مهرجان كان في نسخته الـ 77: من السجال إلى السياسة!
لم يتردد ناقد سينمائي من استراليا في وصف مهرجان كان في نسخته السابعة والسبعين بكونه الأسواء، قائلاً: "حضوري هذا العام يعد الثالث والثلاثين للمهرجان، لكن ما رأيته هذه المرة هو الأسوأ على الإطلاق".
فعلى الورق تضم قائمة الأفلام المشاركة في المهرجان أفلاماً رائعة بداية من فيلم "ذي شراودز" (The Shrouds)، الذي يقف وراءه المخرج الشهير ديفيد كروننبرغ مبدع العديد من كلاسيكيات أفلام الرعب، بالإضافة إلى فيلم "بارثينوب" (Parthenope) للمخرج الإيطالي باولو سورينتينو، وفيلم الدراما (Kind of Kindness) للمخرج يورجوس لانثيموس.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتضم القائمة أيضاً أفلاماً مثل (Oh Canada) الذي يسرد قصة كاتب أمريكي فر إلى كندا بعد أن رفض التجنيد في الجيش الأمريكي إبان حرب فيتنام، إلى جانب فيلم الخيال العلمي "ميغالوبوليس" (Megalopolis) للمخرج فرانسيس فورد كوبولا الذي تجاوزت تكلفته عتبة الـ 120 مليون دولار.
ورغم أن أسماء كبيرة تقف وراء هذه الإفلام، إلا أنها تعرضت للانتقادات بزعم كونها سطحية.
دعوات لصناعة أفلام سياسية
ويرى نقاد أن فيلم "ميغالوبوليس" أحد أشهر الأفلام المشاركة في المهرجان كان مزيجاً سخيفاً من الاستعارات حيث يستدعي من الذاكرة فيلم "المواطن كين" الذي جرى إنتاجه في أربعينيات القرن العشرين ويعد أكثر الأفلام الأمريكية إثارة للجدل. وعند المضي قدماً في مشاهدة الفيلم، يمكن رصد أنه ليس سوى مقطع مصور ملهم يرويه الملياردير الامريكي إيلون ماسك يشبه فيلم لهواة في مرحلة دراستهم الثانوية.
ولم يكن فيلم "ميغالوبوليس" الذي جذب الأنظار فقط في مهرجان كان بل شملت القائمة فيلم (Apprentice) الذي يحاكي قصة دونالد ترامب للمخرج الدنماركي-الإيراني، علي عباسي، وبطولة سيباستيان ستان الذي يجسد دور "ذا دونالد". يسرد الفيلم السنوات الأولى من سيرة ترامب وتربعه على عرش العقارات في أمريكا في الثمانينيات برعاية المحامي اليميني المثير للجدل روي كوهن، الذي يلعب دوره جيريمي سترونج.
يعرض الفيلم عدداً من المشاهد القوية تصور ترامب وهو يجري عملية شفط الدهون وعملية لإزالة الصلع، لكن المشهد الأكثر قوة كان مشهد اغتصاب ترامب زوجته الأولى إيفانا.
أثار الفيلم رد فعل هجومي من حملة ترامب الرئاسية التي اعتبرت العمل السينمائي ليس سوى "محاولة تشهير خبيثة القصد" مع التهديد بمقاضاة صناع الفيلم. ورغم ذلك، دافع المخرج عباسي عن فيلمه، قائلاً: "لا توجد طريقة استعارية لطيفة للتعامل مع موجة الفاشية المتصاعدة غير هذه الطريقة الفوضوية". وأضاف عقب العرض الأول لفيلمه في المهرجان : "أعتقد أن مشكلة العالم هي أن الأشخاص الطيبين ظلوا هادئين لفترة طويلة جداً. لذلك أعتقد أن الوقت قد حان لجعل الأفلام ذات صلة بالواقع المعاصر، ما يعني أن الوقت قد حان لإنتاج الأفلام سياسية من جديد".
قالب الجسد
يعد فيلم The Substance أو "المادة" من أفضل الأفلام المشاركة في المهرجان للمخرجة الفرنسية كورالي فارجيت ومن بطولة النجمة الأمريكية ديمي مور. يسرد الفيلم قصة الممثلة إليزابيث التي تجسد دورها مور التي غابت عنها الأضواء بسبب بلوغها سن الخمسين لتقرر تجربة عقار يخلق لها شخصية شابة تلعب دورها مارغريت كوالي. يستكشف الفيلم بتفاصيله القاسية والدموية هوس المجتمع المخيف بالجمال وحصر نظرته للمراة في قالب جسدها وجمالها.
وأشارت المخرجة إلى أن العنف الذي يتسم به فيلمها كان كناية عن العنف العاطفي والجسدي الذي يلحقه الرجال بالنساء والذي تمارسه النساء على أنفسهن في سعيهن نحو جمال دائم يواكب الموضة. وأضافت "اخترت إظهار العنف على الشاشة بطريقة متطرفة لأني أعتقد أن الأمر قد بلغ مستوى متطرف".
وفي فيلمه (Anora) أو "أنورا"، ينتقد المخرج الأمريكي، شون بيكر، النظام الأبوي الذي يسيطر على عقول الكثير من الرجال حيال معاملتهم النساء. يدور الفيلم حول قصة عاملة جنس صبية تقع في حب مع ابن أحد الأثرياء الروس، ورغم أن الفيلم يمر ببعض المواقف الكوميدية، إلا أن هذه السخرية لا تقلل من أهمية الرسالة التي رغب العمل في بثها والتي تتمثل في قضية استغلال المرأة.
ومن خلال فيلم (Emilia Perez) أو "إميليا بيريز"، استطاع المخرج الفرنسي جاك أوديار نيل إعجاب جمهور مهرجان كان حيث يسرد الفيلم قصة التحول الجنسي في عمل من بطولة الممثلة والمغنية سيلينا غوميز وزوي سالدانا والممثلة الإسبانية كارلا صوفيا جاسكون.
الهروب من إيران
يعد فيلم "بذرة التين المقدس" للمخرج الإيراني محمد رسولوف من بين أفضل الأفلام المشاركة في مهرجان كان. وقبل أيام من عرض فيلمه في المهرجان، حكم على رسولوف بالسجن ثماني سنوات والجلد في إيران بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأمن القومي. وبعد رحلة هروب يحفها الموت من كل اتجاه، وجد رسولوف، الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2020، الملجأً في ألمانيا.
يسرد الفيلم قصة قاضي إيراني في المحكمة الثورية الإيرانية يبدأ في الانقلاب على أفراد عائلته بعد أن تساوره الشكوك حيالهم مع اشتعال الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد في محاكاة لوصول الفساد داخل الأنظمة الاستبدادية إلى المستوى الفردي.
حضور عربي
يشارك في عروض المهرجان ثمانية افلام عربية: فيلمان من مصر وفيلمان من المغرب وفيلم جزائري وفيلم صومالي وفيلم فلسطيني وفيلم سعودي يمثل أول مشاركة سعودية في المهرجان.
ومع تصاعد الأحداث في غزة، سُلطت الأضواء على الفيلم الفلسطيني (To a Land Unknown) "إلى أرض مجهولة" للمخرج الفلسطيني-الدانماركي مهدي فليفل.
وخلال المهرجان، عرض السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي مشروعاً أطلق عليه اسم "المسافة صفر" بهدف توفير فرصة لسينمائيين في غزة لإنتاج أفلام قصيرة تتراوح مدة كل فيلم ما بين ثلاث إلى ست دقائق تسرد واقع قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
ويسدل الستار عن مهرجان كان السبت (25 مايو /آيار) بالإعلان عن الفيلم الفائز بجائزة السعفة الذهبية لهذا العام.
أعده للعربية: محمد فرحان