نظام التقنين.. هل يكفي لحل أزمة شح المياه في تونس؟

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: الجمعة، 01 ديسمبر 2023
مقالات ذات صلة
الزمالك يضغط لحل أزمة فتوح في الوقت الحاسم
مصر: تخصيص مليار دولار لحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي
أوبر تكشف عن مشروعها الجديد لحل الأزمة المرورية

مع حلول الساعة العاشرة مساء تكون أبواب المقاهي قد أغلقت، كما ينتهي دوام عمال المطاعم في "مركز العمران الشمالي" أحد أكثر أحياء الأعمال حركية في العاصمة تونس.

لم يكن الحال هكذا قبل سنوات، لكن مع بداية سريان قرار السلطات منذ آذار/ مارس 2023، باعتماد نظام الحصص في توزيع مياه الشرب تحت وطأة الجفاف طويل الأمد، أصبح لزاما على المقاهي الفاخرة بالمنطقة وفضاءات الترفيه والمطاعم والخدمات التأقلم مع وضع مستجد.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

ويسري الإجراء نفسه على عدة مناطق وأحياء سكنية بأحواز العاصمة وباقي الولايات. كما منعت السلطات استخدام مياه الشرب في ري المساحات الزراعية وفي محطات غسيل السيارات وفي الساحات العامة إلى أجل غير مسمى، طالما وضع الموارد المائية لا يزال على المحك.

نظام حياة طارئ مع شح المياه

وتعكس نسبة امتلاء السدود في البلاد حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر خطورة الوضع حيث لا تتعدى 23 بالمئة من طاقة الاستيعاب، وهو مؤشر غير مسبوق. بينما لا يجري استخدام سوى نصف سدود البلاد البالغ عددها 37 بسبب النقص في المياه.

ولا يعد المؤشر مفاجئا، إذ عرفت تونس خلال السنوات الثمانية الأخيرة جفافا في سبع مواسم بسبب التغير المناخي وندرة هطول الأمطار، ما أدى إلى نقص كبير في المحاصيل الزراعية، إذ بلغت مثلا نسبة تراجع محصول الحبوب بنحو 60 بالمئة هذا العام مقارنة بالعام السابق، ورافق ذلك اضطراب متواتر في انتاج الخبز، المادة الحيوية التي تستهلك على نطاق واسع في تونس، بجانب ارتفاع في أسعار المواد الغذائية وندرة المواد الأساسية مثل الدقيق والأرز والسكر والقهوة.

في الأثناء يضطر خالد الذي يعمل مصورا ويقطن بمفرده في شقة بمركز العمران الشمالي منذ نحو ثلاثة مواسم، إلى تخزين المياه في أوعية قبل حلول موعد إقفال الصنابير، تحسبا لأي طارئ في الليل. ويقول لـDW عربية إنه يتعين عليه الانتهاء من الطبيخ وغسل الأواني وتشغيل الغسالة والاستحمام قبل حلول العاشرة. ويضيف بنبرة ساخرة "تتحكم شركة توزيع المياه في الصنابير كما تتحكم في حياتنا اليومية. إنه أشبه بنظام حياة طارئ سرعان ما تحول إلى وضع دائم".

كان لهذا النظام كلفته على خالد الذي بات أكثر استهلاكا لقوارير المياه المعلبة في استخدامات أخرى بخلاف الشرب. ولكنه يذكر بشكل خاص كيف نسي ذات مرة صنبور المياه مفتوحا في الليل في الحمام دون أن ينتبه إلى ذلك في ساعات الانقطاع ثم غادر المنزل في الصباح مبكرا. لكنه حين عاد في النهار وجد المياه تغمر الشقة.

وإجمالا فإن أثر نظام حصص المياه كان أكثر إضرارا بعمال المقاهي والمطاعم الذين يتلقون أجرهم باليومية. ويقول محمد الذي يعمل في مطعم سندويتشات الشاويرما في الحي نفسه لـDW عربية "نعمل كل يوم بيومه. نأمل أن يمن الله علينا بأمطار الخير في فصل الشتاء".

"تونس قادرة على الصمود"!

تتجاوز المخاوف في تونس التي تعد أحد أكثر البلدان تضررا من التغير المناخي في حوض البحر المتوسط بحسب منظمة الأمم المتحدة للزراعة التغذية، في تأمين المواسم الزراعية والأمن الغذائي إلى ضمان مياه الشرب للمواطنين. أصبح هذا الهاجس أولوية للحكومة.

وتعاني بالفعل مناطق نائية بعيدة عن العاصمة والمدن الكبرى على السواحل، منذ سنوات من تقلص كبير في الموارد المائية الصالحة للشرب بسبب الاستنزاف الكبير، وأحدث هذا اضطرابات اجتماعية واحتجاجات متواترة تنتهي في الغالب بقطع حركة السير على الطرق السريعة الرابطة بين المدن.

ولا يمر يوم دون ظهور احتجاجات ضد انقطاع مياه الشرب، بل أيضا ضد الافتقاد لشبكات توزيع المياه. وقد تزامن كتابة هذا التحقيق مع خروج الأهالي في منطقة "أولاد عمر" الريفية بولاية سليانة شمال غرب البلاد في وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية للمطالبة بوضع حد لمعاناة العطش الممتدة لعقود.

لا يتعدى عدد أهالي المنطقة 100 ساكن، مع ذلك تفتقد إلى شبكة ربط بالمياه الصالحة للشرب رغم الوعود المتكررة من السلطات الجهوية وشركة توزيع المياه الحكومية.

وهذا الوضع متفشي على نطاق واسع في المناطق الريفية بتونس، ولكن عائلة خالد في جهة تالة الريفية التي تتبع ولاية القصرين غرب البلاد استطاعت أن تتجاوز هذا الإشكال بحفر بئر بوسائلها الخاصة وهو الحل ذاته الذي لجأت إليه أغلب التجمعات السكنية في الجنوب وغرب البلاد رغم كلفته.

لكن الحكومة بدأت بشن حملات لحظر مثل هذه الآبار العشوائية بسبب آثارها المضاعفة على الموارد الشحيحة المتاحة.

وبينما تبدو الآمال متضاربة بموسم الشتاء، لا يزال حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الإقبال على الآيس كريم والمثلجات في ذروته في الشارع الرئيسي لكرونيش المرسى، الوجهة الرئيسية لسكان العاصمة الباحثين عن الترويح عن أنفسهم، حيث لا يجد بعضهم مانعا من الغطس في البحر.

وتمثل هذه الأجواء مفارقة صارخة في تونس التي شهدت درجات حرارة غير اعتيادية في مثل هذه الفترة من الموسم مقابل انحباس طويل الأمد في هطول الأمطار، دفع المساجد في عدة ولايات إلى إقامة صلاة الاستسقاء.

وبالكاد نجت تونس من وضع معقد في الصيف الفائت الذي شهد درجات حرارة لم تعرفها البلاد من قبل، حيث ناهزت الخمسين درجة. ولكن الكابوس مازال قائما وما زال ينذر بوضع أكثر خطورة إذا لم تهطل أمطار بالشكل الكافي في موسم الشتاء.

مع ذلك قال وزير الفلاحة عبد الرؤوف العجيمي في جلسة عامة في البرلمان "إنه على الرغم مما تواجهه البلاد من ندرة التساقطات وأزمة شح المياه إلا أنها قادرة على الصمود". وتجد هذه الآمال صداها مع التحولات المناخية النسبية التي شهدتها البلاد بنهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وبداية التساقطات بعد طول انتظار.

الحلول أكثر تعقيدا من الأزمة!

ومن بين الحلول التي يجري التسويق لها من قبل الوزير والحكومة هو التركيز أكثر على تعميم محطات تحلية مياه البحر. وقد دخلت بالفعل محطتان حيز الاستغلال بصفاقس وجزيرة جربة، بينما يُتوقع انطلاق استغلال محطة ثالثة في قابس جنوبا نهاية العام الجاري. ولكن مثل هذه المشاريع تحوم حولها شكوك بشأن مدى التزام الحكومة بتعميمها بسبب كلفتها العالية.

وفي حديثه مع DW عربية، لا يخفي الأكاديمي الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي، بأن رسم الحلول لأزمة المياه في تونس أكثر تعقيدا من الأزمة نفسها بسبب تداخل عدة عوامل، من بينها عوامل جغرافية وأخرى ترتبط بالسياسات المائية والزراعية للدولة، إلى جانب مسألة التحولات المناخية. ولكنه يشدد في نفس الوقت على الأهمية البالغة للنظر إلى مسألة المياه في تونس كعنصر محوري في التنمية ليس للشرب فحسب.

وبشأن الخطط المقترحة لا يؤيد الرحيلي فكرة بناء سدود جديدة كون هذه الخطوة أصبحت متقادمة وأثبتت فشلها، بدليل مثلا أن إسبانيا التي تملك أكبر خزانات اصطناعية للمياه في أوروبا تعاني من العطش، لجهة أن السدود تمثل أيضا مصدر تبخر وهدر كبير للمياه المخزنة، وفق تفسير الخبير.

وفي المقابل يؤكد الرحيلي على أهمية العمل على استغلال المياه السطحية ووضع خطط تسمح بإعادة استغلال مياه الأمطار داخل المدن وإعادة استخدامها لتخفيف الضغط على السدود وشبكات مياه الشرب، مع الاعتماد أكثر على الزراعات الأقل استهلاكا للمياه والحد من الصادرات الزراعية ذات القيمة المضافة الضعيفة.

ويضيف الخير لـDW عربية "على المدى المتوسط يمكن توفير حصص هامة من المياه الضائعة بترشيد الاستهلاك في المناطق السقوية وتجديد شبكات مياه الشرب واستغلال المياه المعالجة والمقدرة سنويا بنحو 400 مليون متر مكعب بدل التخلص منها في البحر".

وفي كل الأحوال يرى الخبير أنه من الأهمية بمكان إشراك الجميع في معالجة أزمة المياه بدءا من المواطن إلى المزارع وصولا إلى المصنع والمستثمر، ويرى أن "هذا يدعم ثقافة المواطنة ويجعل الحلول تشاركية ويحمل الجميع المسؤولية".