أستور بيازولا.. العبقري الذي غيّر ملامح التانغو

يعد الموسيقار الأرجنتيني أستور بيازولا من أبرز تاريخ الموسيقى اللاتينية والعالمية، فقد ترك بصمة لا تنسى في عالم التانغو، حيث أعاد تشكيلها من رقصة شعبية تقليدية إلى تجربة فنية مميزة تحمل من تأثيرات الموسيقى الكلاسيكية والجاز، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وحياته.

من هو أستور بيازولا؟

أستور بانتاليون بيازولا، هو ملحن وموسيقار أرجنتيني، ولد في 11 مارس عام 1921، وواحد من أهم المؤثرين في التانغو التقليدي، حيث حوّله إلى من جديد اسمه "التانجو الجديد".

تأثر أستور بموسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية الغربية في صغره، وهو ما شكل خلفية موسيقية متنوعة وغنية، وفي بداياته عزف على آلة الباندونيون، التي تشبه الأوكرديون، وأصبحت تلك الآلة فيما بعد رمزه الخاص.

انضم أستور بيازولا إلى فرقة موسيقية تقليدية تعزف التانجو، وخلال تلك الفترة قرر أن يدمج بين موسيقى التانجو وأنواع موسيقية جديدة ليطلق عليها اسم "التانجو الجديد".

رغم أن أسلوب أستور الجديد واجه انتقادات عدة في البداية، إلا أن موسيقاه لاقت إعجاب الجمهور حول العالم. تعاون أستور فيما بعد مع فنانين عالميين، وأسهم في تعريف الجمهور الأوروبي والأمريكي والعالمي بالتانجو العصري.

نشأته وتعليمه

ولد أستور بيازولا في مدينة مار ديلا بلاتا في الأرجنتين، وهو الطفل الوحيد لوالديه، ولديه أصول إيطالية من جهة والدته.

في عام 1925، وعندما كان أستور يبلغ من العمر 4 سنوات، انتقل مع والديها إلى نيويورك، حيث عاش هناك وسط ظروف معيشية صعبة، فقد استقرت الأسرة في قرية غرينتش، التي عرفت بانتشار العصابات وأعمال العنف فيها.

لم يحظ أستور باهتمام من والده؛ بسبب انشغاله بالعمل للإنفاق على الأسرة، لذا قضى أستور أوقات طويلة في الشارع، كما كان يقضي وقته بالسماع لموسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية.

في عام 1929، بدأ أستور تعلم العزف على آلة الباندويون، وهي هي آلة موسيقية تشبه الأوكرديون، بعدما اشتراها له والده. بحلول عام 1932، بدأ أستور تأليف الموسيقى الخاصة به، وكانت أول مقطوعة اسمها "لا كاتينجا".

قرر أستور فيما بعد أن يتلقى تعليمًا احترافيًا في الموسيقى، فتعلم على البيانو، كما تعلم بشكل احترافي على آلة الباندونيون من العازف الروسي رحمانينوف. في عام 1934، التقى أستور بيازولا بالموسيقار كارلوس جارديل، الذي يعد من الشخصيات المهمة في تاريخ التانغو، ودعاه إلى المشاركة معه في جولته، إلا أن والده رفض لصغر سنه، وقد كان أستور محظوظًا كفاية، حيث توفي جارديل وكل الأوركسترا الخاصة به في حادث تحطم طائرة.

زوجته وأطفاله

تزوج أستور بيازولا من السيدة ديدي وولف عام 1943، ورزق منها بطفلين، وهما ديانا ودانيال.

بداية مسيرته الفنية

بدأ أستور بيازولا مسيرته الفنية الاحترافية بداية من عام 1936، حيث عمل كعازف على آلة الباندويون في فرق تانغو متنوعة، وفي عام 1938، انضم إلى أوركسترا عازف الباندونيون أنيبال ترويليو في بوينس آيرس، والذي تعاون معه في العددي من الحفلات، كما أصبح موزعًا لتوريليو من حين لآخر.

بحلول عام 1941، بدأ بيازولا كسب أموال جيدة من العزف، لذا استثمر هذه الأموال في تطوير مهاراته من خلال دراسة المزيد من الموسيقى الكلاسيكية، وفي عام 1943، ألف أول مقطوعة كلاسيكية خاصة به.

في عام 1946، قرر بيازولا ترك أوركسترا ترويليو، وانضم إلى فرقة أوركسترا مغني التانغو فيورنتينو، حيث خاف في ذلك الوقت أن تطغى الموسيقى الكلاسيكية على أسلوبه.

في العام نفسه، شكل أستور بيازولا فرقة أوركسترا اسمها "تيبيكا"، والتي أتاحت له الفرصة تجربة أسلوبه الخاص في التوزيع الموسيقي للتانغو، وألف أول موسيقى تانغو رسمية اسمها "إل ديسباندي".

بدأ بيازولا فيما بعد تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام، كما تفرغ للكتابة الموسيقى والدراسة في الفترة من عام 1950 حتى 1954.

دراسة الموسيقى في باريس

في عام 1953، ترك أستور بيازولا عائلته في الأرجنتين، واتجه إلى باريس لدراسة الموسيقى، حيث كان وقتها قد سئم من موسيقى التانغو، وأراد دراسة الموسيقى الكلاسيكية بشكل معمق.

في باريس، أدرك بيازولا أن موهبته تكمن في الدمج بين الموسيقى الكلاسيكية والتانجو، وخاصة بعدما عزف مقطوعته الموسيقية "تريونفال". وفي باريس، ألف بيازولا سلسلة من مقطوعات التانجو مع أوركسترا الأوتار في أوبرا باريس، وعاد مجددًا للعزف على الباندونيون.

تأسيس "التانجو الجديد"

عاد أستور بيازولا إلى الأرجنتين وهناك بدأ في نشر موسيقى التانجو الجديدة، والتي جعلت منه شخصية مثيرة للجدل في وطنه، حيث تلقى انتقادات عدة من المحافظين الراغبين في الحفاظ على أصالة التانجو، إلا أن موسيقاه لاقت قبولًا واسعًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وفي المقابل، تلقت الموسيقى الخاصة به قبولًا من الشريحة الليبرالية في المجتمع الأرجنتيني، وهي الشريحة نفسها التي كانت تسعى إلى تغييرات سياسية بالتوازن مع الثورة الموسيقية التي بدأها بيازولا.

في عام 1958، حلّ بيازولا فرقته الموسيقية، وعاد إلى نيويورك، وهناك كافح لكسب لقمته موسيقي، وشكل فرقة موسيقية خاصة به. في عام 1959، ألف بيازول مقطوعته الشهير "أديوس نونينو" بعد تلقيه خبر وفاة والده، وهي الموسيقى التي حققت له شهرة كبيرة في نيويورك.

قدم بيازولا جولات موسيقية في عدة مدن أمريكية، ثم عاد إلى بوينس آيرس عام 1960، وشكّل أولى خماسياته، وأشهرها "أول كينتيتو"، وقد برزت في هذه الخماسية نهجه الجديد والثوري في التانجو.

في عام 1965، أصدر بيازولا ألبوم "التانجو"، وفي العام التالي، تعاون مع الشاعر  هوارسيو فيرير، وقدما معًا أسلوبًا جديدًا من التانجو، وحصل في عام 1966 على أول جائزة شعبية في بلده.

خلال بداية السبعينات، واصل بيازولا في تقديم الموسيقى المميزة، وفي عام 1978، شكل خماسيته الثانية، والتي ظل يقدمها في حفلات حوال العالم على مدار 11 عامًا، واكتسب شعبية عالمية بسببها. عاش بيازلوا في الفترة من 1976 إلى 1983 في إيطاليا خلال فترة الدكتاتورية العسكرية في بلاده.

واصل بيازولا السفر حول العالم لتقديم الموسيقى الخاصة به حتى محنة مرضه عام 1990، ومن ثم وفاته بعدها.

وفاة أستور بيازولا

في 4 أغسطس عام 1994، أصيب أستور بيازولا في بنزيف دماغي في باريس دخل بسببها في غيبوبة، ولم يستعد وعيه أبدًا، حيث توفي في 4 يوليو عام 1992.