كلوت بك مؤسس المنظومة الصحية في مصر
من هو كلوت بك؟
كلوت بك وعمله في مصر
جهود كلوت بك في تطوير الطب في مصر
جهوده في محاربة الطاعون والكوليرا
وفاة كلوت بك
كانت مصر إلى آخر القرن الثامن عشر تحت حكم المماليك، وحكمهم قائم على إماتة العلم والصناعة واستنزاف أموال الناس، وكان لمجيء كلوت بك إلى مصر في عهد محمد علي باشا أطيب الأثر على تطوير المنظمة الصحية في مصر.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من هو كلوت بك؟
أنطوان براثيليمى كلوت ولد في 7 نوفمبر عام 1793، وعُرف باسم "كلوت بك" هو طبيب فرنسي عاش معظم حياته في مصر.
ولد كلوت في فرنسا من أبوين فقيرين، وتربى في بيئة فقيرة، إلا أن ملامح النجابة كانت تظهر على وجهه، وتجلت مواهب الطبية في أعماله منذ كان صبيًا.
توفي والد كلوت عام 1801، وكان له صديق يسمى الدكتور سابيه، فلما عاين ما فيه من المواهب رغم فقره قدم له المساعدة، وجعله مرافقًا له في أعماله الطبية.
فأخذ يتمر على الجراحة، ويطالع العلم لساعات، حتى أنه قرأ كتاب الجراحة تأليف "لافه" ولما شعر أن المكان الذي فيه لا تفي بما تجنح إليه نفسه قرر الذهاب إلى مرسيليا رغم رفض والدته.
سافر إلى مرسيليا ضاغطًا على عواطفه وابتعد عن أهله ولا يملك في جيبه إلا بعض الدريهمات وثياب قليلًا، ولكنه لم يلقَ هناك سوى الخيبة.
فقرر أن يعمل في سفينة جراح للبحارة وتحمل مشاق السفر ومخاطرها الصعبة هو لا يزال ابن التاسعة عشر، ولكن لم يقبله ربانها، ولكن لحسن حظه فقد غرقت تلك السفينة.
واضطره العوز للعمل في مهنة الحلاقة، وبعدها عاد إلى بلده مرغمًا وأكبد على الدراسة والمطالعة حتى نبغ بين أقرانه، ولكنه لا يزال يعاني من الفقر.
وفي عام 1817 أتم دروسه وعُين طبيبًا صحيًا، وأتقن اللغة اللاتينية، ونال رتبة بكالريوس العلوم، وفي سنة 1820 نال شهادة الدكتورية بعد عناء طويل.
وبعدها عاد إلى مرسيليا وعين طبيبًا ثانيًا بمستشفى الصدقة، ومستشارًا جراحيًا بمستشفى الأيتام، ولكن نم به ذوي الحسد ما تسبب في إقالته من منصبه.
ولكن لم يسع إلى الانتقام، إنما اجتهد وتضاعفت همته، وألف كتاب، ومن كتب كلوت بك كتابًا خاصًا لاستعمال آلات الولادة في الأحوال الخطيرة حتى صار دكتورًا في فن الجراحة، وذاع صيته.
كلوت بك وعمله في مصر
كان محمد علي باشا يطمح بالنهضة في مصر وإصلاح ما خربه المماليك، وكان يؤمن كل الإيمان أن النهضة الحقيقية تتم من خلال العلم والصناعة وحسن الإدارة.
فكان يبعث الوفود إلى أوروبا يستقدمون رجال العلام والصناعة، وأرسل الشبان الأذكياء إلى القطر الأوروبي يتلقون العلم عن أهلها، ويعودون لينهضوا ببلدهم، ويعلمون العلم لأبناء جلدتهم.
وكان من جملة الإصلاح العلمي إصلاح الطب في مصر، حيث رغب محمد علي باشا باستقدام طبيب بقصد تطبيب الجيش، ومنع تفشي الأمراض فيها.
وفي عام 1825 قابل التاجر الفرنسي "تورنو" الذي كان يعمل في مصر حينها بالطبيب "أنطوان كلوت" بالصدفة، وأخبره حينها أن والي مصر أرسله لاختيار طبيب للجيش.
وعندما سمع كلوت بك هذا الاقتراح رحب به، ولعلمه بأن مصر بحاجة إلى إصلاح طبي شديد، فأراد أن يصبح رائد هذا الإصلاح، وبالفعل قبل بهذا الاقتراح.
عهد إليه محمد علي باشا تنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، وبعدها صار رئيس أطباء الجيش، حتى مُنح لقب "بك" تقديرًا لجهوده في النهضة الطبية في مصر.
وبعدها أقنع كلوت بك محمد علي باشا أن يؤسس "مدرسة الطب في أبي زعبل" عام 1827، وكان أول من تولى إدارتها.
وكانت هذه المدرسة أول مدرسة طبية حديثة في الدول العربية، حيث كانت تضم 720 سريرًا، وبعدها نقلت إلى القصر العيني، وألحق بها مدرسة الصيدلة، وبعدها قسمًا خاصًا لتخريج القابلات "الدايات".
أراد كلوت بك أن يطور من علم التشريح، ولكن كانت تقف أمامه عقبة صعبة، وهو أن تشريح الموتى كان أمرًا منكرًا في مصري، فبذل جهوده حتى قام بالتشريح سرًا.
ولكن هذا الشيء لم ينجه من غضب الأهالي حتى أن أحدهم حاول قتله بخنجر، ولكنه لم يفلح في محاولته تلك.
جهود كلوت بك في تطوير الطب في مصر
قام كلوت بك بالعديد من الجهود التي ساهمت في نشأة الطب في مصر بشكله الحديث، فهو صاحب أول مدرسة للولادة في مصر.
ففي عام 1838 نُقلت المدرسة الطبية من أبي زعبل إلى القصر العيني، وحينها أمر كلوت بك بتخصيص غرفة لدراسة فن القبالة –الولادة حينها- وهو قسم يتعلمه النساء.
حيث علم أنه من عادات المشارقة ألا يولدهم الرجال، ولا تسمح السيدة أن تلد إلا على يد سيدة أخرى، فأنشئ مستشفى خاصًا بهن وكانت لهذه الخدمة فائدة عظمى.
أيضًا كان كلوت بك صاحب فكرة إنشاء الوحدات الصحية والاستشارية، حيث أنشئ أماكن للاستشارة الطبية في مدن القاهرة والإسكندرية، وخصص لكل استشارة صيدلية.
أيضًا أنشئ العديد من الأماكن لمعالجة المرضى في المدن الكبرى، وأمر بتطعيم الأطفال ضد الجدري إجباريًا، فساهم في تقليل وفيات الأطفال، حيث كان يموت آلاف من الأطفال سنويًا بسبب هذا الوباء.
كان كلوت بك أيضًا أول من استخدم البنج في مصر، واستخدمها في عمليات خاصة بالسرطان وعمليات البتر.
جهوده في محاربة الطاعون والكوليرا
في عام 1830 ظهرت الكوليرا في مصر وقام كلوت بك بنشاطات كثيرة لمواجهة الكوليرا، ومعالجة المصابين.
عند انتشار وباء الطاعون في مصر عام 1835 واجه كلوت بك هذا المرض الشرس، وتحدى المرض عن طريق عمل الأبحاث وإنشاء وابتكار سبل العلاج.
ففي حين خاص بقية الأطباء من مواجهة المرضى والتزموا بيوتهم خوفًا من الإصابة بالعدوى.
ولكنه قام بجهود كبيرة لمقاومة الطاعون، واهتم بتنظيم المستشفيات، كما أمر بتطعيم الأطفال ضد الجدري.
كلوت بك في عهد "عباس باشا الأول"
توقفت جهود كلوت بك على عهد محمد علي باشا 1849، حيث استأذن عباس باشا الأول أن يذهب إلى مرسيليا نظرًا لانتشار حالة الإهمال التي سادت البلاد، فأذن له عباس باشا، وعاد في عهد سعيد باشا سنة 1856 وكان عمره آنذاك 63 عامًا.
كلوت بك في عهد "سعيد باشا"
عند عودة كلوت بك إلى مصر قرر سعيد باشا إعادة افتتاح مدرسة الطب في احتفال ضخم، وطلب منه أن يولي من يصلح لإدارة المدرسة المصري، فاختار له 5 من نوابغ الأطباء، وهم: محمد علي بك، وشافعي بك، وكلوتشي بك، وفيجري بك، وبرجير بك.
فأمر سعيد باشا أن يتولوا مسؤولية إدارة مدرسة الطب، وتبادلوا رئاسة المدرسة الطبية والمستشفيات في مصر.
وفاة كلوت بك
في عام 1851 عام كلوت بك إلى فرنسا، وهناك منحته بلده رتبة "كومندور دي لاليجيون دونور" وبعدها منحه بابا روما لقب "كونت روماني".
في سنة 1860 سافر إلى مرسيليا وتوفي فيها في 28 أغسطس عام 1868، وتكريمًا له أطلق المصريون أحد الشوارع باسم "شارع كلوت بك"، وهو شارع متفرع من شارع محمد علي بمنطقة القاهرة الخديوية بوسط القاهرة.
كان كلوت بك هو البذرة الحقيقية لظهور رواد وعباقرة الطب في مصر، فاقتراحه بإنشاء مدرسة الطب في أبي زعبل التي انتقلت لاحقًا إلى القصر العيني كانت هي البداية الحقيقية للطب في مصر الحديثة.