كيف تقود شركتك إلى صفقة بيع أو استحواذ؟
بعد اتّضاح حجم مصر في جذب الاستثمارات الضخمة أو الصغيرة على مستوى رياديّ، فإنّ تلك الأرقام حفّزَت قمّة ريادة الأعمال "رايز اب مصر" Rise up Egypt التي ستنعقد منتصف الشهر الجاري، على إصدار بيانٍ صحفيٍّ تتناول فيه أهمّية تركيز المنظومة الريادية على توجيه روّاد الأعمال لبناء وتطوير وإدارة استراتيجيات صفقات الاستحواذ على الشركات أو بيعها Exits.
وبدورنا، كان لنا عدّة لقاءاتٍ مع مجموعةٍ من المستثمِرين والمرشدين لتقديم النصائح في هذا الصدد.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أعلنَت تقارير اقتصادية أنّ مصر هي الدولة الأفريقية الأولى في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ استقطَب بلد الـتسعين مليون نسمة 30% من الاستثمارات الأفريقية.
هذه الاستثمارات التي بلغت 71 مشروعاً وصلت قيمتها إلى 57,9 مليار دولار، وفّرَت فرص عملٍ لأكثر من 51 ألف مواطن، بزيادةٍ قدرها 61,4% عن عام 2013.
أمّا الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر، فقد بلغَت 2,7 مليار دولار في الفترة من كانون الأوّل/ديسمبر 2014 وحتى تمّوز/يوليو 2015. وذلك بفضل وجود مشروعاتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، على غرار "مشروع قناة السويس" و"العاصمة الجديدة".
في المقابل، لم تكن المشروعات الناشئة أقلّ نشاطاً، إذ شهدَت مصر في الأشهر الثلاثة الأخيرة عدّة صفقات استحواذٍ متتالية. وكان آخرها إعلان شركة "فوري" Fawry لخدمات المدفوعات وسداد الفواتير إلكترونياً، عن قيام 3 صناديق استثمار دولية بالاستحواذ على 85% من أسهمها، بضخّ ما يعادل 100 مليون دولار أمريكي.
وقبل ذلك، طالعتنا الأنباء بصفقات استحواذٍ ناجحةٍ أغلقتها كلٌّ من منصّة إعلانات الوظائف المبوّبة "وظّف" Wuzzuf، وموقع التسوّق الإلكتروني "ياقوطة" Yaoota، وخدمة حجز السيارات "كريم" Careem.
عبء ثقيل على الحكومة المصرية
يقول المدير التنفيذي لقمّة "رايز اب"، عبد الحميد شرارة: "أتمنّى أن تولي الحكومة المصرية اهتماماً كافياً للمشروعات الصغيرة والمتوسّطة على قدر اهتمامها بالمشروعات الضخمة اقتصادياً مثل قناة السويس و‘توشكى‘. فذلك يساعد في دفع الوضع الاقتصادي المتأزّم الآن في مصر، وبالتالي يؤدّي إلى خلق فرص عمل وزيادة الناتج القومي."
وبحسب شرارة، "على رائد الأعمال وضع خطّةٍ واضحةٍ لمسار مشروعه، وتقبّل المسار وتغييره إذا ظهرَت متغيّراتٌ تتطلّب ذلك. ولكن ينبغي عدم التقليل من شأن الرجوع دائماً إلى مستشارين أو موجِّهين لتخطّي سلسلة المتاعب والتحدّيات التي تواجه كلّ رئد اعمالٍ قرّر أن يخوض غمار السباق الريادي."
وبالإضافة إلى ذلك، يرى أنّ القطاعات الأوفر حظّاً في جذب استثماراتٍ عربية وعالمية تتركّز في "التكنولوجيا والاتصالات، والمشروعات التي تعتمد على توظيف الطاقة الشمسية، والطاقة المتجدّدة، والمشروعات الزراعية والسياحية والصحية أيضاً."
هذا وقسّم شرارة أنواع صفقات الاستحواذ أو البيع إلى ثلاثة أنواع: "الاستحواذ الاستراتيجي، أي أن تستحوذ شركةٌ كبيرة الحجم على شركةٍ أخرى أصغر تعمل في القطاع نفسه كما حدث بين ‘أوليكس‘ OLX و‘دوبيزل‘ Dubizzle، أو بين ‘روكيت انترنت‘ Rocket Internet و‘اطلب دوت كوم‘ Otlob.com؛ أو ما يعرف بالاستحواذ الوظيفي Acquahire بأن تستحوذ شركةٌ كبرى على موظّفي شركةٍ أصغر مقابل إغلاقها، وأنصح الشركات الناشئة بعدم الاستسلام لهذا النوع من المفاوضات."
وتابع شرارة قائلاً إنّ "النوع الثالث من صفقات البيع أو الاستحواذ هو الطرح بالبورصة IPO. هذا الأخير دونه الكثير من الصعوبات في بلادنا، أهمّها أنّ القائمين على ‘بورصة النيل‘ (المتخصّصة في طرح المشروعات الصغيرة والمتوسطة) لا يعلمون الكثير عن مقوّمات هذا القطاع." وأشار أيضاً إلى أنّ "الاستحواذ يمكن أن يصبح وسيلة النموّ الأكثر شيوعاً والأفضل لصالح روّاد الأعمال وشركاتهم."
ولكنّ صفقات البيع أو الاستحواذ ليست الحلّ الوحيد للشركات الناشئة
المستثمِرة المُخاطِرة حنان عبد المجيد، مؤسِّسة مسرّعة الأعمال "كاميلايزر" Kamelizer، والمديرة التنفيذية السابقو في "أو تي فينتشرز" OTVentures، ترى أنّ صفقات البيع أو الاستحواذ ليست الحل الأمثل للوصول بالشركات الناشئة إلى برّ الأمان.
وتضيف أنّ التوسّع بالمنتَج أو الخدمة إلى المثلث الذهبي المتمثّل في مصر والسعودية والإمارات، هو الهدف الذي لابدّ أن يضعه الرواد نُصب أعينهم. وذلك لأنّه الخطوة الأولى نحو توليد فرص الاستحواذ، وتعدّد مصادر الربح، ووصول نموذج العمل إلى مرحلةٍ من النضج تفرض على السوق العالمي الالتفات إليه إذا كان يصلح لذلك. فالتمويل يسعى خلف الأفكار الجيدة الناجحة التي حققَت نجاحاً بالأرقام عندما دخلت حيّز التنفيذ الفعليّ، وليس مجرّد نجاحٍ على الورق."
وإضافةً إلى ذلك، في حالة الوصول إلى مرحلة التفاوض على الاستحواذ مع شركةٍ عالمية أو حتّى من المنطقة، تنصح عبد المجيد روّاد الأعمال "بضرورة التركيز على تقييم الشركة المالي وعدم إغفال أهمّية الحصول على حقّ الإدارة بالنسبة الأكبر لشركتهم، لأنّها نقطةٌ مفصلية في غلق أيّ صفقة استحواذ."
ماذا عن المنتَج قبل استراتيجية الوصول إلى صفقات البيع
وائل أمين، مؤسِّس "آي تي ووركس" ITworx، والشريك في شركة الاستثمار المُخاطِر "سواري فينتشرز" Sawari Ventures؛ يوافق على ما يقوله عبد المجيد بضرورة احتفاظ المؤسِّسين بحقّ الإدارة والتحكم في توجّهات شركاتهم.
ولكنّه بالإضافة إلى ذلك، ينبّه روّاد الأعمال إلى أهمّية الالتفات إلى بنود صفقات الاستحواذ التي يخوضونها، مع مراعاة وضعية شركاتهم: "الشركة التي ليس لديها أملٌ كبير في تحقيق الاستدامة، وليس لديها خياراتٌ كثيرة في الاستحواذ أو البيع لا يجب على مؤسِّسيها المغالاة في تقييمها."
ويعيب أمين على الشركات أن تضع صفقات الاستحواذ أو لبيع هدفاً أوّليّاً لها، "بل الأجدر بهم الاهتمام بابتكار منتَجٍ مستدام وفعّال ومفيد، ومن ثمّ تحديد استراتيجية الاستحواذ الأمثل والعمل على تحقيقها."
ويشرح أنّه "إذا اهتمّ رائد الأعمال بصفقات الاستحواذ وحسب، سيتحوّل مشروعه إلى عبءٍ يرغب في التخلّص منه، أمّا إذا اهتمّ بتطوير مشروعه فسيكون ذلك أفضل بكثير لتحقيق نجاحٍ أقوى وأسرع."
ومن جهةٍ ثانية، يؤكّد أمين على أهمّية اختيار الاستثمار المناسب في المرحلة المناسبة من نموّ الشركة الناشئة قائلاً إنّه "على المشروعات التي لاتزال في حيز الفكرة اللجوء إلى مسرّعات وحاضنات الأعمال. وإذا نما نموذج العمل، على الرائد أن يسعى لجذب مستثمِرٍ مغامر، ثمّ في المرحلة الثالثة يذهب نحو الاستحواذ أو البيع بعدما يكون نموذج عمله قد نضج بالقدر الكافي لجذب الشركات الكبرى."
ويتابع أمين أنّه " في ‘سواري فينتشرز‘، نقبل الشركات التي تحقّق أرباحاً سنويةً تبلغ مليون دولار فأكثر، ما يعني أنّنا نسعى دائماً لضمّ شركاتٍ يمكنها تحمّل مسئولية وجود رأس مال ضخم قد يصل في بعض الأحيان إلى 4 ملايين دولار."
مصداقية التقييم والعرض ضرورية لإنجاح صفقات البيع أو الاستحواذ
يؤكّد المرشِد الرياديّ وليد خليل، مؤسِّس "أوتينا" Oteena لتقنية المعلومات، على أهمّية المصداقية ويقول إنّ "صفقات البيع أو الاستحواذ يأتي أوانها بعد سنواتٍ من الكدّ والتعب على بناء كلّ تفاصيل الشركة، أما الاستراتيجية اللازمة للوصول إلى هذه الصفقات فهي مسألة ينبغي العمل عليها من المراحل المبكرة جداً للعمل."
في هذا الإطار، يحذّر خليل روّاد الأعمال من الخلط بين المستثمِر ومدرّب الأعمال، فالأوّل يركز تماماً على نموذج العمل ولا ينخرط بالضرورة في العمليات اليومية، وإنما يهتم فقط بالنتائج. أمّا الأخير فدوره أساسيٌّ في بناء توجّهات الشركة من البداية ومتابعة تطوّر النموذج العمل والفريق. ولكن في كلّ الأحوال، ينبغي على رائد الأعمال الرجوع دائمًا لمرشدٍ متخصّص.
ويقول إنّه "على رائد الأعمال أن يركّز في كلّ مراحل مشروعه على نقطتين أساسيتين: القيمة المضافة من الفكرة، وقدرته على بيع تلك الفكرة للآخرين، وذلك مع تحديثٍ دائم لأرقامه المحققة مهما صغرت أو كبرت."
يشير خليل أيضاً إلى أنّ "المناخ الريادي في مصر متأثّرٌ إلى حدٍّ كبير بثقافة العواطف، ما ينعكس سلباً في كثير من الأحيان على بيئة العمل، ولاسيما إذا كان الشركاء المؤسسون أصدقاء أو أقارب. و"تتّضح تلك المشكلة جليّاً في مرحلة التفاوض بين المؤسِّسين والمستثمِرين، إذ غالباً ما يُقيّم الروّاد شركاتهم بأكبر من قيمتها، ما يُفقِدهم عنصر المصداقية."
من جهةٍ ثانية، يجب على رائد الأعمال إبراز قدرته على إدارة الأزمات التي واجهته، وألّا يخشى من الاعتراف بأنّه قلّص أيّ نفقاتٍ ثابتةٍ أو متغيرة، فتلك النقطة تحثّ المشتري (المستثمر) على الثقة فيه وليس العكس كما يعتقد البعض.
ويضيف خليل أنّ ذلك "مع إحكام بناءِ خطّة العمل لخمس سنواتٍ مقبلة بمساعدة شخصٍ متخصّصٍ، سينتهي التفاوض حتماً لصالح رائد الأعمال."