مأساة الطفل ريان.. أوروبا معنية أيضا بحوادث الآبار غير القانونية
تابعت عدة منابر إعلامية ألمانية لحظة بلحظة مأساة الطفل المغربي ريان(خمس سنوات) الذي ظل عالقا في بئر ضيقة على عمق 32 مترا في قرية صغيرة (إغران) قرب مدينة شفشفاون شمال المملكة المغربية. قرية تحولت بين عشية وضحاها لمركز اهتمام عالمي طوال خمسة أيام، فشلت خلالها الجهود المضنية لفرق الوقاية المدنية في إنقاذ الطفل بسبب تضاريس المنطقة المعرضة لمخاطر انجراف التربة. وكانت الآمال كبيرة خلال اليومين الأولين من سقوطه، بعدما رصدت الكاميرات حركات بسيطة للطفل الصغير. غير أن الجهود لم تتكلل بالنجاح بسبب ضيق البئر التي لا يتعدى قطرها عشرين سنتيمترا، ما اضطر فرق الإنقاذ إلى حفر حفرة موازية للبئر بحذر شديد خوفا من انهيار التربة.
في المكان الذي كان مسرحا لمأساة إنسانية بكل معاني الكلمة احتشد مغاربة من كل حدب وصوب، عارضين المساعدة لإنقاذ الطفل الصغير، غير أن ذلك سرعان ما تحول إلى إشكال كما وصفت ذلك دنيا صدقي، مراسلة شبكة "أ.إير.دي ARD" الألمانية في الرباط، التي كتبت في تغطية على موقع "تاغسشاو" للقناة الألمانية الأولى (السادس من فبراير/ شباط 2022) "في وقت ما، أصبحت الحشود عاملا معرقلا وتحديًا لفرق الإنقاذ، الذين اضطروا بالتالي إلى بناء حواجز. وبعد إخراج ريان هلل الحاضرون (..) أغلق باب سيارة الإسعاف البيضاء قبل انطلاقها، بعد ذلك بقليل، أصدر ديوان القصر الملكي المغربي بيانا أعلن فيه وفاة الطفل، فيما تحدث الملك محمد السادس، قبلها، مع والدي ريان".
كما نقلت جلُّ وسائل الإعلام الألمانية خبردفن الطفل ريان، وأشارت إلى أعمال إعداد الفضاء المحيط بمقبرة "الزاوية" قرب قرية إغران لاستقبال المشيعين القادمين بحضور السلطات المغربية. وقبلها نقل جثمان ريان بواسطة مروحية للمستشفى العسكري في الرباط، حيث يعتقد أنه تم تشريح جثته. وعكس ما هو قد يُعتقد، فإن أوروبا تواجه بدورها مخاطر حوادث مرتبطة بالآبار.
فخ الآبار ـ تجارب ألمانيا في مواجهة خطر قاتل
المخاطر القاتلة للآبار لا تقتصر على بلدان كالمغرب، فحتى ألمانيا معنية بالموضوع. قد لا يرى الكثير من الناس أن إصلاح مضخة في بئر ما يمكن أن يؤدي إلى الموت. ففي عام 2017 توفي في بافاريا السفلى جنوبي ألمانيا ثلاثة أشخاص في غضون أسبوعين. وفي الحالتين لقيت أم وابنها مصرعهما أثناء محاولة الأم إنقاذ فلذة كبدها. وغالبا ما يكون سبب الموت نقص الأوكسجين في الهواء. ويذكر أن الهواء يحتوي عادة على 21 بالمائة من الأوكسجين، وحين تنزل هذه النسبة إلى 19 بالمائة فإن جسم الانسان يدخل دائرة الخطر، وإذا انخفضت النسبة إلى ما دون 19 بالمائة يدخل مرحلة الاختناق وبالتالي الموت.
وعادة ما تكون مستويات الأوكسجين في قاع الآبار منخفضة جدًا، لأن قطر البئر صغير ويحتوي على كميات قليلة من الهواء، كما أن نسبة التبادل مع الهواء السطحي (خارج البئر) محدودة للغاية. إضافة إلى ذلك فإن الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون أثقل ويتجمع في أسفل البئر، وهو غاز عديم اللون والرائحة. ظاهرة معروفة في المناطق ذات النشاط البركاني العالي، حيث حوادث تكلف أحيانا البشر والحيوانات حياتهم. وهناك مصدر آخر لغاز ثاني أوكسيد الكربون في البئر، يمكن إفرازه عن طريق تعفن الجذور وأجزاء النباتات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتسرب الغازات من الشقوق الصخرية، على غرار المناجم. وهذا يؤدي إلى انخفاض في مستوى الأوكسجين.
أوروبا معنية أيضا بمخاطر الآبار غير القانونية
في بلدية نويكيرشن في منطقة هايليغن توفي مزارع عام 2017 يبلغ من العمر 59 عامًا بعد سقوطه في بئر عميقة. وتم إنقاذ ابنه البالغ من العمر 33 عامًا. قبل ذلك، توفي رجل وزوجته في بلدة فيغشايد في حادث مماثل على عمق ستة أمتار. وفي شهر مارس / آذار 2020 تمكن رجال إطفاء بولنديون من إنقاذ طفل صغير سقط في بئر بعمق خمسة أمتار. وكان الطفل واعيًا تماما طيلة عملية الإنقاذ، عكس الطفل ريان، وتعاون مع المنقذين. وتم تحريره من البئر بمساعدة الحبال ومعدات التسلق الأخرى. وسقط الطفل في بئر على شكل حلقة إسمنتية قديمة غير مؤمنة على مقربة من بلدة أومبيرك مورافيا في بولندا.
وفي إسبانيا، يُعتقد أن هناك أكثر من نصف مليون بئر غير قانونية، وفقًا للتقديرات الرسمية. ويقول المزارعون إنهم بحاجة إلى المياه وبالتالي يضطرون لحفر الآبار. وفي عام 2018 أصدر القضاء الإسباني في مقاطعة هويلفا عقوبة بالسجن لمدة عامين وثمانية أشهر، بعد محاكمة 15 شخصا، بمن فيهم اثنان من رؤساء البلديات السابقين، قيل إنهم قاموا بضخ مياه بشكل منهجي من خلال آبار غير قانونية بين عامي 2007 و2012.
وسبق للصندوق العالمي للطبيعة، ان أدان تقاعس السلطات الإسبانية لسنوات في الحد من ظاهرة الآبار غير القانونية. وكما الحال في المغرب، تواجه العديد من المناطق في إسبانيا آفة الجفاف. كما يتزايد الطلب على المياه في الزراعة منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويعترف بعض المزارعين الإسبان صراحة بحفر الآبار دون ترخيص قانوني، بدعوى أنه إذا وفرت لهم الحكومة مصادر مياه بديلة، فهم مستعدون لردم الآبار التي حفروها.
الآبار غير القانونية وأخذ العبرة من قصة ريان
موقع "ميركور دي.إي" الألماني، تابع على مدار أربعة أيام تفاصيل مأساة الطفل ريان، مذكرا بالاهتمام العالمي بها وبحالة مماثلة في إسبانيا عام 2019 تتعلق بمصير خولن البالغ من العمر عامين والذي سقط في بئر بعمق مائة متر ولم يتم اكتشاف جثته إلا بعد 13 يومًا. صحيفة "دروسنر تسايتونغ" الألمانية (الثامن من شباط/ فبراير) أوردت في مقال لها حول الموضوع انتقادات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي اتهمت السلطات المحلية بمسؤوليتها عن عدم ضبط انتشار الآبار غير الآمنة الناجمة عن الحفر غير القانوني، إضافة إلى العديد من الممرات العميقة التي تشكل خطرا على السكان وخاصة الأطفال.
من جهتها، أعلنت السلطات السعودية أنّها ردمت 2450 بئراً مهجورة في مختلف أرجاء المملكة، وتواصل جهودها لردم وتحصين بقية الآبار المماثلة، في خطوة اتّخذتها بعُيد مأساة الطفل المغربي ريان. وأكّدت السلطات السعودية أنها شكّلت "لجنة لكلّ منطقة لحصر الآبار المهجورة لضمان سلامة عابري الطرق والمتنزهين". وتنتشر في السعودية مئات الآبار التي يحفرها السكان عشوائيا للحصول على المياه الجوفية. ونشر عدد من سكان السعودية صوراً على موقع تويتر تظهر آباراً مفتوحة في مناطق عدّة وناشدوا السلطات ردمها وفق ما أورته فرانس بريس.
تعاطف عالمي مع ريان
حشدت قضية ريان تعاطفا عالميا قل نظيره، وانتشر وسم "انقذوا ريان" على وسائل التواصل الاجتماعي منذ اليوم الثاني لحادث سقوطه في البئر، فيما تم نقل وقائع عملية الإنقاذ من قبل وسائل التواصل الاجتماعي على غرار عدد من القنوات العربية والعالمية على أمل انقاذ حياة الطفل. وكتبت صدقي "إلى آخر لحظة، أوحت تسجيلات الكاميرا المُدخلة داخل البئر الأمل للوالدين ولفرق الإنقاذ، أمل لا يوازيه إلا التعاطف والصدمة داخل المغرب وخارجه بعد الإعلان عن وفاة الطفل، فيما تابع عشرات الآلاف عملية الإنقاذ مباشرة عبر التلفزيون أو على الإنترنت". وتعاقبت التعليقات الحزينة وعبارات المواساة على مستوى العالم من شخصيات مرموقة ومن المواطنين سواء كانوا عربا أم أجانب.
صحيفة "بيلد" الشعبية الألمانية الواسعة الانتشار (الثامن من شباط/ فبراير) تابعت الموضوع وكتبت أن العالم كله تعاطف مع ريان وأوردت تفاصيل تشييع جنازته. وكالة رويترز نقلت عن لوسيانو بونسي (45 عاما) وهو إسباني مقيم في مدريد قوله "سمعت بقصة ريان في بدايتها وتابعت عملية إنقاذه من هاتفي، وفي اليوم الأخير تابعتها على قناة إسبانية، لكن للأسف موته كان مؤثرا جدا (..) في مثل هذه الحالات ننسى جميع الأمور التي تفرق الشعوب من جنسية ودين وعلاقات سياسية. كلنا اعتبرنا ريان ابننا أو ابن أحد أقاربنا. في مثل هذه الأمور ما يهم هو الإنسان، إما أن تكون إنسانا أو لا تكون". وتضامن مع ريان رؤساء دول وشخصيات من عالم الرياضة والفن، من بينهم بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي وصف تضامن المغاربة وجهودهم لإنقاذ ريان بالأمر "الجميل.. وسط الأخبار السيئة التي يشهدها العالم". ومن تلك الشخصيات أيضا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب وعدد من الأندية الرياضية كنادي برشلونة الإسباني والعديد من الشخصيات العربية من الساسة والفنانين والرياضيين. ومن بين مبادرات التضامن المثيرة، تلك التي أعلن عنها لاعب كرة القدم المغربي عبد الرزاق حمد الله والتي أهدى بموجبها "منزلا مجهزا بالكامل" لأسرة الطفل ريان.
رغم كل الجهود "المعجزة التي لم تتحقق"
تحت هذا العنوان كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (السابع من شباط/ فبراير) مقالا مستفيضا عن قصة ريان بقلم مراسلها في مدريد هانس كريستيان روسله. وسرد المقال الجهود المضنية لفرق الإنقاذ ولقصة سقوط الطفل وقارن بينها وبين حالة الطفل الاسباني خولن التي تعد "واحدة من أكثر عمليات الإنقاذ تعقيدًا واتساعًا في تاريخ إسبانيا". وأضاف أنه "في شمال المغرب الفقير، تعرضت السلطات لانتقادات لأنها لم تفعل شيئًا يذكر ضد العديد من الآبار غير القانونية". روسله قال إن المعجزة التي انتظرها المغرب والعالم لم تتحقق.
وذهب موقع "شتيرن دي.إي" الألماني (السابع من شباط/ فبراير) في نفس الاتجاه منوها إلى أنه مرارًا وتكرارًا يموت الأطفال في حوادث مماثلة. غالبًا ما يتم إلقاء اللوم على الآبار غير القانونية التي يتم حفرها بسبب الجفاف ونقص المياه. وقد سلطت وسائل إعلام مغربية الضوء على المخاطر التي تشكلها الآبار المحفورة بشكل غير قانوني في البلاد لري الحقول، بما في ذلك زراعة القنب الهندي. وقد طُلب من الحكومة اتخاذ إجراءات".
حسن زنيند