محتوى توعوي عن ترشيد استهلاك الكهرباء في مصر بنموذج ربحي
غالبًا ما يستلهم روّاد الأعمال أفكاراً مبتكرةً من أزمات الدول التي يعيشون فيها. وفي وقتٍ تعاني فيه مصر من أزمة كهرباء بدأت في أعقاب ثورة يناير (كانون الثاني 2011)، وتفاقمت إلى حدِّ مقلق خلال العام المنصرم، قرّر اثنان من الروّاد أن يواجها المشكلة بطريقةٍ عملية.
فقد أطلق عصام ماجد ومصطفى الخولي "النور جه" El-Noor Geh، كمنصّةٍ توفّر محتوىً تفاعليّاً توعوياً عن آليات ترشيد استهلاك الكهرباء، بشرح سبل الاستخدام المثلى للأجهزة الكهربائية. وجديرٌ بالذكر أنّ "النور جه" تُعدّ أحد مشاريع شركة "أنبلجد" Unplugged لتطوير المواقع الإلكترونية وتصميمها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
الإطلاق.. أسبابه وتحدّياته
بدأت الفكرة عندما واجه ماجد والخولي مشاكل شخصية بسبب انقطاع تيار الكهرباء المتكرّر، فقرّرا شراء مولّدٍ كهربائي، إلاّ أنّهما اصطدما بحقيقة أنّه لا يوجد مرجعٌ واحدٌ يساعد المستخدِم في تحديد سعة المولّد المناسبة لحاجاته، بالإضافة إلى اختلاف وحدة القياس بين "أمبير" Amper و"وات" Watt على مواقع بيع المولّدات.
وبعدما كان من المقرّر لمنصّة "النور جه" أن توفّر طريقةً آليةً لحساب حجم استهلاك المولّدات، توصّل المؤسّسان إلى ضرورة أن تكون خدمات المنصّة أكثر شموليةً في حساب إجمالي استهلاك الكهرباء، بهدف مساعدة المستهلِكين في مواجهة أزمة الكهرباء، في المنازل والشركات على حدٍّ سواء.
وعن أسباب اطلاق "النور جه"، يشرح الخولي أنّ "الحكومة أقرَّت وجود أزمةٍ غير محدّدة الأجل فيما يتعلّق بالكهرباء، بل وقرّرَت رفع أسعار فواتير الكهرباء الشهرية على مرحلتَين، وبدأِتْ بالفعل في تطبيق ذلك منذ يوليو/تموز 2014، إذ ستصل نسبة الزيادة إلى 129% في بعض الشرائح. من ثمّ فالحل الأمثل لمواجهة المشكلة هو توجيه المستخدِم إلى سبل ترشيد الاستهلاك، بما يعود بالنفع المباشر عليه لجهة حجم الإنفاق الشهري."
وتابع الخولي قائلاً إنّه "إذا نجحَت شريحةٌ بسيطةٌ من المستهلكين في تعديل سلوكياتهم الاستهلاكية، سيشكّل ذلك نقطة تحوّلٍ في أزمة الكهرباء في مصر، البلد الذي يتجاوز عدد سكّانه 88 مليون نسمة."
آليات التسويق
يركّز الخولي وعصام في حملات تسويق منصّة "النور جه" على "فايسبوك" لتوعية المستخدِم حول سبل الاستهلاك الرشيد للأجهزة الكهربائية. وقد أطُلقا تلك الحملات بعدما حصلا على تقييم للمقالات المنشورة على المنصّة عن طريق خدمات "تحليلات جوجل" Google analytics.
وهذه المنصّة تستهدف الشريحة العمرية بين 20 عاماً وما فوق، بالإضافة إلى حديثِي الزواج وروّاد الأعمال، وهي شريحةٌ يهمّها في المقام الأوّل الحدّ من نفقاتها. كما ويحاول المؤسِّسان استقطاب الشريحة غير المدركة لحجم مشكلة فواتير الكهرباء، وتوعيتهم بها ولفت أنظارهم إلى ضرورة التعامل معها بالطريقة المثلى.
ويقول ماجد: "نتمنى أن ننجح في التأثير على القرار الشرائيّ للمستهلك المُقبِل على شراء أجهزةٍ كهربائية، ومساعدته في اتّخاذ القرار بعد دراسة حجم استهلاك الجهاز للكهرباء."
من جهةٍ ثانية، تتعدّد المواضيع المنشورة على صفحة المنصّة على "فايسبوك"، وهي عادةً ما تكون موسميةً لتواكب أحوال المستخدِمين، وتتضمّن معلوماتٍ عن إمكانية تقليص استهلاك الكهرباء إذا ما غيّر المستخدم بعض السلوكيات اليومية البسيطة.
كما لاحظ الخولي وعصام أنّ محتوى الفيديو يرفع المشاهدات والتفاعل إلى نسبٍ كبيرة، وهو ما دفعهما للتركيز على هذا النوع من المحتوى لاستقطاب الجمهور.
يختلف توجه منصة "النور جه" عن توجهات الحملات التوعوية المتعلقة بتوجيه المواطنين إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، والتي كان آخرها حملة "بالمعقول".
وإذ "تشن الحكومة دورياً حملاتٍ توعويةً عن ترشيد الاستهلاك،" بحسب ماجد، "إلّا أنّها تركّز على أهمّية الترشيد الجماعي وأثر ذلك على المصلحة العامة للبلاد، غافلةً أن استجابة المتلقي تكمن في مدى التأثير المباشر على حياة المستهلك الشخصية."
نسخة جديدة من المنصّة أكثر تفاعليّة
أُطلق المؤسِّسان منصّة "النور جه" للمرّة الأولى في آخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، تلتها النسخة الجديدة في مارس/ آذار الجاري. وتضمّنَت النسخة الحالية عدّة خصائص جديدة، ولاسيما أنها أكثر سهولةً بالنسبة للمستخدِم في التصفّح والاستخدام، سواءً على المحمول أو الجهاز اللوحي أو الكمبيوتر المكتبي. كما وأُثُري محتوى النسخة الجديدة من المنصّة بمواضيع أكثر.
وكانت النسخة السابقة من المنصّة أتاحت آلةً حاسبةً يمكن للمستخدِم الاعتماد عليها لحساب فواتيره الافتراضية (منزلية أو تجارية) في حال ترشيد الاستهلاك، وذلك بناءً على بياناتٍ يقوم بإدخالها عن فواتيره التي يدفعها بالفعل، مصحوبةً بمعّدلات استهلاكه الحقيقية شهرياً أو سنويّاً. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمستخدِم أن يحصل على رسمٍ بيانيٍّ توضيحيٍّ لمعدّلات استهلاكه.
فيما جاءَت النسخة الجديدة بآلةٍ حاسبةٍ "تمُّكن المستخدِم من الاعتماد عليها لحساب نسبة استهلاك جهازٍ بعينه للكهرباء يومياً/ شهريّاً، وفقاً لعدد ساعات الاستخدام اليومي، إذا ما تمّ تغذيتها بمعلوماتٍ عن نوع المنشأة وإجمالي الفاتورة الشهرية."
وتضمّنَت النسخة الجديدة أيضاً لعبةً تعليميةً بسيطة تقدّم للمستخدِم صوراً لمنتَجاتٍ متشابهةٍ في الشكل ومختلفةٍ في الخصائص، وتطالبه بتحديد أيّهما أوفر وأقلّ استهلاكاً للكهرباء. إذا جاءت الإجابة خاطئة يقوم النظام بالتصحيح والشرح، وإذ كانت صحيحةً يحقق اللاعب درجةً أعلى وينتقل إلى مستوى آخر.
ماذا عن الأرباح؟
يتضمن نموذج عمل منصّة "النور جه" أكثر من خطٍّ ربحي. يتمثّل ذلك في مساعيها لتوفير رعاةٍ للموقع من جهة، وبرنامج انتساب مع مواقع للتجارة الالكترونية من جهةٍ أخرى. هذا البرنامج سيتيح لزوّار "النور جه" الانتقال إلى المواقع الإلكترونية المشارِكة معها لتصفّح وشراء المنتَجات الموفّرة للطاقة.
ومن الروّاد إلى الروّاد، يأمل المؤسِّسان توقيع اتفاقات تعاون مع المبادرات والمشاريع الداعية إلى ترشيد استهلاك الطاقة، لتمكين تلك الثقافة في المجتمع المصري. فهل ينجح هذا النموذج في التوعية وفي جني الأرباح في الوقت عينه؟