منصة "خطيرة"للقضايا النسوية - صوت ومنبر للمرأة في المنطقة
"ما أكثر شيء يخيف مجتمعنا، لكن نفكر فيه كل 40 دقيقة؟"، تسأل ماريا عليان في بداية أحد الفيديوهات. بعد السؤال يأتي قرع عنيف على الطبل، ثم تجيب ماريا: "إنه الجنس. تفاجأتم، أليس كذلك؟".
دور الشخصية التي تلعبها اسمها ماريا أيضا، إنها شخصية منفتحة وصريحة، وينبغي أن تظهر أنها تنتمي لنساء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اللواتي يعبرن بشجاعة عن آرائهن ويسلكن طريقهن الخاص.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتتابع ماريا السؤال في الفيديو: "لكن لماذا تخشى مجتمعاتنا الرغبة؟ وخاصة رغبة النساء؟ ما هي الرغبة؟" وتجيب: "إنها شعور بممارسة الجنس مع شخص تحبينه أو ترغبين فيه أو مع نفسك".
محاطة بالكتب في غرفة ملونة، تقدم ماريا إحصائية حول موضوع "الرغبة الجنسية لدى النساء" وتقارنها مع إحصائية عن الرغبة لدى الرجال.
"كوني قوية واتخذي قراراتك"
الفيديو الذي نتحدث عنه هو حلقة من الجزء الثاني لسلسلة "سمعتوها مني"، تقدمها مؤسسة "خطيرة" الإعلامية التي تديرها نساء في العاصمة اللبنانية بيروت.
ولم يتم اختيار اسم "خطيرة" للمؤسسة لأنها مفهومة في كل المنطقة فقط، وإنما لأنها تعبر أيضا عن صلب مضمون ما تقدمه. "المرأة في منطقتنا تحب أن تسمى خطيرة. إنها تعني أنها قوية وتتخذ قراراتها بنفسها. إنك على دراية بالعالم، على دراية بحقوقك وقيمك"، تقول أماندا أبو عبدالله، مؤسِسة "خطيرة" في حوار مع DW.
ما تهدف إليه مؤسسة "خطيرة" وفريقها هو التالي: أرادت السيدات تأسيس موقع إلكتروني للتحدث، وللوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس في المنطقة من خلال اللغة والفكاهة والحقائق، وخاصة ما يتعلق بالمواضيع الحساسة التي تخرق محرمات (تابوهات) المجتمع. "خطيرة" تريد أن تكون ملاذا آمنا يتم التحدث فيه عن النسوية والنظام الأبوي والمواضيع الاجتماعية الحساسة، بأسلوب بسيط سلس وكأن المرء يتحدث مع أصدقائه. وشعارها: لا غطرسة ولا مصطلحات معقدة، وتقديم كل شيء بلغة بسيطة مفهومة مع كثير من السخرية والفكاهة، وكل ذلك مبنيا على الحقائق.
فكرة ومفهوم وأسلوب "خطيرة" خطرت على بال أماندا أبو عبدالله قبل جائحة كورونا، خلال العام الأول تم انتاج الجزء الأول من سلسلة فيديوهات "سمعتوها مني" ونشرها على موقع خطيرة ويوتيوب وانستغرام. وفي الأثناء نمت المؤسسة خلال ثلاث سنوات وأصبح عدد أفراد فريق العمل 9 نساء، ثلاث منهن يعملن بشكل ثابت كموظفات. ويتم تمويل مشروع "خطيرة" من منظمات مدنية غير حكومية مختلفة. وأماندا أبو عبدلله هي الرئيسة المشتركة لمجلس إدارة "خطيرة" مع زميلتها رنا عسقول.
تحقيق الهدف من خلال السخرية والفكاهة
تقول أماندا إنها وجدت الكثير من معاداة المرأة في مجال الكوميديا، و"بعدها جاءت فكرة: دعونا نلعب على نفس الملعب! دعونا نكافح بنفس الأدوات. دعونا نستخدم السخرية ونقدم المعلومات والبيانات، ونتحقق منها دائما. وكل هذا نقدمه من خلال امرأة جريئة تستطيع تجسيد الكثير من الشخصيات في الأدوار التي تلعبها" تقول منتجة ومخرجة الفيديوهات أماندا.
في الحقيقة، ماريا عليان تلعب في مقاطع الفيديو دور حوالي 20 شخصية مختلفة. وهي دائما المذيعة ماريا كما تلعب دور امرأة مسنة أو رجل كبير ذي شاربين. وتبدو تلك الشخصيات مثل كثير من الشخصيات الواقعية التي يعرفها المشاهدون في عائلاتهم ومجتمعاتهم العربية.
وقد حققت سلسلة "سمعتوها مني" نجاحا كبيرا، فالجزء الأول حقق أكثر من 26 مليون مشاهدة على مختلف المنصات في المنطقة. أما الجزء الثاني الذي تم نشره قبل فترة قصيرة فقد حقق 10,3 مليون مشاهدة.
متابعو "خطيرة"، البالغ عددهم 1,5 مليون، والعدد في ازدياد، أغلبهم من السعودية والأردن ولبنان والعراق ومصر. 73 بالمائة فتيات ونساء شابات، تتراوح أعمارهن ما بين 15 و24 عاما.
هذا ولا تقدم "خطيرة" سلسلة "سمعتوها مني" فقط، وإنما تقدم مقاطع فيديو أخرى أيضا. كما تنشر على موقعها الالكتروني نصوصا لكاتبات وكتاب من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول مواضيع مثل: الجنس والتحرش والتمييز والأدوار الجندرية.
لكن سلسة "سمعتوها مني" الساخرة هي الأكثر شعبية بين برامج "خطيرة"، والتي تتناول مواضيع عديدة بينها صحة المرأة وجرائم الشرف والتحرش والحب والزواج والمرأة في سوق العمل وغيرها. وتهدف السلسلة إلى الكشف عن التحيزات ضد المرأة والأحكام المسبقة والصورة النمطية عنها وكل ما يعيق معاملة المرأة ومساواتها مع الرجل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
النسوية العربية مقابل الغربية!
المذيعة ماريا عليان مقدمة سلسلة "سمعتوها مني" عمرها 27 عاما وهي ذات أصول فلسطينية أردنية، وأماندا أبو عبدالله (34 عاما) لبنانية. وتقول كلاهما إنهما تمنتا وجود مثل هذا البرنامج بالعربية منذ الطفولة. وتقول أماندا أبو عبدالله "كنت أتمنى أن أشاهد شيئا مثل هذا بلغتي حين كنت فتاة شابة، وليس بمضمون غربي فقط، لم أكن أتعلق به كثيرا. إنه ليس دائما نفس السياق، رغم أن مسألة الجندر هي في الحقيقة عالمية".
"خطيرة" تخاطب كل النساء في المنطقة العربية "لدينا مشاكل أخرى مختلفة عن مشاكل الغرب. لكن لدينا مشاكل مشتركة في العالم العربي. أن متأكدة أنه عندما يستمع المرء لامرأة أردنية ومصرية والتحديات التي تواجهها، ستكون الأسباب هي نفسها تقريبا" تقول أبو عبدالله.
ماريا عليان أيضا ترى ذلك، ويتعلق الأمر بالنسبة إليها بتقديم سردية نسوية عربية "ولتمييز نسويتنا عن النسوية الغربية وسد الثغرات المعرفية، لتستطيع الفتيات والنساء العربيات التمتع بحياة أكثر عدلا" وتضيف عليان "هناك هدف آخر، وهو أن تعرف الفتيات والنساء أنهن لسن وحيدات في تفكيرهن. فالكثير من النساء يفكرن في نفس الشيء بالضبط! ولكنليس لديهن الأدوات للتعبير عنها أو يتعرضن للخطر عندما يقمن بذلك. وبالضبط هنا يأتي دور: سمعتوها مني".
النقد والتشجيع من الرجال أيضا
الأفكار ومواضيع مقاطع الفيديو مستوحاة من الحياة الواقعية، ولكن أيضا عن طريق الاستماع الاجتماعي لمعرفة الموضوعات التي تتم مناقشتها وتداولها على شبكة الإنترنت. ومن خلال الموضوعات التي يتم تداولها، يضرب فريق "خطيرة" على الوتر الحساس للكثير من الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأغلب ردود الفعل إيجابية، حسب استقصاء داخلي، وإلقاء نظرة على التعليقات يؤكد ذلك.
وهو ما لم تتوقعه لا ماريا عليان ولا أماندا أبو عبدالله في البداية، "أن تكون وجه خطيرة، يحمل معه الكثير من المسؤولية، وبالدرجة الأولي لأن المحتويات التي ننتجها هي للمنطقة، ولأننا يجب أن ننتبه تماما كيف نوصل رسالتنا" تقول عليان التي تقوم بدورها بفخر واعتزاز، وتضيف "في نفس الوقت واضح بالنسبة لي أن هذا لا يخلو من المخاطر".
بالطبع يتم توجيه النقد أيضا لهن، وأحيانا يتم التشكيك في الأرقام والإحصائيات التي يتم تقديمها بعد البحث والتحقق منها. وأحيانا يتم اتهامهن بدق إسفين بين الرجال والنساء، لكنهن تؤكدن أن الأمر بالنسبة لهن عكس ذلك تماما، لإظهار أن الرجال يمكن أن يكونوا حلفاء في الكفاح من أجل المساواة الجندرية، وفي الجزء الأول من سلسلة "سمعتوها مني" شارك رجل أيضا في تقديم بعض الحلقات مع ماريا عليان. كما أن الصور النمطية تشمل الرجال أيضا. وتشير أماندا أبو عبدالله إلى أن هناك ردود فعل إيجابية كثيرة من الرجال أيضا.
ديانا هودالي/ عارف جابو