مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" 2024 - سياسية رغما عنها!
مرارا وتكرار يعود النقاش حول ما إذا كانت مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" سياسة أم لا. ورغم أن اتحاد البث الأوروبي (EBU) ينص في نظامه على أن المسابقة غير سياسية وأن الشعارات والبيانات السياسية لا مكان لها في السابقة، إلا أن الأغاني التي تحمل رسائل ومواقف واضحة ضد الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وأيضا تمكين المرأة والتنوع، تتزايد بشكل مُستمر.
ويُكرر اتحاد البث الأوروبي (EBU)، باعتباره الجهة المُنظمة للمسابقة، أنها مجرد حدث ثقافي ولا مكان فيه للسياسة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لكن في نسخة هذا العام، النسخة 68 من المسابقة، سيكون من الصعب الالتزام بهذا الأمر. فمنذ بداية الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت إسرائيل لانتقادات بسبب هجماتها المضادة العنيفة على حركة حماس، المجموعة المسلحة الفلسطينية الإسلاموية التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وتشارك إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية منذ 51 عامًا، وانعكس الصراع في الشرق الأوسط على المسابقة عدة مرات خلال الخمسة عقود الماضية. ففي عام 1973، ظهرت المغنية الإسرائيلية إيلانيت كأول فنانة إسرائيلية في المسابقة وتحت إجراءات أمنية صارمة للغاية - بعد أشهر قليلة من قتل إرهابيين فلسطينيين لأحد عشر رياضيًا إسرائيليًا في قرية الألعاب الأولمبية في ميونيخ.
وقيل إن إيلانيت كانت ترتدي سترة واقية في المسابقة، وكان يجب على الجمهور البقاء جالسين أثناء أدائها، وكان يجب على المصورين تصوير السقف لإظهار أن كاميراتهم ليست أسلحة متخفية.
حماية ممثلة إسرائيل في المسابقة
وسيتعين على ممثلة إسرائيل في المسابقة إيدن جولان الظهور هذا العام تحت حماية خاصة أيضًا. وفي بداية العام، طالبت عدة دول أعضاء في اتحاد البث الأوروبي (EBU) استبعاد إسرائيل من المسابقة بسبب الحرب في غزة.
وكاد يحدث ذلك، لكن ليس بسبب الحرب بل بسبب أغنية ممثلة إسرائيل "مطر أكتوبر"، والتي رأى فيها مسؤولون في اتحاد البث الأوروبي تذكيرا قويا باندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. لكن، تم تغيير النص، وهو ما ضمن لإيدن جولان المنافسة. لكن الاحتجاج لم يهدأ.
وستؤدي إيدن جولان أغنيتها (إعصار) يوم الخميس (9 مايو/ أيار) ويصنف مراهنون هذه المشاركة ضمن العشرة الأوائل للفوز بالمسابقة.
وقال اتحاد البث الأوروبي في محاولة للحد من الأضرار: "يُدرك اتحاد البث الأوروبي المشاعر والآراء القوية التي أثارتها مسابقة الأغنية الأوروبية هذا العام -على خلفية حرب رهيبة في الشرق الأوسط". ومع ذلك، فإن اتحاد البث الأوروبي هو المسؤول وحده عن قبول إسرائيل في المسابقة "وليس الفنانة".
وأضاف أنها تسافر إلى مدينة مالمو السويدية "لمشاركة موسيقاها وثقافتها ورسالة الوحدة العالمية من خلال لغة الموسيقى".
السياسة حاضرة منذ البداية
وبالعودة إلى تاريخ مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن"، أقيمت أول نسخة منها سنة 1956 في مدينة لوغانو السويسرية. وكانت المسابقة تحمل اسم "Gran Premio Eurovisione Della Canzone Europea" أو اختصارا بالفرنسية "Grand Prix" (الجائزة الكبرى).
وكان الهدف من هذا الحدث هو تعزيز التفاهم بين الشعوب. وكان الأمر مثيرا للغاية لأن الدول التي شاركت في المسابقة، كانت قد حاربت بعضها البعض بشراسة قبل 11 أو 12 سنة في الحرب العالمية الثانية.
لقد نجحت الفكرة على الأقل، وشاركت في المسابقة سبع دول، بما في ذلك ألمانيا. وتطورت المسابقة من سنة إلى أخرى، ففي عام 1968، شملت مسابقة الأغنية الأوروبية 17 دولة.
ولأول مرة، ظهر خلاف واضح وبدوافع سياسية، لأن ممثل إسبانيا في المسابقة أراد الغناء باللغة الكتالونية، وهو ما لم يُعجب نظام فرانكو الديكتاتوري الحاكم آنذاك في إسبانيا.
وكانت اللغة الكتالونية تُعتبر آنذاك لغة الحرية والديمقراطية. وبدلا من مشاركة ممثل إسبانيا والغناء باللغة الكتالونية، تم إرسال ممثلة جديدة لإسبانيا أدت أغنية بعنوان "لا لا لا"، وحققت الفوز.
وبعد تقسيم جزيرة قبرص في عام 1974، كانت العلاقات بين تركيا واليونان عدائية. ففي عام 1975 قاطعت اليونان مسابقة الأغنية الأوروبية. وفي عام 1976 لم تشارك تركيا في المسابقة، بيد أنها بثت العرض على شاشة التلفزيون. وأثناء حلول ممثل اليونان لأداء عرضه الموسيقي، انقطع البث وتم تشغيل أغنية وطنية تركية بدلا من ذلك.
محاولة مصادرة فوز إسرائيل
وفي عام 1978، نظمت العاصمة الفرنسية باريس مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن". وعندما أصبح واضحا أن ممثل إسرائيل في المسابقة يصهار كوهين سيفوز بالمسابقة، قاطعت الأردن بث العرض وأعلنت فوز ممثل بلجيكا بها.
وفي عام 1982، وفي ذروة الحرب الباردة في القارة الأوروبية، وقفت المغنية الألمانية الشابة نيكول على خشبة المسرح وهي تحمل قيثارة بيضاء. ثم غنت أغنية تحمل عنوان "القليل من السلام"، وفازت بالمسابقة.
هل ما زال الأمر يتعلق بالموسيقى؟
ولم ينجح اتحاد البث الأوروبي في البقاء دائما بعيدا عن الاضطرابات الساسية، وهو ما تجلى عند استبعاد جورجيا من المشاركة في عام 2009. وكان السبب في ذلك هو لعبة كلمات معادية لروسيا في عنوان الأغنية "We Don't Wanna Put In". وفي عام 2021، لم يُسمح لبيلاروسيا بالمشاركة بسبب أن الفرقة التي كانت تعتزم تمثيل البلاد، كانت تدعم بشكل واضح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو. كما أنها انتقدت الاحتجاجات، التي خرجت ضده في عام 2020.
بالإضافة إلى ذلك، تم استبعاد روسيا من المشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية في عام 2022. وجاء القرار كرد فعل على الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ولم تكن فقط الرسائل المفترضة للأغاني أو العداوات بين مختلف الدول هي التي أثارت الجدل في بعض الأحيان في مسابقة الأغنية الأوروبية. فمنذ البداية وحتى اليوم، لم تكن لجان التحكيم الوطنية تخفي رغبتها في دعم بعض الدول المشاركة أو معاقبة البعض الآخر، على الرغم من أن ذلك لا يتعلق بجودة الأغنية.
لذلك، فمن المؤكد أن الأمر لم يكن يتعلق بالموسيقى، عندما أعطت لجنة التحكيم الروسية في عام 2014 صفر نقطة لأداء "المرأة الملتحية" كونشيتا فورست. ومع ذلك، اختار الجمهور الروسي منحها المركز الثالث. وفازت كونشيتا بشكل ساحق في مسابقة الأغنية الأوروبية.
وفي عام 2016، اعترضت روسيا على أغنية "1944" لممثلة أوكرانيا في المسابقة جمالا. وتحكي الأغنية قصة تهجير سكان شبه جزيرة القرم تحت حكم ستالين. (كانت عائلة الفنانة قد تعرضت للترحيل). ورد اتحاد البث الأوروبي أن الأغنية لا تتعلق بالسياسة بل بتاريخ العائلة. ونجحت جمالا في الفوز بلقب مسابقة الأغنية الأوروبية.
غرامة مالية لحمل علم فلسطين
كما أن المطالب والشعارات الواضحة من الجمهور أو من الفنانين تحدث مرارا وتكرارا ويتم معاقبتها. ففي تل أبيب عام 2019، رفعت فرقة هاتاري الإيسلندية العلم الفلسطيني لدى إعلان النتائج. واضطرت هيئة الإذاعة الإيسلندية إلى دفع غرامة مالية لاتحاد البث الأوروبي.
وفي نفس الليلة، شاركت المغنية البريطانية الشهيرة مادونا في إحياء الحفل بمجموعة من الأغاني، لكن عرضها أثار الجدل بسبب أن اثنين من الراقصين كان أحدهما يحمل علم فلسطين على ملابسه، والآخر علم إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تستعد مدينة مالمو السويدية لاستضافة مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" دون وقوع حوادث كبيرة. وتم تعزيز حضور الشرطة. كما أن كاميرات المراقبة منتشرة في كل مكان تقريبا، وقوات الأمن في حالة تأهب.
وتم الإعلان عن تظاهرتين كبيرتين ضد إسرائيل خلال أسبوع مسابقة الأغنية الأوروبية، التي بدأت، الأحد الخامس من مايو/ أيار، باحتفال "البساط الفيروزي" بمشاركة 37 متنافسا وسط إجراءات أمنية مشددة، وتختتم بالنهائي الكبير يوم السبت الـ 11 من مايو/أيار. وحذرت السلطات السويدية على الجماهير إحضار أعلام بلادهم. كما أنه لا يُسمح للوفد الإسرائيلي بمغادرة غرف الفندق إلا لإجراء التدريبات والعروض.
أعده للعربية: ر.م