معاداة السامية ومعرض "دوكومنتا".. إخفاء لوحة بعد انتقادات!
منذ افتتاح االدورة الـ 15 لمعرض دوكومنتا العالمي للفن المعاصر في مدينة كاسل يوم السبت (18 حزيران/ يونيو 2022) هناك جدل حول عمل فني تم تفسيره على أنه معاد للسامية. وفي الأثناء تمت تغطية وإخفاء العمل الفني الذي يعود لمجموعة "تارينغ بادي Taring Padi" الأندونيسية، بعد انتقادات شديدة له.
العمل الفني هو عبارة عن لوحة عملاقة عنوانها "عدالة الشعب People's Justice" يظهر فيها، ضمن رسوم وأشكال كثيرة، جندي يرتدي وشاحا عليه نجمة داوود السداسية وخوذة عليها عبارة "الموساد" وهو اسم جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية. ويختبئ خلف صورة كاريكاتورية لمهرجشخصية يهودية يستدل عليها من خلال زوالف طويلة مجدولة، ذو أنف معقوف وأسنان ذئب وفي فمه سيجار وعلى قبعته رمز النازية (SS).
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
منتقدو الدورة الـ 15 لمعرض دوكومنتا، يرون أن انتقاداتهم قد تأكدت تماما من خلال ذلك، وانتقد المجلس المركزي لليهود في ألمانيا المعرض بشدة في بيان جاء فيه "معاداة الفنانين للسامية هو عدم الشعور بالمسؤولية من منظمي المعرض". وقد أكدت إدارة المعرض أنه لن تكون هناك معاداة للسامية، لكن من الواضح أنها قد فشلت.
وفي مساء الاثنين (20 حزيران/ يونيو 2022) تمت تغطية اللوحة وإخفاؤها، بعد تلك الانتقادات والاتهامات. فبسبب تصوير بعض الشخوص في اللوحة والتي يمكن قراؤتها على أنها معادية للسامية، قالت الإدارة التنفيذية والإدارة الفنية للمعرض إنهما "قررتا معا (الإدارتان) إخفاء العمل المذكور وعرض توضيح لذلك".
"تحريض واضح معاد للسامية"
وكان مدير مؤسسة "آنه فرانك" التعليمية، ميرون ميندل، قد طالب دوكومنتا أكثر من مرة باستبعاد هذا العمل الفني لمجموعة "تارينغ بادي"، وقال "هذه الصور لا تدع على الإطلاق أي مجال للتأويل، فهذا تحريض معاد للسامية بشكل واضح".
وكان ميندل (الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والألمانية) يؤيد المعرض خلال الجدل الدائر منذ شهور حول اتهام معرض هذا العام بمعاداة السامية، وقال إنه لا يرى أن هناك معاداة للسامية. ولا يزال حتى الآن يدعو إلى عدم وصف المعرض كله بأنه معاد للسامية، وقال "على المرء أن يفرق. بالتأكيد وقع خطأ ما. ولكن شيئا كهذا يجب ألا يحدث".
أيضا وزيرة الدولة للثقافة، كلاوديا روت، قد نشرت تغريدة على تويتر قالت فيها "من وجهة نظري، هذه صورة معادية للسامية". وأضافت "أقول مرة أخرى: إن كرامة الإنسان، والحماية من معاداة السامية والعنصرية وكل أشكال معاداة الإنسانية هي أساس تعايشنا، وهنا تجد حرية الفن حدودها". وعلى دوكومنتا أن توضح ذلك على الفور للمسؤولين وللفنانين وتتحمل "العواقب الضرورية".
عنوان استفزازي!
لدى تفقد معرض دوكومنتا قبل افتتاحه، لم تتم ملاحظة أي أعمال فنية معادية للسامية. فقط مجموعة صور تم انتقادها بعنوان "غرنيكا غزة" لمجموعة "مسألة التمويل Question of funding" الفلسطينية الفنية. الفنان الفلسطيني محمود الحويري، ضمن لوحاته عن هجمات الجيش الإسرائيلي على المناطق الفلسطينية رسومات كلاسيكية من لوحات لفنانين عالميين مثل ميليت وديلاكروا وشاغال وفان غوخ.
لكن عنوان مجموعة لوحاته استفزازي، إذ أطلق عليها اسم أحد أشهر لوحات الفنان الإسباني بابلو بيكاسو، ألا وهي "غرنيكا"، والتي رسمها بيكاسو عام 1937 ردا على تدمير قوات جوية من ألمانيا النازية لمدينة "غرنيكا" أثناء الحرب الأهلية في إسبانيا.
وقالت مديرة معرض "دوكومنتا" زابينه شورمان، في حوار مع DW، بالتأكيد ستكون هناك مواقف سياسية محرجة، يمكن الجدل حولها، وأضافت "لكننا لم نكن قد اكتشفنا أن هناك عملا فنيا تظهر فيها معاداة السامية".
اللوحة عمرها أكثر من عشرين عاما
لكن يبدو أن ذلك قد تغير الآن، حتى آخر لحظة كانت المجموعة الفنية الإندونيسية "تارينغ بادي" تعمل على تجهيز العمل الفني المثير للجدل الذي تمت إزاحة الستار عنه وعرضه نهاية الأسبوع في ساحة فريدريشن الرئيسية في مدينة كاسل أمام صالة المعرض، حسب تقرير لمجلة "مونوبول" الفنية الألمانية.
وقد تأسست مجموعة تارينغ بادي نهاية التسعينات من قبل مجموعة سياسية معارضة للرئيس الإندونيسي آنذاك سوهارتو.
المكان الرئيسي لعرض لوحات مجموعة تارينغ بادي، هو صالة مسبح سابق في شرقي مدينة كاسل، بالإضافة لأكثر من 1000 قطعة فنية كرتونية معروضة في ورشات عمل يشارك فيها أطفال وفي متحف "فريديريكيانوم".
وفي اللوحات الساخرة للمجموعة الفنية تظهر مخلوقات حيوانية لا حصر لها والكثير من الرموز التي لا يلاحظها المشاهد بسهولة. وأشارت مجلة "مونوبول" في تقريرها إلى أن العمل الفني المثير للجدل بالرسومات المعادية للسامية، عمره أكثر من عشرين عاما، وليس من الواضح في أي سياق تم رسمه آنذاك.
انتقادات من الرئيس الألماني
لدى افتتاحه المعرض وجه الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، انتقادات واضحة للمشرفين على النسخة الـ 15 من معرض دوكومنتا والمسؤولين عنه. "الملفت في هذا المعرض الهام للفن الحديث، أنه ليس هناك فنانات أو فنانون من إسرائيل" قال الرئيس الألماني منتقدا غياب تمثيل إسرائيل في المعرض.
وأضاف بأنه ينزعج "عندما يرفض وبشكل متزايد ممثلو جنوب الكرة الأرضية، المشاركة في فعاليات ومؤتمرات أو مهرجانات يشارك فيها يهود إسرائيليون".
كما انتقد مفوض الحكومة الألمانية لمكافحة معاداة السامية، فليكس كلاين، المعرض بشدة أيضا، وصرح لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية، بأن المسؤولين عن المعرض لم ينجحوا في تبديد الاتهامات المتعلقة بمعاداة السامية بشكل ذي مصداقية. وأضاف كلاين "لا يمكن أن تكون معاداة السامية جزءا من الخطاب الفني الممول من المال العام في ألمانيا".
ولأول مرة يشرف على المعرض فريق من جنوب الكرة الأرضية، وهي مجموعة "روانغروبا Ruangrupa" الأندونيسية. وقد أكد شتاينماير في كلمته لدى افتتاح المعرض، أنه في المجتمع الديمقراطي لا ينبغي أن تكون هناك وصاية على الفنانين أو أن يتم استغلالهم. وقال "يمكن أن يكون الفن صداميا وأن يثير النقاش" وأيضا انتقاد سياسة إسرائيل مسموح به، "لكن حين يثير انتقاد إسرائيل التساؤل حول وجودها، يكون حينها قد تم تجاوز الحدود" حسب الرئيس الألماني.
أيضا مجلس الثقافة في ألمانيا، أدلى بدلوه في النقاش حول المعرض ومعاداة السامية، حيث تحدث المدير التنفيذي للمجلس، أولاف تسيمرمان، عن "فضيحة مدوية" وهو ما يجعل الأمر "أكثر مرارة".
إساءة لسمعة دوكومنتا!
"ما تم البدء به كمحاولة لمنح صوت لجنوب الكرة الأرضية" حسب صحيفة، فرانكفورتر ألغمانية تسايتونغ، قد "اتخذ منعطفا كارثيا. الإدراك المحبط، هو أن كل المشاركين في دوكومنتا سيغادرونه وهم متضررون".
وفي الدورات الأخيرة للمعرض كان القائمون عليه يريدون لدوكومنتا أن يعرض الفن الذي يعكس مواضيع سياسية بالدرجة الأولى. لكن "هذه المرة" حسب الصحيفة الألمانية تورط المعرض في "نزاع خارج إطار الفن لا يستطيع حله" ويتجاوز قدراته.
شتفان ديغه/ ع.ج