محمد علي البقلي أحد أئمة الطب الحديث في مصر
كانت النهضة الطبية في عهد محمد علي باشا لها دورها البارز في فتح الباب للمصريين للتفوق في المجال الطبي، وهو ما سمح للطبيب محمد علي البقلي في الظهور، فبعد أن استقدم محمد علي الطبيب الفرنسي "كلوت" إلى مصر وأقنعه بتأسيس أول مدرسة للطب الحديث في مصر، قام "كلوت" بتدريس عدد من الطلاب المصريين، ليصبح محمد البقلي كبير أطباء وجراحي المستشفى.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من هو محمد علي البقلي؟
محمد علي البقلي واسمه الكامل محمد علي بن السيد علي الفقيه البقلي، ولد البقلي في زاوية "البقلي" التابعة لمديرية المنوفية في سنة 1228 هجريًا الموافق 1814 ميلاديًا.
ترعرع البقلي في هذه المنطقة، وتعلم القرآن الكريم ومبادئ الكتابة هناك، ولما بلغ التاسعة ظهرت علامات النبوغ والتفوق فيه، فجاء به أحمد أفندي البقلي إلى القاهرة.
وهناك درس في مدرسة أبي زعبل التي بناها محمد علي باشا الكبير في قرية أبي زعبل، ودرس فيها ثلاث سنوات، أتم فيها حفظ القرآن الكريم، وتعلم بعض العلوم اللغوية.
بعدها نُقل البقلي إلى المدرسة التجهيزية التي مكث فيها أيضًا ثلاث سنوات، وفيها أظهر الذكاء والاجتهاد البالغين، وهو ما ميزه عن سائر أبناء صفه، وحبَّب فيه أستاذته.
كان البقلي من صغر سنه راغبًا في العلم محبً له، ولهذا نُقل إلى مدرسة الطب، التي كانت تحت إدارة الدكتور "كلوت بك" وهناك ظهر نبوغه أكثر وفاق أقرانه.
ولهذا السبب ذهب برفقة نخبة من التلاميذ إلى الدراسة في باريس لدراسة العلوم الطبية، وذلك بأمر من محمد علي باشا.
وهناك أتم البقلي الفنون الطبية مع جملة المنتخبين الذين كان عددهم اثني عشر شابًا، ونال رتبة اليوزباشية.
كما كان يحصل البقلي من الحكومة المصرية إبانه دراسته في باريس مائة وخمسين قرشًا، وكان يُرسل لوالدته خمسين قرشًا منها، حيث أصرت على تعليمه.
وفي مدرسة الطب الفرنسية نال البقلي حظًا وافرًا من العلوم والطب والجراحة، حتى شهد له أساتذته بالامتياز والتفوق.
وفي آخر سنة هناك لم يتبق للبقلي وزملائه سوا الامتحان التحريري، ولكن قبلها صدر أمرًا بغير علم الباشا بعودتهم إلى مصر، فعادو دون نيل الشهادة الطبية.
وعندما علم محمد علي باشا بذلك أمر بعودتهم لإجراء الامتحانا التحريري وكتابة الرسالة الطبية، فكتب البقلي رسالة طبية في الرمد الصديدي المصري.
وكانت لهذه الرسالة وقعًا حسنًا لدى الأساتذة هناك، فنال الشهادة وعاد إلى مصر عام 1837، وكانت شهرته قد سبقته فتقلد أعلى المناصب بمجرد عودته إلى مصر.
بعد عودة محمد علي البقلي إلى مصر
حينما عاد محمد علي باشا البقلي إلى مصر عُين باش جراح، وأستاذًا للعمليات الجراحية والتشريح الجراحي، فضلًا عن اهتمام محمد علي باشا الكبير به، فمنحه رتبة "صاغقول أغاسي" وبعدها بفترة نال رتبة "البكباشي".
ظل البقلي على هذه المكانة حتى ولاية عباس باشا الأول، وفي هذه الفترة حصلت بينه وبين أطباء المستشفى الأوروبي منافسة، ومشاجرة عنيفة فنُقل على أثرها إلى ثُمن قوصون من أثمان القاهرة.
ويقول البقلي عن هذا النقل أنه كان فخورًا جدًا لتمسكه بموقفه، فبعد سنوات من هذا الحادث تحدث مع زميل أصغر منه، وقال له:
"لا تدع الخوف يمنعك من الكلام عندما يكون الحق معك، وعندما تكون آراؤك مبنية على دليل علمي، ولا تظن أبدًا أن عقلك أقل من عقل الخواجة، على الرغم من حبهم أن نعتقد ذلك ليسيطروا علينا"
وهناك تولى التطبيب على نفقة الحكومة، وقد ذاع صيته بين الناس، فكان العامة يتجهون إلى صمن قوصون بدلًا من القصر العيني ليتلقوا العلاج على يده.
وظل البقلي يطبب في هذا الثُمن لمدة 5 سنوات، حتى نال رتبة "قائمقام"، وعُين رئيسًا لأطباء الآلايات السعيدية، ولكنه لم يمكث فيها طويلًا، حيث اعتزل هذا المنصب ولزم بيته سنة.
بعدها عُين رئيسًا لجراحي القصر العيني، وأستاذًا للجراحة، فضلًا عن تقلده منصب وكيلًا للمستشفى والمدرسة الطبية.
وفي هذه الفترة قام بمهامه وأخلص فيها، فحصل على إثرها رتبة "أميرالاي" وذلك في عهد سعيد باشا.
حيث قربه منه وجعله طبيبه الخاص، وأدخله في معيته، وبعدها نال رتبة "المتمايز" وسافر مع سعيد باشا إلى أوروبا وسار صاحب الترجمة.
أصدر البقلي في هذه الفترة أول مجلة طبية باللغة العربية، وكانت تصدر شهريًا، وأسماها "اليعسوب"، وكان الشيخ إبراهيم الدسوقي محررًا فيها، ومصحح المطبعة الأميرية.
أيضًا باشر البقلي على تأليف كتب طبية، ولكنه لم يتمها ومنها كتاب "قانون في الطب" وكتاب "قانون في الألفاظ الشرعية، وكتاب "المصطلحات السياسية".
بعد وفاة سعيد باشا تولى بعد الخديوي إسماعيل، فعُين حينها المترجم رئيسًا للمستشفى والمدرسة الطبية، ونال الرتبة الأولى من الصنف الثانية، وفي آخر السنة لزم بيته وانقطع عن العمل دون سبب معروف.
وبعدها بدأت الحرب بين مصر والحبشة، فذهب محمد علي البقلي إلى هناك بصحة البرنس حسن باشا عم الخديوي إسماعيل، وخدم الجنود المصرية هناك، وتوفي هناك.
وفاة الدكتور محمد علي البقلي
حينما أرسل البقلي بصحبة البرنس حسن باشا إلى الحبشة لمساعدة الجنود المصريين هناك لقي مصرعه، وتوفي في الحبشة سنة 1293 هجريًا 1877 ميلاديًا ولم يعلم أحد مكان قبره، وذُكر في ذلك أقوالًا مختلفة.
ومن الروايات التي ذكرت حول وفاته ما قالته مصطفى أفندي صبري قومندان، حيث قال:
"يُقال إن الفقيد –محمد علي البقلي- أقيم له قبرًا بالحبشة ببلدة تسمى "جراع" ما بين عدوى وأسمرة، وقد شيدوا فوق القبر قبة يزروها الأحباش على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، ويقيمون له الدعوات تعظيمًا وتخليدًا لذكره، مع علمهم أنه راغب في سلب أملاكهم، وإن يكن في ذلك مأمورًا وهي خدمة يستحق عليها أهل الحبشة الثنا والشكر لقيامهم بواجب قصَّر عنه أبناء جنسه."
وفي كتاب "مصر من نافذة التاريخ" ذكر الأستاذ جمال بدوي عن وفاة البقلي في الحبشة، حيث قال إن الأحباش هجموا على معسكر الجيش المصري، وذبحوا أفراده، وأسروا ما تبقى منهم وأذاقوهم أشد ألوان العذاب.
حتى أنهم كانوا يقومون بإخصاء الأسرى قبل تسليمهم، وكان البقلي واحدًا من هؤلاء الأسرى، ومن سوء حظه أنه أسر مع جندي سوداني صغير السن، وأمروا جميعًا بالهرولة، وبسبب كبر سن البقلي- ذو الخامسة والستين عامًا- لم يقدر على الهرولة.
وبسبب بطئ خطاه أُمر الجندي السوداني بقتل البقلي والتخلص منه، وبالفعل انصاع الجندي للأوامر، وقتله، ومما يحزن أنه تُرك جثة هامدة في العراء.
حبه للعلم والتعلم جعلته من أهم وأنجح الأطباء المصريين في العصر الحديث، وواحدًا من أبرز الأسماء المصرية شهرة واحترامًا، محمد علي البقلي رائد الطب المصري، وأول مصري يرأس مستشفى القصر العيني بعد أستاذه.