مفهوم جديد لسفر الأعمال
يبدو جلياً أن مجتمع مسافري الأعمال في المنطقة يشهد نمواً ملحوظاً لجهة الحجم والمكانة وقوة الإنفاق. وبحسب أحدث بيانات "الجمعية العالمية لسفر رجال الأعمال"، فقد سجل هـذا المجتمع إنفاق 1,25 تريليون دولار عالمياً على السفر في عام 2015، وهذا يشكل ارتفاعاً بنسبة 6,5% عن عام 2014 مع توقع مزيد من الإنفاق حتى عام 2019 على الأقل. كما يعتبر مسافرو الأعمال من العملاء الأكثر إنفاقاً في العالم، حيث يتفوقون على أولئك الذين لا يسافرون لجهة شراء المنتجات الفاخرة بدءً من الإلكترونيات الاستهلاكية ووصولاً إلى السيارات الرياضية. ولو نظرنا فقط إلى الإلكترونيات الاستهلاكية على سبيل المثال، فهي تعتبر الفئة الشرائية الأولى بالنسبة لهذه الشريحة من المسافرين؛ حيث يمتلك 69% من مسافري الاعمال جهازاً لوحياً و25% منهم تلفازاً ذكياً، ما يجعلهم يتفوقون على غير المسافرين بمقدار الضعف استناداً إلى دراسة أجرتها شركة الأبحاث المعروفة "أدارا" (ADARA) في عام 2015.
ويشير بروس رايد، مدير تسويق العلامة التجارية لدى "مجموعة فنادق انتركونتيننتال" في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، إلى أن تعزيز عروض "فئة مسافري الأعمال" في قطاع الضيافة بالمنطقة - بدءً من تجربة ما قبل الوصول وانتهاءً بحجوزات الطعام - قد يفتح آفاقاً جديدة للنمو ويسهم في الوقت ذاته باستقطاب المزيد من المسافرين رفيعي المستوى.
ويقول مستدركًا:"ندرك اليوم أهمية عامل الوقت بالنسبة لمسافري الأعمال الذين يعيشون حياة حافلة تجعلهم يعتبرون الفندق بمثابة منزل ثانٍ يجب أن يوفر لهم جميع وسائل الراحة اللازمة خلال إقامتهم. وقد ساهم ضيق الوقت ورغبة هؤلاء في الاستفادة من رحلاتهم قدر الإمكان في تنامي توجهات السفر التي تجمع بين "العمل والترفيه"، حيث يخصص رجال الأعمال جزءً من وقتهم لممارسة الأنشطة الترفيهية خلال رحلاتهم، سواء كان هذا النشاط عبارة عن جلسة سبا علاجية سريعة، أو جولة جولف ممتعة، أو حتى تمديد فترة الإقامة لقضاء بعض الوقت بصحبة العائلة أو الأصدقاء".
ووجدت دراسة حديثة أجرتها شركة "بريدج ستريت جلوبال هوسبيتاليتي" أن 83% من المسافرين يغتنمون فرصة رحلات الأعمال لاستكشاف المدينة التي يزورونها، كما يحرص 60% من المسافرين على الجمع بين العمل والترفيه في رحلاتهم. وينشد مسافرو الأعمال رفيعو المستوى بالحد الأدنى خوض تجارب استجمامية تنطوي على وسائل راحة منزلية مصممة خصيصاً لمواكبة تفضيلاتهم. وهذا يتطلب أصلاً سبل تفاعل شخصية ذات طابع إنساني بعيداً عن عالم الوسائط الرقمية التي تستحوذ على الكثير من وقتنا.
ولتحقيق أقصى درجات الرفاهية، يتجه قطاع الضيافة في الشرق الأوسط إلى التركيز على تلبية احتياجات مسافري الأعمال عبر الخدمات المخصصة التي تعنى بأدق تفاصيل رحلاتهم. ومن المتوقع لهذه الخدمات أن تأخذ بعين الاعتبار رغبات وتطلعات هؤلاء المسافرين وحتى أصدقائهم وعائلاتهم، علماً أن تقديمها قد يكون من الأمور التي يتوقع المسافرون الحصـول عليها بطبيعة الحال من الفنادق التي ينزلون فيها. ومع ذلك، فهي تشكل مفهوماً دقيقاً من المتوقع أن يكون أثره كبيراً اليوم على قطاع السفر في المنطقة.
وبهذا الصدد، قال شيكيتان ديف، الأستاذ المساعد في قسم تسويق الخدمات بكلية كورنيل لإدارة الفنادق: "كان الجيل الماضي من مسافري الأعمال يمنحون الأولوية لجني المال على حساب وقتهم الشخصي. بينما يميل الجيل الجديد إلى توفير الوقت للترويح عن أنفسهم ولو تطلب الأمر إنفاق مزيد من المال".
العبرة في التفاصيل
تفسر الأسباب الواردة أعلاه رغبة الفنادق في المنطقة بتحديث خدماتها لمواكبة احتياجات مسافري الأعمال الذين يرزحون تحت ضغط الوقت، ولكنهم بالمقابل ينشدون الاستقلالية والخدمات المخصصة. ولذلك، فإن التحدي الأكبر لا يقتصر على محاولة جعل إقامتهم مثمرة وفاعلة لجهة الوقت فحسب، وإنما جعلها تجربة لا تنسى أيضاً.
وفي قطاع الطيران، يتم عادة تلبية متطلبات مسافري الأعمال عبر تزويدهم بخدمات الدرجة الأولى بدءً من النقل بسيارة خاصة مع سائق ووصولاً إلى ردهات النوادي الخاصة في المطارات والتي تتضمن مرافق سبا، وقاعات للألعاب، وتجارب راقية لتناول الطعام، وصولاً إلى أجنحة الإقامة الفاخرة على متن الطائرة والتي تبدو كمنزل حقيقي يحلق في السماء. ويستمد قطاع الضيافة إلهامه اليوم من نموذج قطاع الطيران وإعادة النظر فيه بمزيد من الدقة والعناية، ويتجلى ذلك من خلال سعي الفنادق لتلبية متطلبات مسافري الأعمال عبر توفير عروض "النادي" الجديدة للمسافرين الدائمين رفيعي المستوى.
ولا تنضوي هذه العروض تحت إطار برامج ولاء العملاء يقول السيد رايد "ينبغي إيضاح هذه النقطة باعتبار أن تجربة النادي مغايرة تماماً لخدمات الغرف المجانية والحسومات على وجبات الطعام وغيرها. وعلى غرار قطاع الطيران، تتمحور تجربة النادي حول التفاصيل بما في ذلك توفير جناح للخدمات الحصرية المصممة لكبار الشخصيات والتي تذهل مسافري الأعمال وتحاكي رغباتهم على أكمل وجه.
واضاف :"على سبيل المثال، يتولى مسؤولوا خدمات النادي لدينا مهمة التواصل مع الضيوف قبل 48 ساعة من وصولهم إلى المدينة لضمان توفير وسيلة نقل تقلّهم إلى الفندق، وسؤالهم عما يفضلون تناوله، وتقييم مستوى التوازن بين ساعات العمل والترفيه المتوقعة خلال رحلتهم. ومن هنا تبدأ مغامرات الرحلة المخصصة؛ فمنذ لحظة وصول الضيوف إلى المطار، يتم تخصيص خدمة لاستقبالهم واصطحابهم في سيارة فارهة، ويترافق ذلك عادة مع تقديم مشروبات مجانية، وخدمة الإنترنت اللاسلكي "واي فاي" ضمن السيارة، وتوفير صحفهم المفضلة، فضلاً عن جهاز لوحي مزود بمعلومات عن المدينة المحلية. وخلال رحلتهم إلى الفندق، يقوم أحد مديري خدمات النادي المتمرسين بالتواصل مع المسافر ليقترح عليه أفضل المطاعم التي يمكنه الحجز لديها في ذلك المساء".
كما يتم الترحيب بالضيوف بالاسم لدى وصولهم إلى الفندق، ومن ثمَّ اصطحابهم إلى الردهات المخصصة لتسجيل الوصول، ومرافقتهم بعدها إلى أجنحتهم الفسيحة التي تنطوي بدورها على مجموعة من الخدمات المميزة مثل الإنترنت اللاسلكي المجاني، والاتصالات المحلية، والخدمات الضرورية، فضلاً عن خدمة تسجيل الخروج المتأخر بما يراعي مواعيد رحلاتهم لدى المغادرة. كما نوفر في جميع الأوقات فريقاً متخصصاً بخدمات النادي يقدم الاستشارات اللازمة حول أفضل خيارات المطاعم والتسوق والجولات السياحية بناءً على التجارب الأخيرة للضيوف، وطول فترة إقامتهم، والمقابلات المقررة خلال اليوم.
هذا طبعاً بالإضافة إلى الردهة الخاصة التي يتـوق إليها المسافرون عادةً. ولا تقتصر خدمـات ردهات النوادي اليوم على تقديم مقبلات الكانابيه التقليدية لمسافري الأعمال، وإنما توفر لهم أيضاً باقة من خيارات الطعام الشهية، والمشروبات الفاخرة، ومكتبات واسعة من الخيارات الأدبية والموسيقية، مع إتاحة الفرصة أمام الضيوف حتى لدعوة أصدقائهم كي يشاركونهم هذه التجارب الممتعة دون دفع أي تكاليف إضافية.
ولا شك أن هذه العناية بالتفاصيل وتوفير أرقى الخدمات المخصصة تضمن تحويل رحلة العمل البسيطة إلى تجربة ممتعة لا تنسى. كما يمثل ذلك فرصة تجارية حقيقية أمام قطاع الضيافة في المنطقة، والتي لم يتم استثمار إمكاناته فيها بالشكل الأمثل حتى الآن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.