لماذا يكتب بعض الأشخاص باليمين والبعض الآخر باليسار؟
في المرة الأولى التي التقطت فيها قلم تلوين عندما كنت طفلاً صغيرًا ربما شعرت براحة أكبر عند الكتابة والرسم بإحدى يديك أكثر من الأخرى، طبعًا نحن نستثني هنا بعض الأشخاص الذين يمكنهم استخدام أيديهم اليمنى واليسرى بنفس السهولة، حيث يتمتع معظم البشر عمومًا بيد مهيمنة يفضلونها في المهام اليومية أكثر من اليد الآخرى.
لكن لماذا يحدث هذا؟
إن معظم الناس - حوالي 85% إلى 90% - يستخدمون اليد اليمنى ولا توجد أي منطقة على الأرض حيث يشكل العُسر فيها الغالبية من سكانها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كان لهذا الانقسام غير المتكافئ بعض الجوانب السلبية التاريخية لمستخدمي اليد اليسرى، حيث كان عليهم استخدام المقصات والسكاكين والدفاتر والأقلام التي تم تصميمها خصيصًا لمستخدمي اليد اليمنى، وأُجبر العديد من مستخدمي اليد اليسرى على عكس ميولهم الطبيعية كالكتابة بيديهم اليمنى (بما في ذلك بعض الأمثلة الشهيرة مثل الملك جورج السادس ملك إنجلترا).
وبالتالي قد تعرضوا للتمييز والنظر بالريبة كما يتضح من اللغة المستخدمة لوصف مستخدمي اليد اليسرى فمن الواضح أن كلمة "Right" في اللغة الإنجليزية تعني "الصحيح أو الحق"، ويمكن إرجاع أصل كلمة "شرير sinister" إلى الكلمة اللاتينية التي تعني "يسار".
في حين أن وصمة العار ضد استخدام اليد اليسرى قد تلاشت في معظم الأماكن اليوم، لا يزال العلماء في حيرة من أمرهم بسبب الانقسام بين مستخدمي اليد اليسرى ومستخدمي اليد اليمنى، ولا يزال الباحثون يحاولون فهم ما الذي يجعل الناس يفضلون يدًا على الأخرى ولماذا يسيطر مستخدمي اليد اليمنى.
العسر من الناحية الجنينية والجينية
وقد أفاد العلماء في عام 2005 في مجلة Neuropsychologia أن الأجنة تظهر تفضيلًا لإحدى اليدين دون الأخرى في الرحم (عن طريق مص إبهام يد واحدة)، وهي نزعة تستمر بعد ولادتهم، وعلى الرغم من عدم وجود جين خاص لمستخدمي اليد اليسرى أو خاص لمستخدمي اليد اليمنى، يبدو أن الحمض النووي يلعب دورًا في تحديد ذلك الميول.
ففي دراسة حديثة نُشرت في Brain: A Journal of Neurology، نظر الباحثون في جامعة أكسفورد إلى الحمض النووي لنحو 400000 شخص في المملكة المتحدة ووجدوا أن أربع مناطق من الجينوم مرتبطة عمومًا بالعسر، ثلاث من هذه المناطق كانت لها علاقة وثيقة في نمو الدماغ وبنيته، حيث يأمل بعض الباحثين أن دراسة الاختلافات البيولوجية بين اليسار واليمين يمكن أن تلقي الضوء على كيفية تطوير الدماغ لتخصصات نصفي الكرة الدماغية الأيمن والأيسر.
العسر من الناحية التطورية
إن محاولة الإجابة على هذا السؤال من منظور تطوري أمر معقد أيضًا، فقد تمكن الباحثين من الكشف عن استخدام اليد في السجل الأحفوري من خلال البحث عن سمات تشريحية معينة في الهياكل العظمية لعصور ما قبل التاريخ مثل دراسة عدم التناسق في حجم وكثافة عظام الذراعين ومن خلال فحص الأدوات التي يتم استخدامها في ذلك الوقت.
حيث قالت ناتالي أوميني عالمة بارزة في معهد ماكس بلانك للعلوم "إذا كنت تعرف كيف تم الاحتفاظ بالأداة وكيف تم استخدامها، فيمكنك عندها إلقاء نظرة على آثار التآكل على الأداة لتحديد ما إذا كان يتم يستخدم الأداة باليد اليسرى أو اليمنى"، حيث يمكن للعلماء النظر في اتجاه الخدوش القطرية على الأسنان المتحجرة لمعرفة اليد التي استخدمها الناس لتمزيق اللحوم أو جلود الحيوانات في أفواههم.
وقالت أوميني إن مستخدمي اليد اليمنى سيطروا منذ زمن بعيد على السجل الأثري كما يراه الباحثون أي منذ حوالي 500 ألف سنة، فقد كان النياندرتال يستخدمون اليد اليمنى بشكل كبير في حياتهم اليومية.
ما الذي تسبب في انحيازنا نحو استخدام اليمين؟
قد تعتقد أن تطور استخدام اليد اليمنى قد استمر لأن لديه نوعًا من المزايا وبالتالي قد تتوقع أنه يجب أن يختفي العُسر تمامًا، حيث إن هناك بعض العيوب في استخدام اليد اليسرى مثل ارتفاع معدل حوادث العمل، كما ربط بعض الباحثين استخدام اليد اليسرى بصعوبات في التعلم وذلك في دراسة نُشرت عام 2013 في Brain: A Journal of Neurology.
ولكن هناك نظرية رائدة تفسر سبب احتفاظ العُسر بأقلية ثابتة تدعى بفرضية القتال.
حيث قالت أوميني "الفكرة هي أنه في القتال بالأيدي أو في القتال بالأسلحة هناك ميزة تطورية لكونك أقلية يسارية، فإذا كنت أعسر فلديك ميزة بمفاجئة خصمك لأن معظم الناس معتادون على القتال ضد بعضهم باليد اليمنى" وقد تم إظهار هذه الميزة اليسارية في الرياضات الفردية مثل المبارزة حسبما أفاد العلماء في عام 2010 في مجلة لاتيراليتي.
فإذا كانت هذه الفرضية صحيحة فإن ذلك يعني أنه على الرغم من أن عيوب اليد اليسرى كانت كبيرة بما يكفي لإبقاء العسر أقلية فإن ميزة اليساريين في القتال وعنصر المفاجئة أعطتهم فرصة لمجابهة الانقراض بشكل نهائي.