لم يتلقَ الداعية الإسلامي أحمد ديدات تعليمًا فقهيًا أكاديميًا مثل غيره من العلماء والدعاة حول العالم إلا أنه تمتع بمؤهلات علمية تساوي بل قد تزيد عن المؤهلات الأكاديمية فتسلح بالإيمان المطلق وإتقان الكثير من اللغات وسرعة البديهة والقدرة على الحفظ التي مكّنته من الانتصار في كل المناظرات الإسلامية التي شارك بها.
سفير القرآن وفارس الدعوة وشيخ المناظرين كلها ألقاب حصل عليها الداعية الراحل ديدات، فكيف كانت نشأته؟ وما هي الظروف التي جعلته يسلك الطريق الدعوي؟ وما هي أبرز المحطات في حياته؟
من هو أحمد ديدات؟
أحمد حسين كاظم ديدات هو داعية وواعظ ومناظر إسلامي ولد في 1 يوليو عام 1918 في مدينة سورات في الهند لأبوين هنديين وانتقل مع عائلته للعيش في جنوب أفريقيا وهو بعمر 9 سنوات.
اشتهر الداعية الراحل بمناظراته الدينية مع رجال الأديان المختلفة وخاصة المسيحية وقد أسس المركز الدولي للدعوة الإسلامية في جنوب أفريقيا وأطلق عليه العديد من الألقاب منها فارس الدعوة وسفير القرآن وشيخ المناظرين.
اشتهر ديدات بإتقانه الكثير من اللغات وعلى رأسها العربية والإنجليزية ولغات أفريقية أخرى، كما عرف بسرعة بديهته وقدرته على إفحام خصومه بالردود المنطقية التي يستردها من القرآن والسنة.
لم يتلقَ الشيخ ديدات تعليمًا أكاديميًا ورغم ذلك تفوق على رجال الدين والعلماء الذين حصلوا على تعليم أكاديمي وبرز في العالم كله بفضل مناظراته ومحاضراته.
نشأة الشيخ أحمد ديدات
ولد الشيخ أحمد ديدات في عائلة هندية مسلمة في تادكهار بإقليم سراط في الهند والده حسين ووالدته فاطمة هاجر كانا يعملان في الزراعة. انتقل والده إلى جنوب أفريقيا للعمل هربًا من الظروف المعيشية الصعبة في الهند وعمل هناك ترزيًا.
بعد فترة قصيرة من سفر والده توفيت والدته فاضطر ديدات الانتقال إلى جنوب أفريقيا للعيش مع والده وكان عمره وقتها 9 سنوات والتحق بالمدرسة في سن العاشرة وأكمل الصف السادس ثم توقف عن الدراسة بسبب الظروف المادية الصعبة لوالده.
في جنوب أفريقيا تلقى ديدات تعليمه في المركز الإسلامي في ديريان وتعلم القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية وفي عام 1934 حصل على شهادة المرحلة الدراسية.
توقف بعدها عن الدراسة واتجه للعمل لمساعدة والده فعمل في دكان لبيع الملح وبعدها انتقل للعمل في مصنع للأثاث ومكث فيه 12 عامًا تدرج فيه الوظائف فيه بداية من سائق حتى أصبح مديرًا للمصنع. خلال عمله في المصنع التحق بالكلية الفنية السلطانية وتعلم الرياضيات وإدارة الأعمال.
كانت مدينة ديربان التي نشأ فيها ديدات مدينة سياحية اللغة الرسمية فيها الإنجليزية والديانة السائدة هي المسيحية وقد عاش في وقت كانت السياسية الرسمية للبلاد هي التفرقة العنصرية بين البيض والسود.
خلال عمله في المدينة، التي كان يأتيها الكثير من الأوروبيين البيض المستوطنين والحاصلين على الجنسية الجنوب أفريقية للسياحة الداخلية، تعرف على الكثير من الأوروبيين واحتك بهم ورأى نظرتهم إلى الدين الإسلامي إما عن جهل منهم أو بقصد للتقليل من الديانات الأخرى.
ما هو مذهب أحمد ديدات؟
مذهب أحمد ديدات هو مذهب أهل السنة والجماعة وقد درس المذهب السني في المركز الإسلامي في ديربان وتعلم أحكام الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم والفقه حتى أنهى المرحلة الابتدائية.
كم لغة يتحدث أحمد ديدات؟
يتحدث الداعية أحمد ديدات اللغات الإنجليزية والعربية بجانب عدد من اللغات الأفريقية منها لغات الزولو والكوسا ولغات أفريقية أخرى وكان يحاضر بكل هذه اللغات.
مسيرته المهنية
عمل الشيخ أحمد ديدات في العديد من الوظائف بداية من بيع الملح في إحدى قرى جنوب أفريقيا ثم الانتقال للعمل في مصنع للأساس لمدة 12 عامًا كسائق حتى أصبح مديرًا للمصنع.
في عام 1949 سافر إلى باكستان للعمل في مصنع للنسيج إلا أنه عاد إلى جنوب أفريقيا عام 1952 خوفًا من أن يفقد الجنسية الجنوب أفريقية.
في عام 1959 ترك ديدات عمله وتفرغ للعمل الدعوي في المركز الدولي للدعوة الإسلامية الذي أسسه عام 1957، وأنشأ كذلك "مركز السلام" عام 1968 وهو أول مركز إسلامي في جنوب أفريقيا.
زوجة أحمد ديدات
تزوج الشيخ أحمد ديدات عام 1937 من السيدة حواء غنغت ورزق منها بثلاثة أبناء وهم إبراهيم ويوسف وسمية.
كانت السيدة حواء سيدة بسيطة ليست متعلمة إلا أنها كانت الداعم الأكبر في حياة الشيخ ديدات طوال حياته وبالأخص خلال فترة مرضه وحتى وفاته.
الطريف في الأمر أن الشيخ ديدات لم يرغب بالزواج منها في البداية ولم يقتنع بها بأنها كانت نحيفة للغاية وكانت لديه مواصفات مختلفة عن المرأة التي يرغب في الزواج منها.
حاول ديدات الزواج وتقدم ل33 امرأة ولم يفلح في الزواج حتى قرر في النهاية الزواج من السيدة حواء بعد أن استمع للنصيحة من الآخرين. وقد قال ديدات عن زوجته "هي سندي منذ أن بدأت أمر الدعوة والمناظرات".
اغتيال يوسف أحمد ديدات
استمر ابن الشيخ أحمد ديدات، يوسف، في العمل الدعوي مثل والده فعمل هو الآخر في علم مقارنة الأديان وأجرى العديد من المناظرات الدينية للدفاع عن الدين الإسلامي.
وفي 15 يناير عام 2020 تعرض لمحاولة قتل في ولاية ديربان جنوب أفريقيا بعدما أطلق شخص مجهول النار على رأسه ودخل العناية المركزة حتى تم الإعلان عن وفاته في 17 يناير عام 2020.
بدايته الدعوية
اكتفى الشيخ أحمد ديدات بالدراسة حتى المرحلة الابتدائية، وقد تمكن من تعلم اللغة الإنجليزية في 6 أشهر فقط وأظهر تفوقًا شديدًا على زملائه في المركز الإسلامي في ديريان، إلا أنه لم يتمكن من إكمال دراسته بسبب عدم قدرته المادية.
عاش ديدات في مدينة يغلب عليها الدين المسيحي، وخلال عمله في إحدى المناطق الريفية كان يتردد عليه طلاب من مدارس تبشيرية يعرضون عليه تعاليم المسيحية، وهذا ما دفعه لتعلم دينه الإسلامي فلم يكن يعرف عن الإسلام إلا الشهادة ولم يتمكن من الدفاع عن عقيدته.
ويقول ديدات عن هذه الفترة بأن طلاب المدرسة التبشيرية كانوا يأتون للحديث معه ويوجهون الإهانات لدينه الإسلامي فيقول:
كانوا يقولون لي أن محمد له الكثير من الزوجات لم أستطع الرد عليهم، وقالوا إن محمد نشر دينه بالسيف فلم أستطع الرد وقالوا أن محمد كتب القرآن من اليهودية والمسيحية لم أستطع الرد".
وأضاف: "كنت أصلي وأصوم ولا أشرب الخمر ولا أقامر اقتداء بوالدي ولكني لم أكن أعرف شيئًا عن العقيدة الإسلامية ولم أعرف كيف أرد على أباطيل دعاة التبشير المسيحي في قريتي وكنت أشعر بالحزن والضيق لدرجة البكاء في الليل".
وكان التحول في حياته حينما قرأ كتاب "إظهار الحق" للداعية الدينية رحمة الله الهندي وفيه مناظرة بينه وبين المبشر الألماني كارل فندر، كان هذا الكتاب أول كتاب يقرأه حول المناظرات الدينية فتشجع لدراسة الدين الإسلامي والمسيحية كذلك.
عكف ديدات على تعليم نفسه الدين الإسلامي وحفظ القرآن الكريم ودرس السيرة النبوية كما درس الدين المسيحي وتعاليم المسيحية أيضًا واهتم في دراسته بتعلم الرد على شبهات المستشرقين حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
بدأ ديدات في الرد على ادعاءات المنصرين وطلاب المدرسة التبشيرية وإفحامهم بالحجج بالبراهين وتحولت هذه المناقشات من هواية يدافع فيه عن دينه إلى هدف في حياته ألا وهو نصرة الدين الإسلامي.
جهوده الدعوية
في عام 1942 ألقى الشيخ أحمد ديدات محاضرته الأولى بعنوان "محمد: رسول السلام" في سينما دوربان وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية في عالم المناظرات حيث بدر بنشر الإسلام بين الأفارقة.
كان القانون في جنوب أفريقيا حينها يمنع التواصل مع الأعراق المختلفة ويعتبرها جريمة يعاقب عليها قانون الفصل العنصري، لذا قرر العيش مع قبيلة الزولو في ظروف معيشية بسيطة وعمل على عدوتهم للإسلام تعلم لغتهم.
بنى ديدات مركزًا إسلاميًا بالقرب من أكبر مساجد جنوب أفريقيا وعقد فيه العديد من الدورات المتخصصة في دراسة الإنجيل لإعداد الدعاة. في عام 1957 أسس مركز الدعوة الإسلامية الدولي وطبع من خلاله مجموعة من الكتب عن الإسلام وقدم في المركز دروسًا دينية للمسلمين الجدد.
في عام 1958 أنشأ ديدات معهد "السلام" التعليمي في بريمار على قطعة أرض مساحتها 57 فدانًا وطوال هذه المدة كان يلقي المحاضرات ويجري المناظرات الدينية مع القساوسة المسيحية في جنوب أفريقيا.
من أشهر المناظرات التي أجراها كانت مناظرة "هل صلب المسيح" وناظر فيها الأسقف جوسيه ماكدويل في مدينة ديبران في جنوب أفريقيا عام 1981.
من مناظراته الناجحة في جنوب أفريقيا مناظرته مع السفير الإسرائيلي في جنوب أفريقيا في الستينيات حيث استطاع أن يهزم خصمه ويفند الحجج التوراتية التي يزعم فيها أحقية اليهود بأرض فلسطين.
مناظراته العالمية
زادت شهرة الشيخ أحمد ديدات في جنوب أفريقيا وفي العالم وتمكن من أن ينقل محاضراته ومناظراته من جنوب أفريقيا إلى العالم، فقد أجرى أولى مناظرة عالمية له عام 1977 في قاعة ألبرت هوت في بريطانيا.
في هذه المناظرة ناظر ديدات كبار رجال الدين المسيحي منهمكلارك وجيمي سواجارت وأنيس شروش وكانت مناظرة ناجحة بامتياز حيث أحدثت دويًا كبيرًا في الغرب ولفت فيها النظر إلى التناقضات بين الأناجيل الأربعة.
كانت هذه المناظرات قوية لدرجة أنها دفعت رجال الدين والكنيسة في بريطانيا إلى إنشاء قسم متخصص في مكتباتها للرد على مناظرات ديدات وإخضاع كتبه ومناظراته للبحث والدراسة من أجل منع نشرها وعدم إنتشارها.
كانت مناظرات أحمد ديدات في العديد من الدول حول العالم منها بريطانيا وكينيا وأستراليا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة وجزر المالديف وباكستان والكويت والسويد وماليزيا والدنمارك ونيروبي وكندا وغيرها من الدول حول العالم.
كتب أحمد ديدات
ألف الداعية أحمد ديدات 24 كتابًا طوال حياته وقد طُبعت ملايين النسخ من هذه الكتب ووزع الكثير منها بشكل مجاني في سبيل الدعوة إلى الله.
أيضًا نشرت الكثير من محاضراته ومناظراته العالمية في الكتب ولديه 125 محاضرة ومناظرة مسجلة ومنشورة فضلًا عن المقالات التي كان ينشرها طوال حياته.
تُرجمت العديد من كتبه إلى لغات متعددة منها العربية والأردية والروسية والصينية واليابانية والإندونيسية والزولو والهولندية ولغات أخرى، ومن أهم كتبه كتاب "ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم" وقد طُبع أكثر من 300 ألف نسخة من هذا الكتاب.
من مؤلفات أحمد ديات الأخرى كتاب "هل الكتاب المقدس كلام الله"، و"المسيح في الإسلام"، و"المسلم يؤدي الصلاة"، و"محمد: الخليفة الطبيعي للمسيح"، و"عتاد الجهاد"، و"من المعمدانية إلى الإسلام"، و"الخمر بين المسيحية والإسلام".
من كتبه الشهيرة كذلك كتاب "العرب وإسرائيل.. صراع أم وفاق" الذي صدر عام 1982 ردًا على وحشية إسرائيل باجتياح لبنان.
أما كتاب أحمد ديدات المناظرة الكبرى فقد صدر بعد مناظرته الكبرى مع القس أنيس شرور بعنوان "هل الكتاب المقدس كلام الله".
كيف توفي الشيخ أحمد ديدات؟
في عام 1996 عاد الشيخ أحمد ديدات من رحلة دعوية طويلة وناجحة من أستراليا ولكنه أصيب بجلطة في العنق جعلته مشلولًا بشكل كامل وطريح الفراش لمدة 9 سنوات بسبب مرض السكري.
خلال فترة مرضه لم يتمكن الشيخ ديدات من الحديث أو التحرك ولكنه كان واعيًا تمامًا وقد تلقى عناية من الدول العربية والإسلامية وعولج في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض.
أمضى الشيخ ديدات سنواته التسع الأخيرة على سرير منزله في جنوب أفريقيا تحت رعاية زوجته السيدة حواء، وبعد 9 سنوات من المرض كانت نهاية أحمد ديدات ووفاته في يوم الاثنين الموافق الثامن من شهر أغسطس عام 2005 عن عمر 87 عامًا.
صُلى عليه في مسجد مدينة فيرلم القريبة من مدينة ديربان وقد توفيت زوجته بعد عام من وفاته عام 2006 عن عمر 85 عامًا.
عمله الدعوي رغم المرض
رغم مرضه وإصابته بالشلل التام إلا أنه واصل عمله الدعوي، فقد كان قادرًا على التواصل مع الآخرين من خلال حركة عينه وكان ابنه يوسف يلازمه ويترجم عنه ما يريد.
واصل ديدات كتابة الرسائل الدعوية اليومية وتصل في المتوسط إلى 500 رسالة بالهاتف أو الفاكس أو عبر البريد الإلكتروني. أيضًا كان طلابه في مركز الإسلامي يحرصون على استقبال الضيوف ودعوتهم إلى الإسلام.