قديسة المسرح وأول فتاة عراقية تدخل معهد الفنون الجميلة وأول من اعتلت المسرح العراقي، إنها الفنانة العراقية آزادوهي صاموئيل التي دخلت المسرحة وهي لا تزال طالبة في المدرسة وواصلت مسيرتها الفنية لمدة تصل إلى 25 عامًا فكانت رائدة ومبدعة وعاشقة لما تقدمه.
تعتبر الراحلة آزادوهي من أكثر الممثلات العراقيات نشاطًا وغزارة، فقد قدمت طوال حياتها العديد من المسرحيات الهامة في العرق، وحصلت على العديد من الجوائز الفنية والتكريمية، في السطور التالية تعرف على مسيرتها الفنية وحياتها.
حياة آزادوهي صاموئيل ونشأتها
آزادوهي صاموئيل لاجينيان هي ممثلة عراقية من أصل أرميني ولدت لعائلة مسيحية في بغداد عام 1942، وتعتبر واحدة من رواد المسرح العراقي منذ عام 1954.
ولدت آزادوهي في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد، وعائلتها الأرمينية هاجرت من تركيا في العشرينيات من القرن الماضي عاشت في الفقر لفترة طويلة، ورغم أن والدها أمي لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه حرص على تعليم أبنائه فدرسوا في مدارس نموذجية.
درست آزادوهي الابتدائية في مدرسة الأرمن الغربية، وفي المرحلة المتوسطة انتقلت العائلة إلى منطقة راغبة خاتون، وهناك أكملت دراستها في مدرسة الأعظمية، وكانت طالبة متفوقة تجيد الحفظ وهو ما ساعدها على الدراسة.
مثلت آزادوهي في المسرح المدرسي وبسبب قدرتها الكبيرة على الحفظ تمكنت من المشاركة في مسرحية تاجر البندقية باللغة الإنجليزية في مسرح المدرسة، فأثارت إعجاب كل من في المسرح، ومن فيهم صديقتها شقيقة الفنان سامي عبد الحميد الذي عرض عليها العمل في المسرح.
حياتها بعيدًا عن الفن
قبل وفاتها عاشت الفنانة آزادوهي في بيت شقيقها الأكبر، وقالت إنها تمتن لمساندته لها، وأكدت أنها لا تحتاج إلى دعم مادي لأنها تستلم معاشًا شهريًا، كما نفت ما روج له البعض بأنها تعيش ضائقة مالية.
وفاتها
توفيت الفنانة العراقية آزادوهي مساء أمس الجمعة الموافق 24 فبراير عام 2023 عن عمر يناهز 81 عامًا بعد صراع مع المرض ونعاها العديد من الفنانين، منهم آلاء حسين
وقد نعتها نقابة الفنانين العراقيين في بيان نشرته لها، حيث قالت: "ببالغ الحزن والأسى تنعى نقابة الفنانين العراقيين وفاة الفنانة الكبيرة آزادوهي صاموئيل، والتي وافتها المنية هذا اليوم، سائلين المولى أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يلهم ذويها ومحبيها وزملاءها الصبر والسلوان".
يُذكر أنه في العام الماضي ظهرت أخبار عن وفاة الفنانة العراقية عن عمر 79 عامًا في أرمينيا بعد إصابتها بمرض ألزهايمر، ولكن نفت أسرة الفنانة هذا الخبر.
دراستها الجامعية
درست آزادوهي في معهد الفنون الجميلة وعملت بعد التخرج في النشاط المدرسي عام 1963، ولكن لأسباب سياسية تم فصلها من العمل، فانتقلت بعدها للعمل في مهنة الحلاقة، ولكنها ظلت ملازمة للمسرح.
في عام 1968 أعيدت آزادوهي لمزاولة مهنتها في النشاط المدرسي، وبعدها بدأت رحلتها مع المسرح المدرسي حيث عملت في مدن ومسارح المحافظة المختلفة من خلال النشاط المدرسي.
عملت آزادوهي في مدينة الرمادي، وقدمت على مسرحها ما يقرب من 5 أعمال، وفي هذا الوقت كان النشاط المدرسي يحتضن أعمالاً مسرحية لخريجي معهد الفنون الجميلة.
عادت بعدها إلى بغداد وانتقلت إلى للتمثيل في الفرقة القومية بداية من عام 1977، ومن وقتها قدمت العديد من الأعمال المسرحية مع كبار المسرحيين من المخرجين والممثلين.
بدايتها الفنية
تمت دعوة آزادوهي صاموئيل للانضمام إلى الفرقة المسرحية الحديثة من قبل أخت الممثل المسرحي سامي عبد الحميد، وكانت حينها قد أنهت لتوها المرحلة الابتدائية وانتقلت إلى المدرسة المتوسطة.
أخبرت آزادوهي عائلتها بالموضوع، ولم يعترض والدها أو يوافق، وإنما فضل أن يكون الرأي من رأي أبنائه الثلاثة، حيث لا يريد أن يتحمل ما سيحدث لها فيما بعد في طريقها الذي يدرك أنه صعب وغير آمن لطفلة في سنها.
وافق أشقاؤها الثلاثة على الفور، معتبرين أن العمل في هذه الفرقة شرف، إذ لم يكن أفراد عائلتها بعيدين عن الشارع السياسي، وكان أشقاؤها من المساهمين الفاعلين في التظاهرات والاعتصامات التي لم تنقطع خلال تلك الفترة ما بين (1954-1956) واعتقلوا أكثر من مرة.
اتفقوا على أن تعمل شقيقتهم في المسرح بشرط أن يرافقها أحدهم عند ذهابها للتدريبات والعودة منه، وشجعوها على أساس هوية الفرقة السياسية التي يتفقون معها واعتبروا نشاط الفرقة محركًا مستمرًا لإثارة السخط ضد البريطانيين والحلفاء والعملاء.
رافق آزادوهي في التدريبات أحد إخوتها، في الغالب شقيقها خايك صموئيل وفي بداياتها كانت لغتها العربية ضعيفة، وتسيطر عليها اللهجة الأرمينية، حيث كانت وقتها تبلغ من العمر 12 عامًا.
رغم صغر سنها ألبسوها ملابس الأم على خشبة المسرح، وقدمت في الفترة ما بين 1954-1958 العديد من المسرحيات، منها "إيراد ومصرف"، و"ست دراهم"، "وحرمل وحبة سودة"، و"أهلًا بالحياة"، و"آني أمك يا شاكر"، وغيرها.
حصلت آزادوهي على اسم فني وهو "زاهدة سامي"، وبعد أن أنهت دراستها الإعدادية عام 1958، تبلورت مواهبها الفنية وثقافتها المسرحية إلى حد كبير بتمارين على يد إبراهيم جلال ورعاية باقي الفرقة.
أول سيدة تدرس في معهد الفنون الجميلة
التحقت بعدها لمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح، والذي كان منذ إنشائه عام 1945، وحتى ذلك التاريخ 1959، وكان حينها مكانًا مخصصًا للذكور فقط، ولم تجرؤ أي سيدة أن تتقدم للدراسة فيه، فكانت آزادوهي أول من قام بهذه الخطوة.
وبدراستها في المعهد افتتحت للأخريات بابًا لدراسة التمثيل، وشجعت الكثيرات منهن للإقدام على هذه الخطوة، منهم هناء عبد القادرة، وسمية داوود، وفوزية الشند، وساهرة أمد، ومنيرة عباس وغيرهن.
بعض هؤلاء الفنانات أكملن عملهن في المسرح، ومنهم من أكمل دراسة الدكتوراه، ومنهم من عمل في التدريس، وأخريات تركن الفن المسرحي بعد الزواج.
وفي المعهد تعلمت آزادوهي الكثير وتمكنت من التخلص من الخجل والتخوف وامتلاك شخصية التحدي والجرأة الاجتماعية.
أهم أعمالها في المسرح
بعد تخرجها من المعهد عام 1962 عينت معلمة في بغداد، وسرعان ما تم اعتقالها وطردها من التدريس بعد انقلاب عام 1963، وخلال الفترة من 1963 إلى 1965 اضطرت للعمل مصففة شعر في صالون نسائي لتغطية نفقاتها.
في عام 1965 عادت المسرحية لنشاطها الفني من جديد، وقدمت العديد من المسرحيات، منها "فوانيس"، و"المفتاح"، و"الخرابة"، و"النخلة والجيران" وفي الوقت نفسه كانت تواصل عملها في صالون الحلاقة.
في هذا الوقت لم تكن تأخذ أجرًا على عملها المسرحي حالها حال باقي أعضاء الفرقة، وفي عام 1968 صدر قرار بإعادة جميع المفصولين لأسباب سياسية، وتم تعيينها كمعلمة في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار.
عملها كمعلمة في الرمادي
عندما تم تعيينها كمعلمة كان عليها أن تستيقظ مبكراً وتسافر بحافلة مدتها ساعتان يومياً لمتابعة عملها في الوقت المناسب، ثم تقطع نفس المسافة بعد الانتهاء من عملها لتتجه إلى مقر مسرح الفن الحديث المسرحي.
بقيت على هذه الحال لأكثر من ثلاث سنوات، متعبة من التنقل اليومي بين مدينتين، فاضطرت للعيش والاستقرار في الرمادي وتكريس نفسها فقط لعملها المهني، يائسة من أي حل وشيك لمشكلتها.
لكنها لم تقف مكتوفة الأيدي معزولة عن العاصمة وجوها المسرحي، وللتنفيس عن طاقاتها الفنية، شكلت فرقة مسرحية محلية من خريجي معهد الفنون الجميلة من سكان المدينة، وقدمت خدماتها للفرقة الوطنية الحكومية، وعادت إلى النشاط المسرحي في أعمال مهمة للفرقة الوطنية، واستمرت دون انقطاع.
ومن أهم الأعمال التي قدمتها في معهد الفنون الجميلة مسرحية "المصري النبيل"، و"عطيل"، و"أوديب ملكًا"، و"فيما وراء الأفق".
العودة إلى بغداد
عام 1977 عادت آزادوهي صاموئيل إلى بغداد وانضمت إلى الفرقة القومية للتمثيل، وقدمت مع كبار المسرحيين منهم محيي الدين زنكنة، وعادل كاظم ما يقرب من 50 علمًا مسرحيًا.
وفي فترة التسعينيات قدمت أعمالا مسرحية مع فنانين شباب، منهم كاظم النصار، وغانم حميد، وحصلت على العديد من الشهادات المسرحية.
كانت آخر مسرحية شاركت فيها مسرحية "نساء في الحرب" مع المخرج كاظم نصار عام 2006، ولها عمل تلفزيوني وهو مسلسل "أولاد الحاج" عرض عام 2005، وفي عام 2008 قدمت مشهد احتفاء بالفنان يوسف العاني على خشبة المسرح الوطني.