نيكولاس كوبرنيكوس
نيكولاس كوبرنيكوس (بالإنكليزية: (Nicolaus Copernicus هو عالم فلك بولندي شهير، يعرف بأب علم الفلك الحديث، وهو العالم الأول الذي طرح فكرة مركزية الشمس، والتي تقول إن كل الكواكب المعروفة تدور حول الشمس بعد أن كان البشر يعتمدون النظام البطليمي القديم الذي وضعه بطليموس، والذي يفترض أن الأرض هي المركز الثابت للكون وأن كل شيء في الكون يدور حولها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قبل أن ينشر كوبرنيكوس أفكاره علناً، كان علماء الفلك الآخرين والفلاسفة ورجال الدين يؤمنون بأن الأرض هي مركز الكون، حتى أن ادعاء مركزية الشمس كان يعتبر مخالفاً لما جاء في الكتاب المقدس ومعارض لرأي الكنيسة الكاثوليكية. لكن كوبرنيكوس اعتمد على الحقيقة العلمية وليس الافتراضات، واعتقد أن التغيرات التي تجري على الأرض مثل تعاقب الليل والنهار والفصول المتغيرة لا يمكن تفسيرها إلى إذا كانت الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس.
الحياة المبكرة
ولد نيكولاس كوبرنيكوس عام 1473 في مدينة تورن Toren التي تقع شمال وسط بولندا لعائلة ثرية تعمل في مجالات التجارة، وعندما توفي والده، أخذه عمه ليصبح أسقفاً وحصل على تعليم جيد في جامعة كراكوف حيث درس الفنون الحرة التي تشمل علم الفلك والتنجيم، ولأنه كان من طبقة اجتماعية ثريّة، انتقل كوبرنيكوس إلى إيطاليا لدراسة الطب والقانون.
خلال فترة الدراسة في جامعة بولونيا الإيطالية، أقام كوبرنيكوس في منزل دومينيكو ماريا دي نافارا، وهو عالم فلك يعمل في الجامعة وكان مسؤولاً عن التنبؤات الفلكية في مدينة بولونيا، والذي ساعده كوبرنيكوس في بعض الأحيان، كما أن نوفارا سمح لكوبرنيكوس بنقد علم الفلك البطليمي.
تابع كوبرنيكوس دراسته في جامعة بادوفا ثم في جامعة فيرارا، وحصل من الأخيرة عام 1503 على شهادة الدكتوراه في القانون الكنسي، ثم عاد إلى بولندا وهناك عمل في الكنيسة كمدير وطبيب، وفي أوقات الفراغ، كان كوبرنيكوس يقضي وقته في البحث العلمي خاصة في مجال علم الفلك.
بحلول عام 1514، أصبح كوبرنيكوس معروفاً كخبير في مجال الفلك، حتى أن مسؤولي الكنيسة استشاروه من أجل إصلاح التقويم اليولياني.
معارضة النظام البطليمي
حتى أوائل القرن السادس عشر، كان علماء الفلك يؤمنون أن الأرض ثابتة ولا تتحرك في الفضاء، وأنها تقع في مركز الكون وكل الأجرام السماوية التي نراها في السماء تدور حول الأرض بما في ذلك الشمس والقمر الكواكب الأخرى وكل النجوم المرئية. تم وضع هذه الفرضية في القرن الثاني الميلادي من قبل الجغرافي والفلكي بطليموس. وبقيت فرضيته مقبولة من قبل علماء الفلك لحوالي 1500 سنة، لكن أفكار العالم كوبرنيكوس والأدلة التي قدمها من خلال الرصد والتحليل، أحدثت إرباكاً في النظام البطليمي، حيث ظهرت ثغرات كثيرة وظواهر لا يمكن تفسيرها بالاعتماد على هذا النظام.
بين عامي 1508 و 1514 كتب نيكولاس كوبرنيكوس أطروحة فلكية قصيرة (كتيب) بعنوان التعليق الصغير () الذي وضع أسس نظام كوبرنيكوس لمركزية الشمس، والذي نص على أن كل الكواكب المعروفة فيما في ذلك كوكب الأرض تدور حول الشمس. لكن هذه الأطروحة لم تنشر إلا بعد وفاة كوبرنيكوس.
بالنسبة له لم تكن نظريته حول مركزية الشمس مكتملة توجد العديد من الظواهر التي ينبغي تفسيرها قبل نشر هذه النظرية، فقد أظهرت الأدلة أن الكواكب والنجوم لا تدور في مدارات دائريه حول الشمس.
لهذا السبب اجل كوبرنيكوس نشر أهم أعماله الفلكية عنوان ستة كتب عن الثورات الأجرام السماوية (باللاتينية: Commentariolus – بالإنكليزية: Little Commentary)، وتمكن من إكماله في عام 1530، لكن الكتاب لم ينشر إلا في سنة 1543 وهي نفس السنة التي توفي فيها كوبرنيكوس.
ما الذي اكتشفه نيكولاس كوبرنيكوس؟
في كتابه بعنوان "حول دوران الكواكب السماوية" (باللاتينية: De revolutionibus orbium coelestium) استنتج كوبرنيكوس بأن كوكب الأرض والكواكب الأخرى التي نراها في السماء تدور حول الشمس، كما استنتج أن الأرض خلال دورانها حول الشمس تدور حول محورها مرة واحدة كل يوم، كما يستغرق دوران الأرض حول الشمس مدة سنة واحدة. هذه الاستنتاجات مهدت الطريق نحو علم الفلك الحديث، لكنها لم تكن صحيحة 100%، فقد ذكر كوبرنيكوس في الكتاب أن الشمس هي مركز الكون كله وليست فقط مركز النظام الشمسي. بمعنى أن كل النجوم الأخرى تدور أيضاً حول الشمس، بالإضافة إلى ذلك، رسم كوبرنيكوس مدارات الكواكب التي تدور حول الشمس بشكلٍ دائري ولم يستنتج أن هذه المدارات إهليجية. ولأن مفهوم الجاذبية لم يكن معروفاً في ذلك الوقت، لم يذكر كوبرنيكوس لماذا تبقى الكواكب ثابتة في مداراتها حول الشمس.
خلال أبحاثه في مجال علم الفلك، عرف كوبرنيكوس أن الحقائق التي استنتجها تتعارض مع وجهة نظر أغلب العلماء في عصره، كما تتعارض مع توجه رجال الدين والكنيسة الكاثوليكية، وعرف أن نشر هذه الاستنتاجات قد يودي به إلى المحكمة واتهامه بالهرطقة، لذلك، اختار كوبرنيكوس إخفاء الحقائق التي توصل إليها ولم يقم بنشرها علناً، حتى أنه لم يسمح سوى لعدد قليل من علماء الفلك بأن يطلعوا عليها، ومعظم هؤلاء العلماء أبدوا أعجابهم بما كتبه كوبرنيكوس، مع أنهم رفضوا فكرة مركزية الشمس.
الموت والإرث
توفي العالم نيكولاس كوبرنيكوس في عام 1543 في بولندا، وذلك في نفس العام الذي تم فيه نشر كتابه الرئيسي، وبذلك أنقذ نفسه من غضب رجال الدين والكنيسة الكاثوليكية الذين اعتبروا أفكار كوبرنيكوس التي تم نشرها بعد موته بدعة.
في أوائل القرن السابع عشر، تمكن العلمان جاليليو جاليلي ويوهانس كيبلر من استخدام التلسكوب ورصد ودراسة حركات الكواكب، وأثبتا بشكلٍ قاطع صحة الاستنتاجات التي وصل إليها نيكولاس كوبرنيكوس، وبسبب تقديم دلائل على صحة نظام مركزية الشمس، تعرض جاليليو جاليلي للمحاكمة مرتين وحكم عليه في المحكمة الأخيرة بالهرطقة، وأجبر على الاعتراف بأن الأرض هي المركز الثابت للكون، ثم قررت المحكمة وضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من النشر والكتابة حتى وفاته.
في أواخر القرن السابع عشر، دعمت الدراسات التي قام بها إسحاق نيوتن في الفيزياء نظرية كوبرنيكوس، فقد وضحت مفهوماً جديداً هو الجاذبية، الذي فسر سلوك وحركة الأجرام في السماء، فأصبحت نظرية كوبرنيكوس مقبولة في الدول غير الكاثوليكية.
أخيراً وفي نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت نظرية كوبرنيكوس مثبتة ومقبولة في كل أنحاء العالم.