أحمد العسم.. عبقري قصيدة النثر في الإمارات

يعد الشاعر الإماراتي أحمد العسم أحد أهم وأبرز الأصوات الشعرية في الإمارات، وقد اشتهر بقصيدته النثرية التي رأى أنها تمكنه من التعبير عن تعقيدات الحياة بعمق أكثر دون الالتزام بقيود القافية، ورغم ذلك فإن له بعض القصائد التي نظمها على الطريقة التقليدية أيضًا، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.

من هو أحمد العسم؟

أحمد عيسى العسم هو شاعر وأديب إماراتي ولد في 21 سبتمبر عام 1964 في رأس الخيمة يعد من أهم رواد القصيدة النثرية في الإمارات وأحد أهم الأصوات الشعرية في الساحة الإماراتية.

تميز شعر العسم بتجربته المختلفة والمغايرة عن شعراء عصره، فقد سعى إلى كتابة نصوص لا تتقيد بالتقليد، فبرع في قصيدة النثر والقصيدة العامية، وبجانبها نظم الشعر الفصيح وألف مجموعات شعرية تقليدية مهمة.

يعد العسم من أهم الأسماء في الساحة الثقافية في الإمارات، فهو يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كما أنه رئيس الهيئة الإدارية للاتحاد في رأس الخيمة، ويشغل عضوية عدد من المؤسسات الثقافية ومنها مسرح رأس الخيمة وجماعة الشحاتين ومنتدات وطن وغيرها.

نشأته وتعليمه

نشأ الشاعر أحمد العسم في بيئة ثقافية وأدبية، وقد تعلم في المرحلة الابتدائية في مدرسة القاسمية التي كانت تتألف منطابق واحد وتضم المدرسة 6 صفوف فقط وحوالي 300 طالبًا ودرس المنهج الابتدائي.

انتقل بعدها إلى مدرسة الصديق في المدرسة الثانوية وبعدها التحق بالجامعة عام 1984 ولكنه سرعان ما غادرها بعد عامين فقط حيث فضل ميدان العمل على ميدان الدراسة بسبب توافر الفرص، ومن وقتها بدأ القراءة وتعليم نفسه.

تأثر العسم ببيئته التي ولد فيها بشكل كبير، وقد خصص جزءًا كبيرًا من كتاباته ومؤلفاته للحديث عن الفريج الذي سكن فيه وحكى ذكرياته فيه.

لعب الأب والأم دورًا مهمًا في حياة العسم كذلك، فقد كان والده يعمل سباكًا في الكويت، وعندما عاد إلى الإمارات استمر في هذه المهنة، وقد تأثر العسم كثيرًا بغياب والده وكتب عنه قصيدة في مجموعة شعرية اسمها "شيء في رئتي" تحدث فيه عن أثر غياب والده عنه.

تعلم العسم من والده القناعة والتسامح، كما تعلم منه الصبر وحب الصيد، وكان له الفضل في حبه للقراءة، فقد كان والده يحضر له الكتب من الكويت.

 بينما تعلم من والدته الصبر على لألم والغياب، فقد كانت والدته تحمل ابتسامة جميلة دائمًا رغم الألم، وقد وصفها بأنها صديقته المقربة.

مسيرته المهنية

بدأ الشاعر أحمد العسم مسيرته المهنية بعد ترك الجامعة، حيث التحق بالعمل في قسم العلامات التجارية والملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد في الشارقة وقضى في هذه المهنة 7 سنوات اقترب منها من الساحة الثقافية، وكانت هذه الوظيفة مفتاح دخوله إلى عالم الثقافة.

منحت له هذه المهنة فرصة الذهاب إلى المكتبات العامة ودائرة الثقافة والإعلام يوميًا للقراءة ولقاء الأصدقاء، وبسبب العلاقات التي كوّنها في هذه الأماكن حصل على فرصة الكتابة في مجلة الرافد والتي منحته فرصة الاقتراب من معرض الشارقة الدولي للكتاب.

في عام 1989 انتقل العسم إلى العمل في رأس الخيمة، وعمل على تأسيس فرع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في رأس الخيمة، وقد نجح مع رفاقه من أن يضم الاتحاد أكثر من 100 عضو عملوا على تنظيم الندوات والأمسيات الثقافية.

شغل العسم خلال مسيرته المهنية العديد من المناصب كما شغل عضوية مؤسسات وجمعيات ثقافية وإنسانية، فقد شغل رئيس الهيئة الإدارة لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع رأس الخيمة منذ عام 2000 إلى عام 2018.

يشغل العسم أيضًا عضوية مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعضو مؤسس لجماعةا لشحاتين، وعضو مؤسسس لمركز رأس الخيمة للتوحد، وعضو مؤسس في مجلة الملتقى الأدبي، وعضو في جمعية حقوق الإنسان.

مسيرته الأدبية

صدر للشاعر أحمد عيسى العسم العديد من الدواوين الشعرية التي تنوعت بين الشعر القصيح والعامي والقصيدة التقليدية والنثرية، وقد بلغت عدد الدواوين التي كتبها 8 مجموعات شعرية منها "مشهد في رئتي"، و"يحدث هذا فقط"، و"ورد عمري"، و"الفائض من الرف"، و"صوت الرمان"، و"المهمل من الحياة"، و"سكون ينزلق"، و"باب النظرة"، و"فنر" وغيرها.

وقد شارك العسم خلال مسيرته المهنية في العديد من الأمسيات الشعرية والمنتديات، كما نشر المقالات والقصائد في مجلات وصحف إماراتية وعربية. وقد صدر مؤخرًا له ديوان "أمينة" عام 2022 عن دار غاف للنشر، ثم صدر له "غرفة يوسف".

صدرت له عدة مؤلفات أخرى منها "3 نقلات"، و"روحك والمدينة"، و"المهمل في الحياة"، و"تحت الظل الكثرة"، و"وسط بعيد"، و"في غقلة الماء"، و"لم يقصص رؤياه"، و"كوخ مالح" وقد صدرت له الأعمال الشعرية الكاملة في عام 2019 عن دار رواشن للنشر.

أعلن العسم في شهر يونيو عام 2023 أنه متفرغ لكتابة مجموعة شعرية بعنوان "الماعون".

تأسيس مجموعة "الشحاتين" الأدبية

رغم أن الشاعر أحمد العسم، كغيره من الشعراء الذين اتجهوا إلى القصيدة النثرية، بدأ كتابة الشعر التقليدي، فقد كانت له العديد من النصوص التقليدية إلا أنه قرر التمرد على نظم القصيدة التقليدية وأسس برفقة مجموعة من الشعراء والأصدقاء في رأس الخيمة مجموعة أدبية حملت اسم "الشحاتين" ومن ضمن المشاركين فيها الشاعر ماهر العوبد وعبد الله السبب.

اجتمعت هذه المجموعة على أمر واحد وهي القصيدة النثرية، وقد كانت لها الفضل في نشر القصيدة النثرية وشهرتها في الإمارات. كانت للشحاتين هدفًا واحدًا وهو عدم حصر الشعر في إطار الشكل، وقد وقع الاختيار على اسم "الشحاتين" للمجموعة للفت الانتباه إلى هذه المجموعة الناشئة.

بدأت المجموعة بنشر نص مشترك بعنوان "الشحاتين" وبمرور الوقت أصبح لها العديد من القراء والمتابعين داخل وخارج الإمارات، ومن نماذج قصائده النثرية قصيدة بعنوان "صوت البلدوزر" ويقول فيها:

البارحة

بين يقظتي والحلم

كان فاصلاً من العزف الغريب

يطنطن فوق رأسي

فوجدتني..

أدخل مغامرة

مع رجال

من الاسفلت

كانوا

خلفي

متيقظين

أفقت..

حديقة المنزل

ذهبت إلى البحر

دمي تسلل إلى النافذة

قلبي جلس يبكي

وليلة أخرى

ربما

لا أنام..

سأكتفي بفكرة فاشلة

عند حدود الرأس

كخيار أخير..

مدركاً

بأن الطرقات

كانت مرغمة

على المغادرة

حين كان البلدوزر

يجز

آخر رائحة

لحارتنا القديمة

فيما أصبح الشاطئ بلا حذا

والبحر بلا زرقة

كيف لي الصمود

في وجه المحنة

جثتي وليمة الغرباء

زاوية المستطيل

ابتعد الشاعر أحمد عيسى العسم عن الكتابة والوسط الأدبي والثقافي بسبب مرضه بداية من عام 2018، وقد أجرى عدة عمليات جراحية كتب خلالها العديد من القصائد تحدث فيها عن الألم والقلب.

ورغم استمراره في كتابة الشعر إلا أنه ابتعد عن اعمل التطوعي في اتحاد كتاب وأدباء الإمارت في فرع الخيمة لسنوات وابتعد عنه منذ عام 2018 وقد كان هذا سببًا لعزلته وانطوائه على الناس ومن هنا جاءت فكرة "زاوية المستطيل".

جاءت الفكرة من أصدقائه والمقربين إليه الذين خافوا عليه من الانزواء والاكتئاب، حيث قرر أن يخصص جزءًا من منزله ويسميه "المستطيل" ويصبح مكانًا للالتقاء مع الشعراء والأصدقاء للتحدث والتسامر عن الشعر وبدأ بتنفيذ هذه الفكرة منذ عام 2016.

يضم المستطيل مكتبة ضخمة بها عشرات الكتب وهي مفتوحة لكل من يريد أن يقرأ في كل أنواع الكتب، ويحاول العسم من خلال هذه الجلسات مناقشة روايات وكتب فكرية وقصائد وأن تصبح جسر التواصل بينه وبين الأدباء.