من 9 كيلوغرامات في 2018 إلى 9.9 كيلوغرام في 2023.

لكن من جهة أخرى، كشفت بيانات شركة أبحاث السوق NIQ عن تراجع طفيف في مبيعات الشوكولاتة بنسبة 1.3% خلال الـ12 شهرًا الماضية. وفي الولايات المتحدة، شهدت مبيعات الشوكولاتة انخفاضًا بنسبة 5.5% حتى يونيو\يونيو الماضي، وفقًا لتقرير شركة "Circana" للأبحاث في شيكاغو، رغم أن هذه الأرقام لا تشمل موسم العطلات الحالي، والذي قد يحمل تأثيرًا مختلفًا على المبيعات.

البدائل تحتاج لسنوات لتؤتي ثمارها

في الوقت نفسه، يترقب منافسو غانا زيادة الإنتاج إذا استمرت محاصيل الكاكاو في الانخفاض في غرب إفريقيا. وأشار نارديللا من المنظمة الدولية للكاكاو إلى أنه رغم تراجع الإنتاج في إفريقيا، فقد ظل ثابتًا في آسيا وأوقيانوسيا، بينما شهدت أمريكا اللاتينية زيادة في الإنتاج.

وفي الهند، التي لا تمثل إلا 1% من الإنتاج العالمي للكاكاو، يرى بعض المزارعين أن النقص الحالي يشكل فرصة لهم. أما في إندونيسيا، ثالث أكبر منتج للكاكاو، ورغم أن الإنتاج بلغ ذروته في عام 2010، فإن الحكومة تعمل على إحياء القطاع من خلال دعم برامج زراعة الأشجار. ووفقًا لصحيفة "جاكرتا بوست"، تضاعفت صادرات إندونيسيا من الكاكاو من يناير إلى أكتوبر 2023 لتصل إلى 2 مليار دولار.

وقال ووتريدج، الخبير البارز في مجال الكاكاو، لموقع DW: "أن المزارعون في مناطق أخرى من العالم بدأوا بالفعل في الاستجابة. ونحن نتوقع إنتاجًا قياسيًا هذا العام في دول مثل الإكوادور، بيرو، الكاميرون، نيجيريا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوغندا."

واضاف حتى إذا تم تخصيص مساحات كبيرة لزراعة الكاكاو، فإن الأشجار تحتاج عادة إلى أربع سنوات لتنضج وتنتج المحصول، مما يعني أن هذا لن يكون له تأثير فوري في تخفيف الأزمة الحالية على المدى القصير.

وتوقع ستيف ووتريدج أن يستغرق تأثير زيادة أسعار الكاكاو من ستة إلى تسعة أشهر حتى يظهر على المستهلكين، مما يعني أن شوكولاتة عيد الميلاد المقبل قد تكون أكثر تكلفة من المعتاد. وأضاف قائلاً: "العوامل الرئيسية التي ستؤثر هي ما إذا كانت المحاصيل المتوسطة ستستمر في التدهور، وإذا ما كان لارتفاع الأسعار تأثير كبير على الاستهلاك في فترات الذروة مثل عيد الميلاد، عيد الحب، وعيد الفصح."

أعدته للعربية ندي فاروق