معرض فرانكفورت للكتاب.. حضور عربي محتشم وسط عزوف الجاليات
يعود المعرض الدولي للكتاب في فرانكفورت بعد سنتين من الحضور المقيّد الذي فرضته جائحة كوورنا. أكثر من أربعة آلاف ناشر يمثلون أكثر من 80 بلدا في ما يعدّ أكبر معرض للكتب في العالم.
لكن الحضور العربي يظهر هذا العام باهتاً للغاية، ولم تنقذه سوى أروقة لهيئات خليجية، تبحث عن التعريف بأسمائها وأنشطتها، أو رواق لاتحاد الناشرين العرب، الذي يظهر أساساً أنه مكان للاجتماعات أكثر من حيز لعرض الإصدارات العربية، أو أورقة صغيرة لدور نشر على رؤوس الأصابع، بإصدارات محدودة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ولا يجد الباحث عن الإصدارات العربية سوى القليل منها، كما يظهر الرواق العربي فارغا بشكل كبير، بينما استغلت دور نشر عالمية فرصة المعرض للترويج لآخر الروايات والكتب. لكن محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، يتحدث لـDW عربية عن أن المشاركة العربية عموما تبقى جيدة، وإن الناشرين حضروا في المعرض وإن لم تكن هناك أروقة خاصة بهم، متحدثا عن أن الاتحاد يوفر للناشرين عقد اجتماعاتهم أو تقديم إصداراتهم في رواقه.
تراجع الاهتمام بالثقافة العربية في ألمانيا؟
محمد بدوي، ناشر في ألمانيا، يتحدث عن وجود إشكاليات كبيرة تخصّ توزيع الكتب العربية في ألمانيا، أولها ضعف تلقي الكتاب العربي في ألمانيا من طرف الجاليات الغربية، ويعود ذلك حسب قوله إلى "الأسعار الباهظة لإنتاج الكتب"، خصوصاً أن جلّ الدور العربية لا تزال تركز على النسخ الورقية، كما يرجع الأسباب إلى غياب هيئة قوية في ألمانيا تهتم بالثقافة العربية كما عليه الحال في فرنسا مع معهد العالم العربي في باريس.
ويعدّ المعرض فرصة كبيرة لدور النشر لبيع حقوق ترجمة إصداراتها، وخصوصاً الإصدارات الحائزة على جوائز. أحمد العامري- رئيس هيئة الشارقة للكتاب -هي من ترعى حضور اتحاد الناشرين العرب في هذا المعرض-، يقول لـDW عربية إن الهيئة مكّنت من تصدير أكثر من 1400 كتاب عربي إلى مختلف لغات العالم من خلال المنحة التي يقدمها المعرض، مؤكدا ترجمة عدد من الإصدارات الفائزة بالبوكر العربي إلى اللغة الألمانية.
لكن دور الهيئة ليس الترويج للإصدارات فحسب، فأحمد العامري يؤكد أن الهدف من الحضور كذلك هو الترويج لمعرض الشارقة للكتاب الذي يبحث عن أن يكون واحدا من أكبر معارض الكتب في العالم، والهدف كذلك "بناء جسور للتواصل بين الثقافتين العربية والغربية" و"تصدير الثقافة العربية إلى الآخر واستيراد الثقافة الغربية بما يتلاءم مع المضمون العربي والإسلامي".
غير أنه في الجانب الآخر يتساءل محمد بدوي: "إذا لم يكن العرب في ألمانيا يهتمون للكتاب العربي، فكيف سيتم إقناع دور النشر الألمانية بترجمة الإصدارات العربية؟ مشيراً إلى أن اهتمام دور النشر الألمانية بالكتاب العربي تراجع كثيرا مؤخرا عكس ما كان عليه الحال في سنوات مضت.
"العربية" لأطفال الجاليات
تحتل الإصدارات الموجهة للأطفال حيزاً كبيرا ًداخل أروقة المعرض. تتفنن دور العرض الألمانية والأوروبية في ترويج إصداراتها، خصوصاً أن حجم سوق كتب الأطفال قوي جدا ويستفيد للغاية من الكتب المدرسية ومن الأنشطة الموازية التي تنظمها المدارس وتحث من خلالها الأطفال على القراءة.
نهلة تيلخ، مديرة مجموعة مؤسسات قرطبة التي تتوفر على دار نشر موجهة للأطفال في ألمانيا، تؤكد ضرورة تشجيع تأليف القصص الموجهة لأطفال الجاليات العربية والأطفال عموما الراغبين بتعلم اللغة العربية لما لها من دور كبير في التعليم، لكن شريطة أن تكون من إنجاز مؤلفين عاشوا في أوروبا حتى يدركوا طبيعة التحديات وحتى يوصلوا الفكرة بشكل سلس.
وتشدد المتحدثة في تصريحات لـDW عربية أن دور التكنولوجيا مهم للغاية في الزمن الحالي الذي يشهد انتشاراً مهولاً للهواتف الذكية ومواقع التواصل، ولذلك قامت المؤسسة بتطوير تطبيق رقمي يساعد الأطفال على إنجاز ما يطلب منهم من تمارين، وكذلك تطوير ألعاب رقمية تساهم في تعليمهم اللغة العربية.
"للأسف الثقافة العربية باتت تنحسر في الخارج رغم دورها التاريخي في الحوار الإنساني" يقول علي بن تميم، رئيس مركز أبو ظبي للغة العربية، مشيراً في حديث لـDW عربية إلى أن المركز يحاول إيجاد حلول لهذه الإشكالية عبر اتفاق كبير مع معهد العالم العربي في باريس لإطلاق شهادة كفاءة دولية في اللغة العربية، وكذلك عبر عقد اتفاقيات مع جامعات ومعاهد لغوية في ألمانيا من أجل تعزيز حضور العربية لدى أبناء الجاليات العربية والمهتمين بتعلم اللغة العربية.
وبعيداً عن المناهج الدراسية، يركز المعرض على مبادرات خاصة لتشجيع القراءة خارج المدرسة. دار النشر المغربية "ينبع الكتاب" فازت في جائزة إقليمية مخصصة لقصص الأطفال. تقول المؤلفة أمينة الهاشمي العلوي: "مبادرتنا اسمها 'مكتبة لكلّ أسرة'، هذه الكتب موجهة لثلاث فئات عمرية داخل كل أسرة، ومن أهدافها أن يشارك الوالدين في القراءة مع أسرهم"، وتضيف: "الكتب من شأنها تعزيز جذور أبناء الأسر المهاجرة بأوطانها الأصل".
غياب عربي عن التكنولوجيا الصوتية
في الجناح المخصص لآخر التقنيات في التكنولوجيا الصوتية المتعلقة بالكتب، لا وجود تقريبا لأيّ مبادرة عربية، ما يظهر تفويتاً لفرصة كبيرة لتطوير الكتب بدل التعويل المستمر على النسخ الورقية.
متحدث باسم شركة Audiyence الهولندية التي تقدم حلولا للناشرين لتطوير الكتاب المسموع يقول لـ DW عربية إن الجزء الوحيد من قطاع النشر الذي حقق نموا مؤخرا هو "السوق الصوتي". ويضيف أن الحلول الصوتية تساعد الناشرين على تحقيق عائدات مادية كبيرة، كما تجذب جمهورا أكبر منه جمهور حديث العهد لم يسبق له قراءة الكتب التقليدية.
وتحضر في المعرض شخصيات تمثل شركات ضخمة، منها شركة Spotify التي تتوفر في مكتبتها حاليا على أكثر من 300 ألف كتاب صوتي، وكذلك شركة akoobooks التي تروج تطبيقا صوتيا خاصاً بالكتاب الأفارقة.
يستمر المعرض إلى غاية 23 أكتوبر/تشرين الأول، لكن ما ظهر من خلال أول يوم مفتوح للزوارغير المهنيين (الجمعة 21 أكتوبر/تشرين الاول) لا يبين استغلالا عربيا للحدث، بينما تمتلئ أروقة دول أخرى بالزوار، خصوصا لوفرة العرض، ففرنسا لوحدها حضرت بقائمة مطولة من دور النشر تتجاوز العشرين، بينما لم تحضر عدة دول عربية ولو بدار نشر واحدة رغم أنها لا تعدم وجود مؤلفين وكتاب لهم جمهورهم داخل وخارج حدود أوطانهم.
إسماعيل عزام