وثائقي "الشعب الألماني" .. صوت ضحايا جريمة هاناو في مهرجان برلين
"من ينتمي إلى ألمانيا ومن لا ينتمي؟" هذا هو السؤال المركزي الذي طرحه المخرج مارسين ويرزكوفسكي في فيلمه الوثائقي "الشعب الألماني". عُرض العمل لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي، بمناسبة الذكرى الخامسة لحادث إطلاق النار بدوافع عنصرية، الذي هز ألمانيا في 19 فبراير 2020.
في تلك الليلة، قتل إرهابي من اليمين المتطرف تسعة أشخاص: جوكهان جولتكين، وسيدات جوربوز، وسعيد نصار هاشمي، ومرسيدس كيرباتش، وحمزة كورتوفيتش، وفيلي فيوريل باون، وفاتح ساراتشوغلو، وفرحات أونفار وكاليوان فيلكوف. وأصاب خمسة آخرين في مدينة هاناو القريبة من فرانكفورت، في ولاية هيسن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بعد هجومه العنيف، عاد الجاني إلى شقته، وقام بقتل والدته ثم انتحر. وقد تبين أن مرتكب الجريمة الذي كان يبلغ من العمر 43 عاما، قد نشر "بيانا" عنصريا على الإنترنت قبل ارتكاب جرائم القتل. كما عُثر في منزله على وثائق تروج لنظريات المؤامرة والآراء اليمينية المتطرفة. في ذلك الوقت، كان حزب البديل من أجل ألمانيا، الشعبوي اليميني المتطرف، يساهم في نشر المواقف المناهضة للهجرة.
جاء حادث إطلاق النار في هاناو بعد بضعة أشهر فقط من هجمات اليمين المتطرف الأخرى التي هزت ألمانيا، ومنها حادث أكتوبر 2019 في كنيس يهودي في مدينة هاله بشرق ألمانيا والذي أسفر عن مقتل شخصين. وأيضا حادث قتل السياسي المؤيد للهجرة من الحزب الديمقراطي المسيحي والتر لوبكي في كاسل في يونيو 2019 على يد شخص له علاقات بالنازيين الجدد.
خمس سنوات على مواكبة الناجين
بدأ المخرج مارسين ويرزكوفسكي على الفور في توثيق التطوراتالمحيطة بحادث إطلاق النار في هاناو، ورافق أسر الضحايا والناجين لمدة خمس سنوات تقريبا لإنجاز فيلمه. يقول ويرزكوفسكي الذي ولد في بولندا وجاء إلى ألمانيا عندما كان طفلا، إنه عانى أيضا من العنصرية.
يرصد فيلمه الوثائقي، الذي تم تصويره بالأبيض والأسود، حزن العائلات ومعركتها للحصول على معلومات مناسبة حول وفاة أفرادها. وقد أدان أقارب الضحايا السلطات لفشلها في التعامل مع الظروف التي أدت إلى جرائم القتل بشكل حاسم، ولتجنبها في بعض الأحيان معالجة جوانب معينة من التحقيق.
منذ البداية، تم التعامل مع الأسر المتضررة كمواطنين من الدرجة الثانية. في بعض الحالات، استغرقت الشرطة أكثر من 24 ساعة لإبلاغ عائلة الضحايا. تم الاستيلاء على جثثهم للتشريح دون موافقتهم ولم يتم إخبارهم إلا بعد أسبوع واحد بمكان العثور على الرفات. خلال الأسبوع الأول، لم يتم إبلاغهم بما كانت السلطات تقوم به وما يمكن أن يتوقعوه، ولا حتى عبر مؤتمر صحفي.
عائلات الضحايا اتخذت إجراءات
تعرف صانع الفيلم الوثائقي على عائلات الضحايا، الذين فضحوا مختلف أوجه التقصير للجمهور. ومن بين هذه الأمور، تبين أن الجاني كان مسموحا له قانونيا امتلاك سلاح على الرغم من أنه لفت انتباه السلطات في مناسبات عديدة بسبب سلوكه العدواني ومعتقداته اليمينية المتطرفة.
كما كان هناك أمر آخر محوري في القضية، وهو أن الشرطة اقتحمت منزل المشتبه به بعد خمس ساعات تقريبا من هجومه. كما تبين أنه لم يكن من الممكن الوصول إلى مركز الإرسال في حالات الطوارئ ليلة الجريمة. كما أن والد الجاني، الذي كان في المنزل عندما عاد ابنه من إطلاق النار، يشارك القاتل في أيديولوجيته. بعد جريمة ابنه، قلل من فضاعة ما ارتكبه ابنه من جرائم وأهان الضحايا علنا. لقد قام مرارا وتكرارا بمضايقة والدة إحدى الضحايا، سيربيل تيميز أونفار، بالرسائل ومحاولات الاتصال، متجاهلا أوامر الشرطة.
على الرغم من ذلك، اتصلت الشرطة ببعض أسر الضحايا لتحذيرهم من عدم القيام بأي شيء يمكن اعتباره عملا انتقاميا ضد الرجل. يشير المخرج في عرضه الصحفي للفيلم الوثائقي إلى أن "هذا دمر آخر ذرة ثقة لدى أقارب الضحايا في السلطات".
ضباط شرطة نشطون في محادثات اليمين المتطرف
بعد عام، في يونيو 2021، تم حل وحدة من القوات الخاصة في هيسن بعد اكتشاف مشاركة ضباطها في محادثات جماعية عنصرية يمينية متطرفة. كان هناك 13 ضابطا من تلك المجموعة في الخدمة في فريق التدخل السريع في هاناو ليلة إطلاق النار.
ونقلت صحيفة فرانكفورتر روندشاو عن فولكر بوفييه، رئيس وزراء ولاية هيسن آنذاك، قوله إنه حتى لو كان ضباط الشرطة لديهم آراء متطرفة يمينية، فإن هذا لا يقدم أي مؤشر على كيفية قيامهم بعملهم في تلك الليلة. وفي مواجهة التحقيق المحدود الذي أجرته الدولة، كلف أقارب الضحايا مجموعة فورينسيك اركيتيكتور/ Forensic Architecture بتقصي الأمر، وتستخدم فورينسيك وهي مجموعة بحثية في لندن، تقنيات للتحقيق في حالات العنف من جانب الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
كشف الباحثون في لندن عن مزيد من التفاصيل حول التدخل المتأخر للقوات الخاصة من خلال تجميع إفادات الشهود، ولقطات مروحيات الشرطة، وكاميرات المراقبة. كما حددوا قضية حساسة أخرى، تتعلق بمخرج الطوارئ الذي كان مغلقا في بار أرينا، أحد مسارح الجريمة، مما منع العديد من الضحايا من الفرار. ووفقا لبعض الشهود، فإن الشرطة التي غالبا ما داهمت المباني، التي يرتادها المهاجرون بشكل أساسي، كانت قد ضغطت سابقا على صاحب البار لإغلاق مخرج الطوارئ حتى لا يتمكن العملاء من الهروب من خلاله.
وبعد مرور خمس سنوات، لا يزال الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تبين أن خطابه أثر بشكل مباشر على القاتل، ينتشر أكثر في ولاية هيسن وفي مختلف أنحاء ألمانيا.
وبالنسبة لأقارب الضحايا، فإن المحنة برمتها والتطورات الحالية لا تزيد إلا من تشاؤمهم. وقال أحد المشاركين في الفيلم الوثائقي لـ DW خلال فعاليات مهرجان برلين السينمائي: "ولد أطفالي هنا، لكننا شعرنا وكأننا لم ننتمي إلى هذا المكان قط وأننا لن ننتمي إليه أبدا. هذا هو الحال، وعلينا أن نتعايش معه".
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة