ياقوت الحموي ومعجم البلدان
من هو ياقوت الحموي
هو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي الرومي، إنه جغرافي ورحالة وأديب وشاعر وخطاط ولغوي، وهو من أشهر الرحالة في تاريخ الحضارة الإسلامية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مولده ونشأته
ولد عام (574هـ / 1178م) في بلاد الروم (الأناضول – تركيا) ومن هنا جاءت تسميته بالرومي، وياقوت اسم كانت العرب تطلقه على العبيد، وبما أنه كان مجهول اسم والده الرومي، فقد جعلوه عبداً من عباد الله، وأصبح اسمه ياقوت بن عبد الله الرومي، والحموي للدلالة على اسم سيده الذي اشتراه. فمنذ أن كان طفلاً وقع في الأسر، وبيع في سوق العبيد في بغداد، وكان سيده لا يحسن القراءة والكتابة، لذا قام بإدخال ياقوت المدرسة ليتعلم فيها الكتابة والقراءة، فينتفع به في المستقبل لضبط تجارته، وقد كان لياقوت الحموي رغبة كبيرة في اكتساب العلم والمعرفة، فمع كونه عبداً يمتلكه سيده إلا أنه كان مصراً على تحصيل العلم، فأصبح من أشهر الجغرافيين في تاريخ الإسلام. وقد أعتقه سيده عام (596هـ / 1199م)، وبذلك أصبح حراً، وتفرغ لعلمه ورحلاته.
شاهد أيضاً: جبران خليل جبران
رحلات ياقوت الحموي
وسع ياقوت الحموي من رحلاته وأسفاره منذ عام (610هـ / 1213م) فسافر إلى آسيا الصغرى وخراسان، فانطلق من تبريز والموصل، ثم اتجه إلى بلاد الشام ومصر، وهذه كانت أول رحلاته، وبعد ثلاثة أعوام أعاد السفر إلى دمشق، ثم توجه إلى حلب ومنها إلى أربيل فأورمية فتبريز، ومنها اتجه إلى إيران، وبقي في نيسابور ما يقارب العامين، ثم اتجه إلى هرات وسرخس حتى وصل إلى مرو.
مؤلفاته
أثناء أسفاره ورحلاته إلى أماكن مختلفة من بقاع الأرض ألف ياقوت الحموي مجموعة من الكتب، ومن أشهر كتبه كتاب (معجم البلدان)، وله كتب عديدة نذكر منها (مجموع كلام أبي علي الفارسي)، و(المقتضب في النسب) يذكر فيه أنساب العرب، (المشترك وضعًا المختلف صقعًا)، و(عنوان كتاب الأغاني)، و(المبدأ والمآل في التاريخ)، و(أخبار المتنبي)، و(كتاب الدول)، و(معجم الشعراء).
ويُعتبر كتابه (معجم البلدان) موسوعة جغرافية كبيرة، فقد جمع فيه ياقوت الحموي كل ما يتعلق بما يمكن أن يؤرخ له، من التاريخ والأخبار ووصف الأقاليم، كما ذكر عظماء البلاد التي زارها وشعراءها ورجال الدين فيها، كما حاول ياقوت الحموي ذكر تاريخ ولادتهم ووفاتهم، فكان معجم البلدان كتابًا فريدًا في فهرسته وتنظيمه، وقد ألفه على حروف الهجاء. كتبة خلال الفترة 1220 و1224 ميلادية، وتمت طباعته عدة مرات وترجم إلى عدة لغات. فالكتاب يحتوي على وصف لبلدات ومدن ودول عديدة خلال تلك الفترة من الزمن بأسلوب عربي بليغ.
أما سبب تأليفه لهذا المعجم، فيقال أنه كان ذات يوم في مجلس صاحب مرو وأميرها، وذكرت في المجلس كلمة (حباشة)، فقال البعض أنها بالفتح، وقال آخرون أنها بالضم، وكان هذا رأي ياقوت، وأراد أن يتثبت من صحة مقولته، فانطلق يبحث عنها بين الكتب، فكان ذلك حافزًا له إلى هذا العمل الموسوعي العظيم.
وتظهر أهمية هذا الكتاب الضخم، في عرضه لآراء ونظريات العلماء الذين يذكرهم بصورة واضحة ومنهجية سليمة، مع كون هذه النظريات متناقضة أو مختلفة فيما بينها.
كما أن موسوعة معجم البلدان تلخص كل معارف القرون الوسطى بالكرة الأرضية. وتغطي المعلومات الموجودة في المعجم حيزاً واسعاً من المعلومات، إذ يتحدث عن علم الآثار والجغرافيا الأثنية والتاريخ وعلم الأجناس والعلوم الطبيعية والجغرافيا وخطوط الطول والعرض للأماكن المذكورة. ويذكر فيها أيضاً الأسماء الأخرى للمدن المعروفة والتي لها أكثر من اسم، كما يصف آثارها القديمة وثرواتها وتاريخها وعدد سكانها وشخصياتها البارزة، مما جعل كتاب معجم البلدان مصدراً هاماً رئيسياً وواسع الاستخدام في الدراسات العربية. فقد جمع ياقوت الحموي أسماء البلدان ومواقع الجبال والوديان بحسب ترتيبها على حروف الهجاء، محددا موقع كل بلد، ثم تكلم عن اشتقاق الكلمة، ثم ذكر الأعلام المشهورين منها والمنسوبين إليها مقدماً أهل الحديث ثم الشعراء والأدباء وغيرهم، ذاكراً بعض أشعارهم. وقد استفاد ياقوت الحموي من الكتب السابقة بأمانة حيث ذكر مراجعه بكل وضوح، بالإضافة إلى اعتماده الكبير على المعلومات التي جمعها أثناء سفره ورحلاته. ومن يقرأ كتاب معجم البلدان يلاحظ وجود الأخبار والمعلومات السياسية والاجتماعية التي حدثت في تلك الفترة من الزمن، وقد ذكر ياقوت في كتابه هذا 12952 بلداً، كما ألحق بالكتاب مجلدان للفهارس العلمية. ويشهد كل من يقرأ كتب ياقوت الحموي أنه صاغ مؤلفاته بأسلوب رائع مبدع فاكتسبت جمالاً فوق جمالها فنهل منها العلماء والأدباء واللغويين.
شاهد أيضاً: جاليليو جاليلي
ماذا قال علماء الغرب عن ياقوت الحموي
1- المستشرق الروسي سنكوفسكي
لقد نال ياقوت الحموي على إعجاب الكثير من علماء الغرب، فيقول عنه المستشرق الروسي سنكوفسكي: "كاتب مدقق مجتهد، ندين له بحفظ آثار قيمة في تاريخ وجغرافية العصور الوسطى، وقد أبدى الكثير من الغيرة والحماس في دراسة الأوضاع الجغرافية والإثنوغرافيا والسياسية لعصره". (الإثنوغرافيا علم وصف الشُّعوب وهو أحد علوم الإنسان وينصبّ على دراسة المظاهر المادّيّة للنشاط الإنسانيّ من عادات وتقاليد كالمأكل والمشرب والملبس).
2- المستشرق الروسي كراتشكوفسكي
أما المستشرق الروسي كراتشكوفسكي يتحدث عن ياقوت الحموي قائلاً: "إن معجم البلدان أفضل مصنف من نوعه لمؤلف عربي للعصور الوسطى، ولتكوين فكرة عن معجمه يكفي أن نذكر أن المتن المطبوع يضم ثلاثة آلاف وثمانمائة وأربعاً وتسعين صفحة، وهو جماع للجغرافية في صورها الفلكية والوصفية واللغوية وللرحلات أيضًا، كما تنعكس في الجغرافية التاريخية إلى جانب الدين والحضارة والأثنولوجيا (علم الأعراق أو الأثنولوجيا هو فرع من الأنثروبولوجيا، يبحث في أصول الشعوب المختلفة وخصائصها وتوزعها وعلاقاتها بعضها ببعض، ويدرس ثقافاتها دراسةً تحليلية مقارنة أيضاً).
وفاة ياقوت الحموي
بعد سفر طويل وحياة مليئة بالعذاب والتنقل من بلد إلى آخر هرباً من جحيم التتار وبطشهم، استقر المطاف بياقوت الحموي في حلب عند الوزير ابن القفطي، الذي أكرمه وأحسن ضيافته، وبقي ياقوت فيها إلى أن توفي في شهر رمضان عام (626 هـ / 1229م)، وكان قد أوصى بوقف كتبه ببغداد، وكلَّف صديقه المؤرخ ابن الأثير بتنفيذ وصيته.
استحقَّ ياقوت لقب الجغرافي الأديب، لما قدمه للإنسانية من مؤلفات جغرافية نفتخر بها علماً وأسلوباً وتنظيماً.