ما الذي تحتاجه قبل التوجه للاستثمار المخاطر؟ [رأي]
روّاد الأعمال هم مجموعةٌ موهوبةٌ من الأفراد المشغولين دائماً بمحاولة إتمام مهمّةٍ قد تبدو مستحيلة.
ولا بدّ لهم من إيجاد التوازن بين الأفكار الجديدة واستغلال كلّ فرصةٍ تساعدهم على تنمية شركاتهم، وإتقان فنّ الاستماع، وفكّ شفرة ما يمليه عليهم بعض الأشخاص (ظنًا منهم أنّهم أكثر من يدرك مصلحة الشركة). بالإضافة إلى كلّ ذلك، تقع على عاتقهم أيضًا مسؤولية موازنة حياتهم الشخصية، والمحافظة على صحّتهم، وتناول الطعام بانتظام، وعدم التخلّي عن حياتهم الاجتماعية، وإتمام كافّة البنود الموجودة على قائمة مهامهم اللامتناهية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لا يمكن أن ننكر إذاً أنّ ريادة الأعمال بمثابة تحدٍّ وجوديّ؛ إذ أنّه وبالإضافة إلى كلّ ما سبق، يجد الروّاد أنفسهم أمام معضلة جمع الأموال أيضاً.
إنّه لشرف لي وفخرٌ أن ألتقي يومياً بروّاد أعمال من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ممّن يقدّمون أفكاراً ملهمةً ويتمتّعون بطموحٍ كبيرٍ في تنمية شركاتهم وتحقيق نجاحاتٍ باهرة.
إذا عرض كلّ روّاد الأعمال تقريباً المكوّنات الأساسية نفسها للشغف والعزم، فكيف لنا في "ومضة كابيتال" Wamda Capital، كشركة رأسمال مخاطر، أن نتّخذ القرار السليم بشأن الشركات التي يجدر الاستثمار فيها وتلك التي يجب التفرّغ عنها؟ هل من صيغةٍ مرعيّة الإجراء؟ وما هي النصائح التي يمكن تقديمها لروّاد الأعمال لمساعدتهم على تحضير عروضهم للمستثمِرين؟
نعلم جيدًا أنّ المؤسِّسين الطموحين الذين يحظون بالدعم من فريقٍ متمكّنٍ يستطيع حلّ المشكلات الحقيقية في الأسواق الكبرى، هم ما يجذب الاستثمار.
ونعلم أيضاً أنّ عروض الأفكار يجب أن تكون واضحةً وسهلة الفهم ونزيهة، إذ من الضروريّ ألّا يتجاوز العرض مجموعةً من 20 شريحة بعيدة عن التعقيد. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون مواد العرض واضحةً بحيث يمكن شرحها لأيّ شخصٍ قبل تقديمها للمستثمر.
إذًا، لمَ يرفض بعض المستثمِرين المخاطرين التعامل معك؟
تعتمد إيرادات رأس المال المخاطر على الاستثمار في الشركات الاستثنائية التي يمكن فيما بعد بيعها بصفقاتٍ كبيرة.
وهذا الاستثمار مبنيٌّ على التوقّعات بأنّ معظم الإيرادات ستنتج عن مجموعةٍ صغيرةٍ من الشركات القادرة على تحقيق نموٍّ ممتاز وجذب الصفقات الجيدة التي تحقّق عائداتٍ تساوي عشرة أضعاف الاستثمار أو أكثر، وذلك في الوقت الذي تودي فيه معظم الاستثمارات الأخرى إلى خسارة المال.
من وجهة نظر المستثمِر المُخاطِر، تُعتبَر الشركات التي تحقّق نجاحاً معتدلاً – أي ما يقلّ عن عشرة أضعاف الاستثمار الأساسيّ فيها – مشابهةً للشركات التي تخسر المال وتغلق.
أمّا من وجهة نظر روّاد الأعمال، فقد تتمحور الشركة حول القيمة والقيَم؛ أي إذا عملتَ على تحسين القيمة التي يحققّها عملك، ستأتي الأموال فيما بعد كتأثيرٍ جانبيّ.
اللجوء إلى مستثمرٍ مُخاطِر يعني أنّك مستعدٌّ للتخلّي عن قسمٍ من الأسهم بهدف خلق قيمةٍ طويلة الأمد ومهمّةٍ للشركة، وهذا ما يساعدك على التفكير في التأثير الذي يمكن أن تتركه شركتك في عائدات محفظته الاستثمارية.
بطريقةٍ أخرى، كيف يمكن لك أن تقدّم، بشكلٍ فعّال، شركةً بارزةً تحافظ على حصّة المستثمِر وتحقّق إيراداتٍ كبيرةً لكافّة المشاركين؟
من الأهمّية بمكان أن يربح الجميع في هذه الصفقات، كما وأن يجد كلٌّ من المستثمِر والشركة قيمةً متبادَلةً، وأن يتمكّنا من بناء الثقة والتحاور. فكلّ ما قد يحدّ من المنافع المحتمَلة من الشركة، يُعتبر بمثابة سببٍ يمنع أصحاب رأس المال الُمخاطِر من الاستثمار فيها.
ما الذي نبحث عنه؟
كشركة رأسمال مُخاطر، نسعى دائماً إلى الاستثمار في الشركات الرائدة في قطاعاتها.
تقدّم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصاً كبيرةً للشركات الرائدة في قطاعاتٍ متعدّدة. لذلك، تأكّد من أنّ شركتك تحول دون دخول الآخرين إلى السوق بسهولة، وأنّها قامت بصياغة طرقٍ تمكّنها من البقاء في صدارة المنافسة. ولكن اعلَم أنّ ذلك يتطلّب مجهودًا مستمرّاً، خصوصاً وأنّ الشركات الفاعلة في القطاع حالياً وغيرها من الشركات ستقوم بكلّ ما في وسعها لعرقلة مسيرتك.
وبالتالي، يمكن للنجاح أن يتحقّق عبر بناء مزيجٍ يشتمل على تأثيرات الشبكة network effects (أي زيادة قيمة المنتَج نتيجة ازدياد إقبال المستخدِمين عليه)، وحيازة تكنولوجيا خاصّة، وتمييز السلع بعلامةٍ تجارية، وتحقيق وفورات الحجم، والتوسّع بسرعة - وذلك بهدف وضع اليد على حصّةٍ قيِّمةٍ في السوق قبل تمكُّن المنافسين منها.
أمّا في حال وجدتَ نفسك في سوقٍ مزدحمةٍ أصلًا (كالتجارة الإلكترونية على سبيل المثال) مع هوامش منخفضة، يصبح التمايز وتنويع المنتَج بمثابة المفتاح الذي يسمح لك بالبروز فيها. كما أنّه يساعدك في الحصول على مستثمِرين، إذ أنّ الاستثمار المُخاطِر يبحث عن أعمالٍ قادرةٍ على القيام بأشياء لا يمكن لشركاتٍ أخرى أن تقوم بها.
لن تتمكّن من التميّز إن لم تكن مختلفاً.
تجدر الإشارة إلى أنّ التمايز من حيث السعر أو الجودة فقط هو استراتيجيةٌ شبه مستحيلةٍ للدخول إلى سوقٍ جديدةٍ أو السيطرة عليها، فالمستثمرون يبحثون عن خصائص هادفةٍ أكثر تجعلك تبرز بين الحشود وتساعدك في ما بعد على تطوير هذه الكفاءات.
إعرف نفسك واعرف القطاع الذي تعمل فيه
تستثمر رؤوس الأموال المخاطرة في عملك، إيماناً منها بأنّك تعرف القطاع الذي تعمل فيه وتعرف كفاءاتك أكثر من أيّ شخصٍ آخر.
ولا يمكن لشيءٍ أن يصف ذلك أكثر من معرفتك باقتصادات الوحدة الخاصّة بك – فنحن نحبّذ أن يقوم روّاد الأعمال باحتساب تكلفة اكتساب العميل CAC وقيمته العمرية LTV، كما وأن يفكّروا بالطرق التي تساعدهم على تحسين هذه الأمور مع الوقت.
في البداية، تجد الشركات الناشئة أنّ تحديد السعر أو المنتَج الملائمَين للسوق بمثابة تحدٍّ، كما تستصعب عملية تحديد القنوات المناسبة لإيجاد الشعبية الهادفة. ولكنّ هذه القرارات الصعبة مطلوبةٌ كي تصبح جاهزاً للقاء المستثمرين وحاضراً للتوسّع، كما عليك الاهتمام بها قبل أن تخطو هذه الخطوة.
البقاء والاستمرار في سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دونه تحدّيات وفرص فريدة.
ستجد أنّ الأسواق في المنطقة مجّزأةٌ ومفعمةٌ بالتحدّيات التنظيمية وتحدّيات السوق المحلّية، إلّا إذا كنتَ قد بدأتَ في أسواق كبيرةٍ نسبياً كالسعودية ومصر. وبالإضافة إلى ذلك، من التحدّيات الأخرى التي يواجهها روّاد الأعمال في المنطقة هي صعوبة إيجاد أصحاب المواهب وجذبهم والحفاظ عليهم، وصعوبة الوصول إلى التمويل، بحسب "مختبر ومضة للأبحاث" Wamda Research Lab.
في هذا الإطار، برهنَت معظم الشركات التي استثمرَت فيها "ومضة كابيتال" عن قابلية استمرارها في البلد الأم، حيث صبّت تركيزها عادةً على مشكلاتٍ حسّاسةٍ في قطاعاتٍ معيّنةٍ من السوق.
وبالتالي إذا كانت شركتك تسعى إلى التوسّع وجذب التمويل من أصحاب رأس المال المُخاطر، عليك تحضيرها للنموّ الهائل خارج السوق المتخصّصة المحلّية من خلال التوسّع إلى مناطق جغرافية أخرى، ومن خلال صياغة استراتيجيةٍ للتوسّع نحو منتَجاتٍ تستهدف الفرص الإضافية الضخمة في السوق والتي تكون مبنيةً على نقاط القوة الجوهرية نفسها التي سبق وبنيتَها في سوقك المحلية.
الخطوات التالية
لدى الانتهاء من جمع الموال، وقبل التفكير في جولة التمويل التالية، ينبغي أن ينصبّ تركيزك على التنفيذ الفعّال.
هذا الأخير يعني التخفيض من المواد غير الضرورية، وتقليص النفقات، وإدارة تدفّقٍ ماليٍّ صحيٍّ بشكلٍ واقعيّ مع التركيز على النجاحات الصغيرة والسريعة من أجل المضيّ قُدُماً.
في المقابل، آخر ما يريد المستثمرون رؤيته هو تبذير الأموال، وعدم القدرة على تنفيذ المهام بشكلٍ سليم، وخلق الأعذار لعدم تحقيق الأهداف والتوقعات المتّفق عليها.
لذلك لا تُكثِر من الوعود بهدف الظهور بصورةٍ أفضل أمام المستثمرين الذين يخاطرون من أجل دعمك بأكثر من طريقة، بل من الأفضل أن تكون واضحاً وشفافاً على الدوام.
وتذكّر أنّ الشركات الأكثر نجاحاً حول العالم، مثل "آبل" أو "جوجل" أو "فايسبوك"، هي تلك التي تنفّذ مهامها أفضل من الآخرين.