ناقوس خطر.. الشرق الأوسط غير مستعد لارتفاع إصابات مرضى الزهايمر
ضاقت بالتونسية محبوبة الحيدري السبل وهي تبحث عن طريقة لمساعدتها في علاج والدها خاصة بعد أن لاحظت لأول مرة أن والدها بات شاردا وسلوكه أصبح غريبا.
وفي مساعيها لإنقاذ والدها، قصدت محبوبة العديد من الأطباء، بيد أن كل طبيب كان يعطي تشخيصا مختلفا.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتلخص محبوبة معاناة والدها بقولها: "كان يعطي الأطباء والدي مسكنات ألم، لذا في النهاية قررنا التوقف عن زيارة الأطباء وتولينا الأمر بأنفسنا خاصة وأننا أدركنا أن والدنا في حاجة إلى الحب والرعاية."
وأضافت "لم نكن نعرف في ذاك الوقت أي منظمات من شأنها أن تقدم مساعدة في رعاية مرضى الزهايمر."
ويبدو أن معاناة التونسية محبوبة البالغة من العمر 51 عاما، والأزمة في علاج والدها تتكرر في أرجاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط.
تسرد الفلسطينية ليلي محنتها عندما أصيبت والدتها بهذا المرض الخطير، مضيفة "في بداية مرض أمي، لم أفهم ما الذي كانت تعاني منه".
وأضافت ليلى - التي لم ترغب في الكشف عن هويتها لحساسية الأمر - أنها لاحظت أن والدتها بدأت تسأل عن أشياء عديدة موجودة في المنزل منذ سنوات.
وقالت ليلى "في البداية انزعجت من الأمر، لكن بعد القراءة في الأعراض التي بدت على والدتي اكتشفت أنها تدل على إصابتها بمرض الخرف."
وتشير ليلى إلى نقص الأطباء المتخصصين في علاج مرضى الخرف في الأراضي الفلسطينية لتجد صعوبة في رعاية والدتها خاصة وأنها مصابة بمرض السكري.
زيادة حالات الإصابة
تزامنت معاناة كلا من ليلى ومحبوبة مع تحذير الباحثين من زيادة حالات الإصابة بمرض الخرف في المستقبل.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير صادر عن مجلة "لانسيت" البريطانية المتخصصة في الطب في شهر يناير كانون الثاني 2022 أن الباحثين استعانوا بالبيانات السكانية والصحية لمعرفة تقديرات حيال معدل الإصابة بمرض الخرف خلال العقود الثلاثة المقبلة.
ووجد الباحثون زيادة في معدل الإصابة بهذا المرض الخطير في جميع أنحاء العالم بسبب عوامل مثل النمو السكاني وزيادة متوسط العمر المتوقع لسكان العالم، بيد أن الباحثين حذروا من ان معدلات الإصابة الأكبر ستحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وخلص الباحثون إلى أنه في الوقت الذي سوف تشهد فيه بلدان أوروبا الغربية ارتفاعا في حالات الإصابة بمرض الخرف بنسبة 74٪ بحلول عام 2050، فسوف تبلغ هذه النسبة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قرابة 367٪ ما يعني إصابة 13,8 مليون شخص من السكان بهذا المرض. أي ما يزيد عن 2 في المائة من السكان المتوقع أن يتجاوز عددهم 650 مليون نسمة سنة 2050.
يشار إلى أنه في عام 2018 خرجت تقديرات من التحالف العالمي للشيخوخة أشارت إلى أن حوالي مليوني شخص في الشرق الأوسط يعانون من الخرف مع الأخذ في الاعتبار صعوبة الحصول على إحصاءات حيال الأمر.
لماذا الشرق الأوسط بالتحديد؟
وتثير التقديرات عن زيادة مرضى الخرف في الشرق الأوسط تساؤلات حيال الأسباب وراء ذلك فيما قال الباحثون إن الأمر يعود إلى أسباب أبرزها الزيادة السكانية وارتفاع متوسط الأعمار.
بيد أن هناك عوامل خطيرة وراء هذه الزيادة لا سيما الاختلاف الكبير بين الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم خاصة في معدل الإصابة بأمراض القلب والسكري والبدانة بين مرحلة منتصف العمر وقلة النشاط البدني والعزلة الاجتماعية والتلوث الهوائي فضلا عن زياد معدلات التدخين في الشرق الأوسط.
وتعد هذه الأمور مؤشرات على احتمالات الإصابة بمرض الخرف مع التقدم في العمر فيما يبدو أن الدول الغربية استطاعت التغلب على مثل هذه الأمور مقارنة ببلدان الشرق الأوسط.
كما يدخل في هذا الإطار انخفاض مستوى التعليم ومعدل الأمية بين السكان إذ يعتقد الأطباء أنها مؤشرات على القدرة المعرفية والإدراكية فعلى سبيل المثال إذا كان الشخص لا يقرأ فهذا يعني أنه لا يقوم بتعزيز قدراته العقلية مقارنة بالأشخاص الذين يقرأون، فيما تشير الدراسات إلى أنه من المحتمل أن تظهر على هذا الشخص علامات الإصابة بمرض الخرف مع التقدم في العمر بمعدل ثلاث مرات.
ولا تزال تنتشر الأمية في بلدان الشرق الأوسط حيث يبلغ متوسط معدل إجادة القراءة والكتابة على مستوى العالم حوالي 86 ٪ فيما وصلت هذه النسبة في الشرق الأوسط إلى 79٪ عام 2019.
بيد أن هذا المعدل كان يفترض أن يكون أقل من ذلك بكثير إذ أنه وصل إلى حوالي 43٪ عام 1973، ما يعني أنه بحلول عام 2050 فإن الجيل الذي وُلد في عام 1973 سيكون قد تجاوز عامه الخامس والسبعين لكن مع معدلات القراءة والكتابة لديه منخفض بشكل كبير.
عدم إدراك خطورة الأمر
ورغم التحذيرات من زيادة معدل الإصابة بمرض الخرف في الشرق الأوسط، إلا أن الأمر لا يحظى بالكثير من الاهتمام.
وفي ذلك، قال عبد الرزاق أبيض، طبيب لبناني متخصص في رعاية المسنين، إن هناك إحصائيات قليلة عن أعداد مرضى الخرف في الشرق الأوسط مع عدم وجود عدد كبير من الأطباء والمتخصصين في الأمراض التي تصيب كبار السن أو حتى مرافق طبية لرعايتهم.
وقام عبد الزراق بتأسيس جمعيات خاصة برعاية مرضى الخرف مثل "جمعية الشرق الأوسط الشيخوخة ومرض الزهايمر"، لكن ينتابه الكثير من القلق حيال مصير كبار السن في المنطقة والذين هم عرضة للإصابة بهذا المرض في مرحلة ليست متقدمة في العمر.
وقد أشار الطبيب اللبناني إلى ذلك في دراسة عام 2014 إذ حذر "نرى حالات إصابة مبكرة لأمراض أخرى مرتبطة بالتقدم في العمر مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب في مصر حيث تتوفر الإحصائيات وهذا بمعدل يسبق الإصابة في الغرب بعشر سنوات". وأضاف "تشير هذه الارقام إلى أن الشرق الأوسط قد يواجه عبء زيادة الإصابة بمرض الخرف في أعمار أسبق مما هو عليه الوضع في الغرب."
ومن شأن هذا الأمر أن يشكل مشكلة كبيرة في الشرق الأوسط لأسباب أبرزها نقص الأخصائيين الطبيين ومرافق الرعاية والإحصاءات فضلا عن عدم المعرفة الكبيرة بالأمراض التي تصيب كبار السن لاسيما الخرف.
وفي هذا السياق، يقول العاملون في مجال الرعاية الخاصة بكبار السن إنه لا يتم رصد حالات الإصابة بمرض الخرف فيما لا تعترف في الغالب هيئات الصحة العامة بهذا المرض.
قيود عائلية
وربما يرجع الأمر إلى الطريقة التي يتم بها رعاية كبار السن في الشرق الأوسط حيث كشف باحثون سعوديون في دراسة أجريت عام 2019 عن مرضى الخرف في البلدان العربية أن "كبار السن يحظون باحترام كبير في الثقافة العربية". وأضاف الباحثون "يعد نقل كبار السن إلى دور الرعاية تخليا عن الواجب الأسري".
ورغم ذلك، لم تجد الطبيبة المصرية فاطمة أي مكان يمكن أن تلجأ إليه في رعاية والدها الذي أصيب بالخرف لأكثر من 15 عاما.
وقالت فاطمة - التي رغبت في عدم الكشف عن هويتها - إن الأمر كان صعبا ومرهقا للغاية، مضيفة "لكننا واجهنا هذه المشاكل بصدر رحب لأننا نحبه والله يأمرنا بالإحسان إلى الأباء والأمهات".
وبعد وفاة والدها عام 2019، قررت فاطمة تدشين صفحات على منصات التواصل الاجتماعي لتوعية المصريين حيال الإصابة بمرض الخرف.
أما الفلسطينية ليلى فتقول إن بعض الأقارب "لا يرحمون من يعاني من مثل هذه الأمراض"، مشيرة إلى أن إصابة والدتها بمرض الخرف كانت "موضعا للقيل والقال".
اليمن..وضع بالغ الخطورة
وفي اليمن، أسست أمل سيف "مؤسسة اليمن لمكافحة مرض الزهايمر" بعد رعاية والدتها المصابة بالخرف لمدة 10 سنوات في محاولة لزيادة الوعي حيال المرض في هذا البلد الفقير.
وقالت "الكثير من الناس ليس لديهم معرفة كافية عن مرض الخرف وأيضا لا يعرفون أفضل السبل لرعاية كبار السن،" مشيرة إلى أن "الوضع في اليمن صعب للغاية".
وفي ذلك، أوضحت "هناك عدد محدود جدا من الأماكن التي يمكن اصطحاب كبار السن إليها للحصول على إرشادات طبية. بعض الأسر منفتحة حيال هذا المرض لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون أو في حالة تخبط."
وأضافت "إنهم يعتقدون أن مرض الخرف يرتبط بشكل طبيعي مع التقدم في العمر الشيخوخة ولا يعرفون أيضا التعامل مع التغيرات النفسية التي تطرأ على كبار السن، لذا فهم أحيانا يضعون كبار السن في غرف دون أن يعرفوا كيف يمكن تعزيز قدرة المريض على مواجهة مرضه".
وقالت إن بعض الأسر في اليمن ترى أن إصابة أفرادها بمرض الخرف قد يضر بسمعة الأسرة إذ يعتقدون أن الخرف مرض وراثي.
تغيير في الثقافة
وفي هذا السياق، يسلط الطبيب اللبناني المتخصص في رعاية المسنين، عبد الرزاق أبيض، الضوء على مشكلة أخرى ترتبط بمرض الخرف ألا وهي التغيير في نظام الرعاية الأسرية لكبار السن في الشرق الأوسط.
وقال إن هجرة الشباب للعمل والفارق بين مستوى التعليم بين أفراد الأسرة "أدت إلى ضعف نظام دعم الأسرة، لذا فإن العائلات تواجه صعوبات كبيرة في رعاية أفرادها من كبار السن الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم".
وتدرك التونسية محبوبة هذا البعد القاسي من خلال أزمة والدها الذي أُصيب بمرض الخرف إذ بقي لفترة طويلة من الوقت في المنزل ولم يكن حوله سوى اثنين من أصدقائه.
ورغم ذلك، قالت "أشعر أني قد نجحت في الاعتناء به إلى حد ما على مدار 25 عاما. نفتقده كثيرا إذ حتى مع اشتداد مرضه، كان له مكانة خاصة عندنا."
وهذا الشعور بالارتياح لا يبدو مطابقا لما أبدته الفلسطينية ليلى إذ تقول إن الأمر "كان مرهقا للغاية حتى على المستوى النفسي".
وأضافت "رغم كل شيء، أشعر أني قصرت بعض الشيء ولم أفعل ما يكفي. أتمنى الآن فقط أن تكون أمي قد استراحت".
كاثرين شير بالتعاون مع طارق قيزاني ومحمد مجدي/ م.ع