ماذا فعل كورونا بصخب القاهرة وعاداتها مع قدوم رمضان؟
أمام منزلها في إحدى ضواحي الجيزة، تجلس الحاجة فاطمة حسن بينما يداعب أحفادها الكرة بعد الانتهاء من تعليق الزينة والفانوس في قلب الشارع لتعلن قرب شهر الصيام.
ولطالما اعتادت السيدة الخمسينية، على اصطحاب أحفادها قبل أيام قليلة من شهر رمضان لشراء الياميش (المكسرات) والتمر، إلا أنها هذه المرة حبيسة العزل المنزلي بسبب انتشار الوباء المميت، إذ تقول الحاجة فاطمة، لـDW عربية: "لم تعد هناك فرحة.. الناس ملهاش نفس تطلع وتشتري مستلزمات رمضان من ياميش وحلويات".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مع تمدد فيروس كورونا في مصر ووصول ضحاياه إلى أكثر من 3000 مصابا ووفاة 205 أشخاص، يسيطر الخوف والقلق على الأجواء الروحانية هذا العام على جميع النواحي. "رمضان هذه السنة مختلف عن كل عام حيث كانت الفرحة تعم أرجاء البلاد والناس يسهر ون حتى الصباح، والأطفال يلعبون" تضيف فاطمة.
كانت أسواق بيع الفوانيس والزينة وأصناف الطعام من الياميش وقمر الدين والحلوى التي تزين أطباق الإفطار، تشهد إقبالا كبيرا في هذا التوقيت من كل عام. لكن هذا العام كان الإقبال متفاوتا في الأسواق الشهيرة. تتابع: "كان علي أن التزم بالمنزل، لعل الله يرفع عنا هذا الوباء قريبا".
وتطبق مصر، منذ مارس/ آذار الماضي، حظر تجول جزئي طوال ساعات الليل، مع تعليق حركة الطيران وغلق جزئي للعمل في كافة المؤسسات والشركات الحكومية، وغلق المساجد والمقاهي والأندية للحد من انتشار الفيروس.
مقاه مغلقة وموائد محظورة
أجواء رمضان ستغيب عنها أيضا، المقاهي التي تزيد من صخب القاهرة في ليال شهر الصوم فيما يسمح للمطاعم بتوصيل الوجبات للزبائن (دليفري). منذ غلقه قبل نحو الشهر، يُمني أحمد صلاح صاحب مقهى "سمايل كافيه" نفسه في أن ينتهي كابوس كورونا حتى يعيد فتح مقهاه: "كل الزبائن يمرون أمام المقهى المغلق ويسألون عن موعد فتحه مجددا، أحدهم يريد الشيشة والآخر يفتقد مشروبه المفضل".
يضيف صلاح لـ"DW عربية"، "المصريون يحبون السهر، والقهوة (المقهى) تجمع الأصدقاء وتمثل منفذا للحكي والتخلص من ضغوط الحياة".
ومع اقتراب شهر رمضان المعروف بأجوائه الروحانية والدينية، أثيرت التساؤلات حول مصير المساجد وصلاة التراويح حيث يُعرف عن المصريين تمسكهم بالتقاليد المحافظة ذات الطابع الديني.
بيد أن الحكومة المصرية واجهت تلك التساؤلات مبكرا بإعلانها حظر إقامة موائد الرحمن والخيام الرمضانية والندوات الدينية والثقافية مع استمرار غلق المساجد حرصا على سلامة المواطنين. وتشتهر العاصمة المصرية بمدينة الألف مئذنة وتجذب مساجدها الشهيرة مثل الحسين والسيدة زينيب والأزهر وعمرو بن العاص آلاف المصلين لأداء صلاة التراويح.
قلة التبرعات
أثرت تداعيات فيروس كورونا أيضا على المبادرات الخيرية التي تسبق رمضان، تقول "نيفين"، التي تواظب، هي وأصدقاؤها، منذ 20 عاما على تقديم مساعدات مالية وغذائية للأسر البسيطة وإعداد مائدة إفطار للصائمين في أحياء القاهرة الفقيرة في رمضان من كل عام.
وتضيف نيفين لـDW عربية، أنها تواجه عدة صعوبات مثل قلة التبرعات لتجهيز تلك المساعدات حيث تسبب فيروس كورونا في عدم إقبال المتبرعين الذين يشعرون بالخوف على مستقبلهم وسط غموض المشهد واستمرار توقف الحياة. أيضا يطارد نيفين، هاجس أن تكون هي السبب في نقل العدوى لهذه الأسر الفقيرة عند تسليمهم هذه المساعدات.
وبينما تنتظر نيفين، إتمام التبرعات لتجهيز مساعدات جيرانها في حي الشرابية غرب العاصمة المصرية، تتشاور مع صديقاتها وأصدقائها حول إعداد وجبات جاهزة وتوزيعها كبديل لإلغاء مائدة الرحمن.
بعكس نيفين، كانت جمعية "أبواب الخير" قد انتهت من تجهيز اللحوم لعشرات الأسر الفقيرة في أنحاء القاهرة والجيزة ومبالغ مالية، بالإضافة إلى علب مطهرات وتعقيم. حيث تجمع نحو عشرون شابا وفتاة في منطقة المقطم شرق القاهرة لتوزيع تلك المساعدات.
وتسببت الإجراءات الاقتصادية التي صاحبت أزمة كورونا، في أضرار بالغة للعمالة غير الرسمية والأسر الأقل دخلا، مما دفع الحكومة المصرية لصرف مساعدات مادية وغذائية لدعم هذه الأسر، كما دعت المجتمع المدني ورجال الأعمال لمساندتها.
وتصل معدلات الفقر في مصر التي تضم 100 مليون نسمة، إلى 32.5 في المئة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017- 2018، حسب بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء بمصر.
غير أن الجمعية تلقت تبرعات قليلة هذا العام أيضا الأمر الذي دفعها لإلغاء جزء من نشاطات خيرية كانت تواظب عليها كل عام. ويوضح مؤسسها الشاب هيثم التابعي لـDW عربية قائلا "تأثر نشاطنا في رمضان هذا العام بسبب كورونا حيث قلت وتيرة التبرعات بعكس الأعوام السابقة، فاضطررنا إلى إلغاء مساعدات 100 أسرة من اللاجئين الأفارقة، بجانب وجبات الإفطار التي كنا نعدها يوميا لإفطار الأسر الفقيرة".
مسلسلات غائبة
ورغم استمرار تصوير مسلسلات "موسم رمضان" دون توقف حتى الآن إلا أن بعضها لن يلحق السباق الرمضاني هذا العام بسبب تداعيات كورونا. وفي السنوات الماضية كانت المسلسلات والبرامج التلفزيونية تشكل جانبا مهما في أجواء شهر رمضان.
وفي هذا الإطار يقول الناقد الفني المصري، خالد محمود: "لا شك أن شهر رمضان يعد موسم الدراما الأكبر أو الدجاجة التي تبيض ذهبا لصناع الفن في مصر والعالم العربي، إلا أن هذا العام يشهد عرض نحو 22 مسلسلا فقط وهو ما يشكل نصف الأعمال التي كان من المقرر عرضها".
ويضيف محمود لـDW عربية، أن "المسلسلات ذات الإنتاج الضخم مثل خالد بن الوليد تأكد غيابها عن السباق بسبب ظروف السفر وتوقف الطيران". لكن الناقد الفني رأى جانبا إيجابيا وراء قلة الأعمال المعروضة "حتى تحظى بمتابعة وتقييم كافٍ من الجمهور فضلا عن إعادة اختبار النجوم".
وحول عروض وزارة الثقافة ودار الأوبرا والفنون الشعبية التي طالما شهدت زخما أيضا في رمضان، ذكر محمود، أن "وزارة الثقافة ستواصل بث الحفلات من أرشيفها الفني عبر منصة ’الثقافة بين إيديك’ التي بدأتها منذ إجراءات التباعد الاجتماعي الشهر الماضي. لكن رغم نجاحها الملفت إلا أنها ثقافة جديدة على المشاهد المصري لا تستطيع تعويض أجواء رمضان".
محمد مجدي/ القاهرة