مجتمع الميم بالعراق يخسر آخر ملاذاته العلنية: مواقع التواصل
مثلت وسائل التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت أحد الأماكن القليلة التي كان يمكن لأفراد مجتمع الميم الالتقاء فيها للحديث بشكل أكثر انفتاحا بشأن هويتهم الجنسية.
وفي مقابلة مع DW قال خالد -الطالب ذو العشرين ربيعا وهو من محافظة بابل وسط العراق- إنه قبل إنشاء موقع انستغرام كان أفراد مجتمع الميم يُنشِئون صفحات مزيفة على فيسبوك أو ينضمون إلى مجموعات سرية لمعرفة بعضهم البعض".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وأضاف خالد -الذي رفض الإفصاح عن هويته خشية تعرضه للخطر- أنه عقب تدشين خاصية الأصدقاء المقربين على إنستغرام -عام 2018- "أصبح من الأسهل على الأشخاص التواصل وحتى العثور على الحُبّ".
وبسبب الثقافة المحافظة في العراق فإن معظم أفراد مجتمع الميم يخفون في الغالب أي شيء يدل على حياتهم الجنسية فيما تشير دراسات استقصائية إلى أن أقل من 10% من سكان بلدان الشرق الأوسط "يوافقون" على المثلية الجنسية.
وأوضح أياز شلال كادو -المدير التنفيذي لمنظمة "عراق كوير" التي تدافع عن المساواة للجميع بغض النظر عن ميولهم الجنسية- أن "وسائل التواصل الاجتماعي كانت المنصة الرئيسية للتعبير عن أي رأي خاصة بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم مساحة خاصة بهم".
وفي مقابلة مع DW أضاف: "يشمل ذلك الفئات الضعيفة مثل مجتمع المثليين والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم. وظلت منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لهؤلاء الأشخاص للتعبير عن أنفسهم والتواصل مع بعضهم البعض وحتى إنشاء صداقات".
وفي هذا الصدد أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في وقت سابق من العام الجاري إطلاق حملة SecureOurSocials أو "نحو منصات آمنة" حيث حثت فيسبوك وإنستغرام "إلى بذل المزيد من الجهد لجعل منصاتها للتواصل الاجتماعي آمنة للمستخدمين من مجتمع الميم-عين الذين يواجهون الاستهداف الرقمي والعواقب الوخيمة في الحياة الفعلية بما في ذلك الاحتجاز والتعذيب".
وقالت المنظمة إن الدول السلطوية تستخدم النشاط الرقمي ضد الأفراد الذين يُشتَبه بكونهم مثليين.
مخاطر الحياة الرقمية
ورجح نشطاء زيادة المخاطر التي يواجهها أفراد مجتمع الميم في العراق الذي لم يشرِّع في السابق أي قانون يجرم المثلية بشكل صريح على عكس معظم دول المنطقة، بل كانت السلطات العراقية تستخدم في السابق قوانين تتسم بالغموض لمكافحة الفُحْش والبغاء من أجل معاقبة المثليين ومضايقتهم.
بيد أن البرلمان العراقي قد صادق أواخر أبريل / نيسان الماضي 2024 على تعديل قانون "مكافحة البغاء" للعام 1988 حيث ينص التعديل الجديد على عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى 15 عاما بالنسبة للعلاقات المثلية.
كما يحظر القانون "نشاط أي منظمة تروج للبغاء والمثلية الجنسية في العراق"، ويعاقب عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة "الترويج" للعلاقات المثلية أو بغرامات قد تصل إلى 15 مليون دينار عراقي: أي ما يكافئ أكثر من 10 آلاف يورو أو أكثر من 11 ألف دولار.
وجاء المصادقة على التعديل بعد أن كانت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق قد أعلنت في أغسطس / آب 2023 أنها وجهت وسائل الإعلام العاملة في البلاد بعدم استخدام مصطلح "المثلية الجنسية" واستبداله بـ"الشذوذ الجنسي"، وكذلك بعدم استخدام كلمة "الجندر"، أي: النوع الاجتماعي أو الجُنُوسة .
وأفادت شبكة "رووداو" الإعلامية بأن النواب العراقيين شددوا على الحاجة إلى مثل هذه التعديلات "لصون على المجتمع العراقي من الانحلال الأخلاقي".
وفي تعليقه قال خالد إن "القانون الجديد ليس جديدا على الإطلاق. إننا نعيش دائما في كنف الخوف والاختباء. البعد الجديد الذي حمله التشريع الجديد يتمثل في إننا أصبحنا نقلق أكثر".
انتقادات دولية
وأثار التشريع الجديد انتقادات واسعة النطاق سواء من منظمات حقوقية دولية أو دول غربية حليفة للعراق.
وفي تعليقها قالت رافينا شامداساني -المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان- إن التشريع الجديد "يتعارض مع العديد من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبالتالي ينبغي التخلي عنه نهائيا وطرحه جانبا".
وقالت وزارةالخارجية الأمريكية في بيان إن التشريع "يشكل تهديدا"لحقوق الإنسان والحريات، محذرة من أنه "يمكن استخدامه لعرقلة حرية التعبير والتعبير الشخصي وعرقلة أعمال منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العراق".
وعلى وقع المصادقة على التشريع تحاول منظمات عراقية -تُعنى بمجتمع الميم- التعاطي مع الإجراءات الجديدة فعلى سبيل المثال قدمت مجموعة "كالا عراق" -أو Gala Iraq for LGBTQ التي تدافع وتناصر مجتمع الميم في العراق- بعض النصائح على صفحتها على موقع إنستغرام، وحثت المنظمة أعضاءها على جعل حساباتهم خاصة وإلغاء متابعة صفحات الكوير بشكل علني وأيضا حذف أي منشور يمكن اعتباره مثلياً.
وفي تعليقه قال أياز شلال كادو -المدير التنفيذي لمنظمة "عراق كوير"- إن "هناك العديد من الطرق للرد، وهذا ما نقوم به حاليا لأن السلامة والأمن يشكلان أولوية قصوى. لكننا لن نستسلم وهذا ليس خيارا".
أعرب كادو عن بالغ قلقه حيال تداعيات اختفاء تواجد مجتمع الميم في العراق على منصات التواصل الاجتماعي، لكنه شدد على أن التداعيات تتعلق أيضا بحرية التعبير في بلاد الرافدين.
وقال إن حظر كلمات مثل "مثلي الجنس" أو "جندر" يعد "خطوة كبيرة إلى الوراء، لكنها لا تستهدف فقط أفراد مجتمع الكوير وإنما تحمل في طياتها جوانب متعددة. هذا لا يؤثر على منظمتي فحسب، بل يؤثر أيضا على جميع المنظمات النسائية وجميع الذين يدافعون عن حقوق المرأة والذين يناصرون الحقوق الجنسية والجسدية بشكل عام".
ويقول نشطاء إن منصات التواصل الاجتماعي في العراق لم تكن فقط خطرا على أعضاء مجتمع الميم، إذ ظهرت حالات كشفت عن أن العالم الافتراضي يمثل تهديدا على الشباب لأسباب مختلفة: فقبل أيام قليلة من إقرار التشريع الجديدة قُتلت المؤثرة العراقية على مواقع التواصل الاجتماعي "غفران مهدي سوادي" المعروفة بـ "أم فهد" على يد مسلح مجهول خارج منزلها وسط ترجيحات أن مقتلها مرتبط بنشاطها على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي مقابلة مع DW قال أمير -شقيق غفران- إن لكل "شاب / وشابة الحق في الترفيه ومشاركة المحتوى على تطبيق سناب تشات لأنها حياتهم الشخصية".
وفي فبراير / شباط الماضي 2024 قُتل مؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي عابر جنسيا يُعرف باسم "سمسم" طعنا بالسكاكين في محافظة الديوانية جنوبي العراق. وفي أواخر العام الماضي 2023 قُتل مؤثر آخر يدعى نور محمد ويُشتَهر باسم "نور بي أم" غربي بغداد.
وفي هذا السياق قال كادو: "يعلمنا التاريخ أنه عندما يتم استهداف مجموعة ما فمن المؤكد أن مجموعة أخرى ستكون معرضة للخطر في مرحلة تالية. فبمجرد السماح لمرتكبي [انتهاكات حقوق الإنسان] باتخاذ خطوة دون مساءلة فإنهم سيتخذون على إثر ذلك المزيد من الخطوات. وفي مرحلة ما: سيكون قد فات الأوان لوقفهم".
كاثرين شير / أزهر الربيعي
أعده للعربية: محمد فرحان