ليبيا.. فرض الحجاب يثير امتعاض الداخل وشجب الخارج
تمخضت عن تصريحات وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عماد الطرابلسي، موجة من ردود الفعل الداخلية والدولية. فقد أعلن خلالها أن "دوريات شرطة الآداب ستعود للعمل الشهر المقبل"، مشدداً على أنها "ستمنع تسريحات الشعر الغريبة وملابس الشباب والنساء التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع الليبي".
ولم تتوقف مطالب وزير الداخلية على ذلك فحسب، بل تجاوزته للدعوة بإلزام النساء بالحجاب، ومنعهن من السفر بدون محرم إلا في حالات خاصة، وأيضاً منع الاختلاط بالرجال في المقاهي والأماكن العامة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وأوضح الطرابلسي أن "على من يبحث عن الحرية الشخصية أن يذهب إلى أوروبا"، موضحاً أن "الشرطة النسائية ستمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الفضاءات العامة والمقاهي، وسيتم اعتقال كل من يحاول مخالفة القرارات"، ومهدداً أن قواته ستقتحم البيوت في حال ثبت تورط أي شخص في أعمال منافية للآداب.
ردود فعل حقوقية دولية تدين قمع الحريات
هذا التصريح أثار خلال الأسبوع جدلاً حقوقياً على المستويين الداخلي والدولي. فداخل ليبيا، اعتبر حقوقيون ومن بينهم أحمد حمزة، رئيس "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" بليبيا، في تصريحات لـ DWعربية، أن التصريح "عبثي خارج عن القانون، ويمس بحقوق الإنسان، وإهانة للمجتمع الليبي وتشويه له ومثيرة للفتنة، كما أنه يمس بحقوق دستورية ووطنية".
أما على المستوى الدولي، فور صدور التصريحات عن الطرابلسي، سارعت المنظمات الحقوقية لشجبها وإدانتها. ومن هذه المنظمات، "هيومن رايتس ووتش"، التي اعتبرت أن "على الحكومة والمجتمع الدولي عدم التسامح مع أي تدابير من شأنها أن تنتهك الحقوق الأساسية للنساء. بل على العكس، على السلطات الالتزام بواجبها باحترام حقوق الإنسان والكرامة وحمايتها للجميع في ليبيا".
كما نشرت "منظمة العفو الدولية" شجباً واضحاً لهذه التصريحات، قائلة: "تُعدّ تهديدات وزير الداخلية بقمع الحريات الأساسية باسم الأخلاق تصعيداً خطيراً في مستويات القمع الخانقة أصلاً في ليبيا بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة".
من هو عماد الطرابلسي؟
في الرد الذي نشرته "منظمة العفو الدولية"، ذكرت المنظمة الحقوقية أن "السلطات الليبية قامت بتعزيز وترسيخ قادة الميليشيات المسؤولين عن جرائم بموجب القانون الدولي". وحسب المنظمة، فقبل تعيين عماد الطرابلسي من قبل الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، كوزير للداخلية فقد "كان يترأس ميليشيا وكالة الأمن العام سيئة السمعة، التي تورطت في جرائم فظيعة ضد اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك حالات اختفاء قسري وتعذيب".
كثيرون من داخل ليبيا اعتبروا خطوة الوزير تجاوزاً لمهام وصلاحيات الوزارة وتحولها من جهاز لإنفاذ القانون إلى جهة تشريعية تخدم توجهات فردية، ومن بينهم رئيس "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" بليبيا، أحمد حمزة. كما اعتبر المتحدث أن "التطرق لقضايا تمس بحقوق الإنسان والمواطنة، والحريات العامة والخاصة، و تحويل وزارة الداخلية من سلطة إنفاذ للقانون إلى تشريعه، تمثل مخالفة جسيمة تمس بحقوق وحريات مكفولة وفقاً للأسس والقواعد الدستورية والقانونية، الوطنية والدولية".
هل كانت التصريحات تكتيكاً سياسياً قبل انتخابات المجالس البلدية؟
تنطلق في ليبيا السبت (16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) المرحلة الأولى من الانتخابات المجالس البلدية، وهي استحقاق تشرف عليه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وسيشهدها نحو 58 مجلساً بلدياً في شرق وغرب وجنوب ليبيا. ولعل صدور مثل هذا التصريح في ندوة إعلامية غير مخصصة للحديث عن مواضيع مشابهة في هذا التوقيت بالتحديد، يطرح سؤال حول إن كانت هذه مناورة لاستمالة الناخبين.
بالنسبة للمحلل السياسي راقي المسماري، فإنه "بكل تأكيد هناك أسباب سياسية لتلك التصريحات وأن الكل يلعب لعبة سياسية واضحة ومفهومة، تتمثل في كسب أطراف داعمة". وأوضح المتحدث أن حكومة الوحدة الآن "لا تسيطر سوى على العاصمة طرابلس، وبعض المدن القريبة جداً منها". كما يرى الأستاذ الجامعي في القانون الخاص، أنها "محاولة لمغازلة التيار السلفي في طرابلس، الذي يفرح كثيراً لمثل هذه التصريحات".
هل المرأة الليبية في حاجة لهذا النقاش الأخلاقي؟
رغم أن النساء عموماً في المجتمع الليبي يرتدين غطاء الرأس أو الحجاب لدواع ثقافية أو دينية، إلا أنه ضمن التشريع الليبي، لا يوجد أي نص قانوني يفرض على المرأة ارتداء حجاب أو اصطحاب محرم معها في سفرها.
هذا ما جعل المحلل راقي المسماري يرى أن "المرأة في ليبيا اليوم طبيبة ووزيرة وعضوة في مجلس النواب ورائدة أعمال، أي أن دور المرأة في المجتمع تطور كثيراً، ولا أحد سوف يتقيد بما قاله الطرابلسي إلا في حدود سلطة الطرابلسي في طرابلس، وفي محيطها بما لا يتجاوز 40 كلم".
وفي خضم النقاش المجتمعي والحقوقي الذي تلى تصريحات الطرابلسي، كثير من الحقوقيين الليبيين، اعتبروا أن الأولوية اليوم حين الحديث عن المرأة الليبية، تكون استحضار النساء المغيبات قسراً والمختطفات أو من تم اغتيالهن مثل النائبة سهام سرقيوة، وحنان البرعصي، والإعلامية إكرام السعيطي.
بالنسبة للمحلل السياسي الليبي المسماري، فإن "الأولوية ليست لمثل هكذا نقاشات، الأولوية الآن لترتيب البيت السياسي الداخلي، ولمكافحة الفساد، وتحسين قيمة الدينار مقابل الدولار، وللإعمار والتنمية وإنقاذ هذا البلد الذي يعاني من الانهيار"، معتبراً أن "الشعب الليبي ملتزم (من الناحية الأخلاقية) بطبيعته وبفطرته السليمة والقويمة ولا يحتاج رادعاً". ويرى أن "تحقيق الأهداف السياسية وعلى رأسها تشكيل حكومة وطنية موحدة توحد البلاد هو الأولوية الأسمى لدى الشعب"، حسب تعبيره.
كيف سيتم استغلال التصريحات في المشهد السياسي؟
بغض النظر عن الرأي القائل بأن هذه التصريحات هي محاولة لاستمالة الأطراف المحافظة في المجتمع الليبي القريب من منطقة نفوذ الحكومة التي ينتمي لها عماد الطرابلسي، إلا أن هناك من يرى أن استغلالها سيتم في الاتجاه المعاكس من طرف الحكومة في شرق البلاد حيث سيطرة رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر.
ويقول المسماري في هذا الصدد: "سوف يتم استغلال التصريح سياسياً بكل تأكيد سواء من قبل الحكومة الموجودة في شرق البلاد أو الأجسام السياسية الموجودة في الغرب. سيستغلونها بالترويج لكون الحاكمين في الجهة المقابلة لديهم أفكار متطرفة وسوف يهاجمونها انطلاقاً من هذا المنظور". وأضاف المتحدث أنه "في ليبيا الجميع ينصب الفخاخ السياسية. أما بالنسبة للمواطنين فالجميع مستاء لأن التصريح أعطى فكرة للعالم، على أن ليبيا ليس بلداً محافظاً، وأن هناك مشكلة أخلاقيا منتشرة".