ليبيا - العقارب تقتل الأطفال.. مبادرات لاستخدام سمومها لأغراض علاجية
يعمد سكان الجنوب الليبي خلال فصل الصيف لاتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية مثل رش المنازل بالمبيدات الكيماوية لحماية حياة أطفالهم نتيجة للدغات العقارب التي لم يجدوا لها حلًا، وتتزايد معدلات الإصابة باللدغات نظرًا للأجواء الحارة في المنطقة والتي تقود العقارب إلى مغادرة جحورها، إذ لا يمر أسبوع دون تسجيل حالة وفاة نتيجة ذلك.
مصائد قاتلة
تعاني بعض المناطق في جنوب البلاد من عدم وجود مصل مضاد لعلاج لدغات العقارب، بحسب سكان محليين، فيما يتم تسجيل حالات وفاة بشكل أسبوعي وذلك لعدم توفر اللقاحات وبعد المستشفيات على منازل السكان.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حيث قررت نواسة العالم انشاء مشروع لتعقب العقارب والقبض عليها، حيث أنّ الطريقة تعتمد على مصايد بدائية وُضعت في 210 منزلاً بشكل عشوائي، في إطار مشروع خاص في المنطقة، لتتمكن من اصطياد أكثر من 7 آلاف عقرب.
تقول نواسة لـDW عربية أنّ مشروعها يهدف إلى جمع العقارب في مزرعة متخصصة وذلك للاستفادة منها في صناعة اللقاحات بالتعاون مع مركز التقنيات الحيوية عام 2019 ولكن الحرب في ذلك الوقت حالت دون ذلك.
وكشفت نواسة، أن سم العقرب يعد من أغلى السوائل في العالم، الذي يصل سعر الغرام الواحد في بعض من أنواعة إلى نحو 8 آلاف دولار، ويستخدم في تطوير عدد من الأدوية من بينها الأدوية المستخدمة في علاج الخلايا السرطانية.
وتابعت نواسة أنه يمكن لليبيا الاستفادة من هذا السم وتحقيق منافع منه، وذلك عن طريق توفير الأجهزة الخاصة باستحلاب السم وبيعه او الاستفادة منه في بعض الأدوية، كما قدمت نواسة محاضرات لتوعية السكان في المنطقة بالتعاون مع الهلال الأحمر وتعليمهم بعض الحيل كي يتمكنوا من نشر عدد من المصائد في بيوتهم حتى يتم وضعها في مزرعة مخصصة بعد ذلك.
ولا زالت نواسة تسعى لجمع العقارب وإنشاء مركز لاستحلاب السموم وإرسالها للخارج لمراكز مرخصة وذلك بالتعاون مع جامعة فزان -جنوب البلاد-، لتكون المزرعة في نفس البيئة حتى لا تؤثر على عمره العقارب وبذلك تنشئ أول مزرعة للعقارب في البلاد. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت نواسة منذ اطلاقها للمشروع إلا انها لم تستسلم في سبيل انقاذ السكان المحليين من هذا الخطر المتربص.
كابوس الصيف
وفي مناطق الجنوب التي ترتفع فيها الحرارة تعتبر بؤرة للدغات العقارب، حيث تم تسجيل أكثر من 1012 حالة إصابة في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني حتى ديسمبر/كانون أول من العام الماضي، وفارقت منها 21 حالة الحياة، بسبب نقص الإمكانيات في المراكز الطبية.
في السياق نفسه، أكدت حليمة الماهري الناطقة باسم مركز سبها الطبي لـ DW عربية أن "بعض الأمصال المستوردة لا تتماشى مع سم العقارب المنتشرة بالمنطقة، وذلك نظراً إلى استخلاصها من عقارب ليست من الفصيلة ذاتها مما قد يقلل من فعاليتها".
وأشارت الماهري إلى أن سرعة التعامل مع اللدغات سواء عبر سرعة نقل المصاب إلى المستشفى أو التعامل معه ميدانياً، تعتبر عاملاً مهماً قبل أن يتمكن السم من الانتشار وإصابة العديد من خلايا الجسم بالشلل، بالإضافة إلى سرعة الأمصال والتعاطي الفعال والسريع مع المريض.
ولاحظت الماهري إلى أن عدم توفر الإسعاف السريع في المنطقة هو أحد الأسباب المنقطعة على وجه الخصوص، التي تساهم في تفاقم عدد الوفيات، خاصة بالنسبة إلى شريحة الأطفال الأضعف بنية ومقاومة وذلك نظرا لوصول المريض بصورة حرجة ويكون نسبة نجاته ضئيلة جداً.
وعن المبادرة ترصد الناطقة باسم مركز سبها الطبي نمو وعي كبير بين المواطنين بسبب ورش التوعية التي تقدمها السيدة نواسة وقد لوحُظ ذلك منذ انطلاق مبادراتها في عام 2019، حيث انخفضت نسبة الإصابات بشكل كبير منذ أربع سنوات حتى اليوم وذلك نتيجة التوعية التي ساهمت في تمكين المواطنين من نشر المصائد داخل بيوتهم والمساهمة في إنشاء مشروع المزرعة المتخصصة للعقارب.
بيد أن الماهري تستغرب توفر الحقن المضادة للدغات العقارب في مناطق الشمال مقابل قلتها في الجنوب، لافتة إلى أن المواطنين في الجنوب يكافحون هذه الآفة بالطب الشعبي وبعض الطرق البدائية في الحالات الحرجة.
وتضيف "راسلنا العديد من المسؤولين في وزارة الصحة، وممثلين عن المنطقة الجنوبية في مجلس النواب لتوفير المضادات"، وتم تنبيههم لحجم الخطر ولكن لا نتيجة مع تكرار الأزمة كل موسم، حيث أصبح المواطنون يعتمدون على طرق ايجابية في التعامل مع العقارب وصيدها.
وتشير الماهري إلى خطة عمل وضعتها إدارة المستشفى لهذا العام في توصيل الامصال المضادة إلى الأحياء العشوائية والبعيدة، مما يساهم في إنقاذ العديد من الحالات التي يصعب عليها الوصول بسبب بعد المسافات وذلك لتقليل نسبة الإصابات عن طريق الإجراءات الاحترازية.
تدريبات للإسعافات الأولية
ويواجه سكان المناطق النائية غياب الوعي وقلة الإمكانات فيما لم تنظم السلطات المحلية حملات توعية للسكان حول كيفية القيام بالإسعافات الأولية للتقليل من احتمال موت الملدوغ.
ولتفادي الإصابة باللدغات، ذهبت منظمة "نور العلم" في توعية عدد من النساء حول الإسعافات الأولية للمصابين حتى يكون بكل منزل مسعفة.
تقول خديجة عنديدي رئيسة المؤسسة لـ DW عربية إن ما دفعها لهذه المبادرة هو الإصابات الكثيرة وغياب المراكز الصحية، لذلك سعدت خديجة بتدريب النساء حتى يتمكن من تقديم المساعدات، فضلًا عن بُعد المستشفى عن هذه المناطق.
وتابعت عنديدي أن المصل هو أحد أهم الحلول لإنقاذ حياة المصابين بلدغات العقارب، منوهة باقتراح تنظيم حملات توعية بمشاركة كل الجهات المعنية للبحث عن أنجح السبل لمكافحة هذه الظاهرة السنوية التي تودي بحياة العشرات سنوياً حتى تكون هذه الحملة بمثابة مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف في المجتمع.
وتتذكر عنديدي أول حالة مصابة وأصعبها، استقبلتها في منزلها عام 2020، والتي كانت سببًا ودافعًا في الاستمرار في تدريب النساء على الإسعافات الأولية، وتشير أن أغلب الحالات تكون بين الأطفال، لأن العديد من الأسر تجلس خارج بيوتها في فصل الصيف ليلا وذلك بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر في المنطقة.
على الرغم من أعداد الوفيّات التي تحصدها هذه الآفة كل عام، إلا أنّ تعامل الجهات الحكومية يكاد يكون معدوماً، ما دفع السكان للتعامل مع لدغات العقارب بما يملكون من أدوات بسيطة، مثل الأدوية الشعبية، وبعض التقنيات التي توارثوها في التعامل مع السم، فقد يمضي بعضهم أياماً في اصطياد العقارب، للحد من وجودها في محيط منازلهم، لتأمين أسرهم وأطفالهم من لدغاتها السامة.
وتعيش العقارب متخفية بين الصخور بحثا عن أماكن باردة وتفادياً لأشعة الشمس القوية، حيث يوجد في العالم أكثر من ألف وخمسمائة نوع من العقارب معظمها سامة، تتفاوت درجة خطورتها حسب كل نوع منها.
إعداد: إسلام الأطرش - سبها (جنوب ليبيا)
تم إنتاج هذا (الريبورتاج) بالشراكة مع مؤسسة مهارات بدعم من أكاديمية دويتشه فيله. وهذا المشروع هو ضمن "مبادرة للشفافية وحرية التعبير: صمود وسائل الإعلام في الأزمات".