موكب المومياوات الملكية أحيى الجدل حول هوية مصر وتراثها الحضاري
كانت مروة التوني عائدة للتو إلى منزلها بالقاهرة، بعد يوم شاق ألقت خلاله محاضرة لمدرسات مصريات بمحافظة الشرقية في دلتا مصر؛ أردن التعرف على اللغة المصرية القديمة قبل بدء تطبيقها في المدارس المصرية العام المقبل.
في عام 2012، تولد شغف مروة باللغة المصرية القديمة والكتابة الهيروغليفية، إذ تعرفت عليها بينما تعد بحثا عن الجرائم الجنائية في عهد المصريين القدماء أثناء استكمال دراستها في كلية الحقوق بجامعة القاهرة. "بدأت تتبع الرموز حول الأحكام والعقوبات في مصر القديمة، وأزور المناطق الأثرية، وأبحث عن تلك العلامات ومعناها، ومن هنا بدأت قصتي مع الهيروغليفية"، تقول مروة في حديث لـ DW عربية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
منذ ذلك الحين واظبت مروة على الذهاب للمعابد ورسم الرموز والنقوش على جدرانها، لكن مع إغلاق المتاحف بسبب وباء كورونا، خطرت لها فكرة إنشاء مجموعتها عبر فيسبوك تحت "اقرأ الهيروغليفية"، في مايو/ أيار العام الماضي، "دعيت أصدقائي من محبي الآثار إذ جمعنا حب اللغة المصرية القديمة".
لكن بعد أقل من عام زاد عدد متابعيها إلى نحو 37 ألف عضو، وباتت تنظم نقاشات ودروس أونلاين، وأعدت كتابين حول اللغة المصرية القديمة. "استعنت بكتب علماء آثار مصريين وأجانب مثل عبد الحليم نور الدين، ومارك كولر، في إعدادهما".
موكب أسطوري أعاد الزخم للهيروغليفية
زاد الموكب الأسطوري للمومياوات الملكية الذي شهدته العاصمة القاهرة مساء 3 أبريل/ نيسان، المصريين حنين وفخرا بحضارة الأجداد، حيث تجمعوا أمام التلفاز لمشاهدة الحدث التاريخي. وأسرت المقطوعة الموسيقية "أنشودة العظمة" قلوبهم ودفعتهم لإعادة اكتشاف لغتهم، حيث عزفت في الحفل باللغة المصرية القديمة ونصوصها مهداة للإلهة إيزيس وتعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
بعد الاحتفالية، استقبلت مروة، طلبات عديدة للانضمام لمجموعتها، "أهم شيء لفت نظرهم (أنشودة العظمة)، وبدأوا يسألون عن ترجمتها، وهذا ما شجعني على مواصلة ما أفعله وأساعد الناس على فهمها وتعلمها".
وعما تقوم به مروة وغيرها تقول أستاذة الآثار المصرية، مونيكا حنا، لـDW عربية، "هذه الاجتهادات الشخصية جيدة، إذ تضفي زخما لدراسة اللغة المصرية القديمة... لكن دراستها (اللغة) لابد أن تكون بشكل مؤسسي ويُدرسها متخصصون في علوم الآثار".
اهتمام بهاء ثروت، طالب في كلية الآثار جنوب الوادي، بتعلم اللغة المصرية القديمة جذبه لمتابعة مجموعة "اقرأ الهيروغليفية"، ويقول لـ DW عربية "اللغة المصرية القديمة كانت مركونة (مهملة) رغم أنها جزء من تاريخنا وحضارتنا". ويرى بهاء أن مبادرة مروة تجذب فئات أخرى غير مختصة لدراسة اللغة التي يقتصر تعليمها على كليات الآثار والتاريخ.
خطوة نحو إحياء التراث
استغلت وزارة التعليم المصرية،نجاح حفل موكب المومياوات الملكية، لتعلن يوم 5 أبريل/ نيسان بدء تدريس بعض رموز الكتابة الهيروغليفية في الصف الرابع الابتدائي. وتقول مديرة مركز تطوير المناهج بوزارة التعليم المصرية، نوال شلبي، لـ DW عربية، "هدفنا هو ربط الأطفال بالحضارة المصرية القديمة، من خلال تفاعلهم مع وسيلة الكتابة التي استخدمها القدماء". وتضيف "سنضع بعض رموز الكتابة الهيروغليفية في منهاج الدراسات الاجتماعية مع مرادف كل رمز، ليتعرف الأطفال على هذه الرموز بشكل مبسط يتناسب مع سنهم واستيعابهم".
وتعتبر مونيكا حنا، أن ذلك "خطوة جيدة تقود إلى التوسع في تدريسها لإثراء للتراث الحضاري". وتقول إن "اللغة المصرية القديمة جزء من العلوم الإنسانية، يجب دراستها مثلما يحدث في أوروبا مثل فرنسا حيث نجد الطلاب يتعلمون الأعداد باللغة المصرية القديمة، ولكننا هنا تقتصر على كليات الآثار". زتشير إلى أن "هناك أكثر من 30 بالمائة من كلمات اللغة العربية أصلها من المصرية القديمة، لكن الناس لا يعرفون ذلك مثل كلمة "فول وترابيذة".
لكن بعض أولياء الأمور أبدوا خشيتهم من إثقال المناهج بلغة لم تعد مستخدمة، وترد على ذلك المسؤولة بوزراة التعليم "ليس مطلوبا من الأطفال أن يحفظوا هذه الرموز لكن أن يفهموا ماهية الحضارة وكيف اكتشفت".
فيما ترى مروة التوني بعد أن درستها لأطفالها، أن "اللغة المصرية هي لغة فن ورسم وسينجذب التلاميذ إليها، وسينجذبون إليها أكثر حين يذهبون إلى أي موقع أثري".
وتؤكد حنا، أن مناهج كليات الآثار بمصر يمكن الاستعانة بها للتوسع في دراسة اللغة المصرية القديمة، ومكتبة الإسكندرية بإمكانها المساعدة أيضا.
وأعلنت مكتبة الإسكندرية، يوم 6 أبريل/ نيسان، تنظيم دورات تدريبية لتعليم رموز الكتابة الهيروغليفية لمدرسي مادة الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الابتدائية.
وظلت الهيروغليفية مجهولة عن المصريين حتى جاء العالم الفرنسي جان-فرانسوا شامبليون في القرن التاسع عشر ليفك طلاسم لغة المصريين القدماء ويرفع الستار عن الحضارة المصرية. ومثلما ساعدت اللغة القبطية (المرحلة الأخيرة من تطور اللغة المصرية) شامبليون على اكتشاف رموز الكتابة الهيروغليفية، قد تلعب دورا في انتشارها أيضا، حيث لا تزال تستخدمها الكنائس في الترانيم والصلوات، "لولا استمرار اللغة القبطية بالكنائس لما كان سيتم فك رموز الهيروغليفية على حجر رشيد"، يقول طلب الآثار بهاء.
جدل حول الهوية
لكن دعوات إعادة اكتشاف الماضي، فجرت جدلا بين مصريين حول فكرة الهوية الأصلية للمصريين عربية أم فرعونية؟ وكتب الداعية عبدالله رشدي، في تغريدة مع إقامة الموكب يوم 3 أبريل/ نيسان"هي مصرُ العربيةُ الإسلاميةُ..هذه هويتنا..شاء من شاء وأبى من أبى".
ورد محمد الحداد عليه، قائلا "مصر مش عربية .. الهوية العربية مختلفة عن الهوية الإسلامية .. بلاش تدمج بينهم.. صحاب الأرض الأصليين وأول سكانها مكانوش (لم يكونوا عرب) كانوا فراعنة.. دخول الإسلام أعظم حاجة حصلت في تاريخ مصر.. لكنه ميقدرش يغير الواقع...".
ووسط الجدل، أبدى الكاتب المصري عبد العظيم حماد، استغرابه من احتدام الجدل حول الهوية في كل لحظة تأزم وطني وانعدام يقين، وتساءل عبر فيسبوك: أليس عجيبا أن تظل نخبة منقسمة حول هويتها الوطنية لأكثر من مائة عام كما هو حال النخبة المصرية؟
وتساءل أيضا عما "إذا كان صحيحا أن أسباب تخلفنا أو بالأحرى الفشل المروع لكل محاولاتنا النهضوية في مصر هو الجبن عن طرح الهوية المشرقية (إسلامية كانت أم عروبية) وراء ظهورنا والانخراط بكل قوة في العلمانية وفي الهوية المتوسطية. فكيف استطاعت اليابان منذ منتصف القرن ١٩ التحول لدولة بها نظام تعليمي متطور وصناعة متقدمة رغم استسلامها للثقافة التقليدية؟".
أما مونيكا حنا، فترفض السؤال عن الهوية لأنها (الهوية) ليست حاجة ملموسة: "نحن كمصريين لدينا هويات عديدة من عرب وأفارقة وشمال أفارقة وشعوب البحر المتوسط". لذلك ترى أن "كل إنسان من حقه أن تكون له هويته الشخصية".
ورغم ذلك تنظر للأمر بإيجابية لانعكاس ذلك رواجا ثقافيا واسعا بمصر، حيث "أصبح هناك كثير من الناس يهتمون بالتراث"، بما يؤكد أنزخم موكب المومياوات ليس "مجرد تأثير وقتي وينتهي".
القاهرة- محمد مجدي