قطاع غزة .. خريجون بدون عمل منذ سنوات وتعليم أكاديمي بعيد عن السوق
داخل منزله في حي الشيخ رضوان بغزة، يتابع عزّ الجمّال محاضرات الأونلاين في التصميم الجرافيكي المتقدم بعد أن أنهى التصميم الجرافيكي المبتدأ نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
الشاب صاحب الـ 29 عامًا يرغب في اقتحام سوق العمل من خلال التصميم الجرافيكي بعد أن يئس من الحصول على فرصة عمل في مجال دراسته، الاقتصاد، فقد تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر بغزة عام 2015.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
الجمّال، هو واحد من بين ثلاثة أصدقاء قرروا التوجه للتعليم الإلكتروني والحصول على دورات في تخصصات مختلفة عن تخصصاتهم الجامعية وبعيدًا عن التعليم التقليدي الجامعي، واختاروا تخصصات مختلفة عن تخصصاتهم الجامعية، لأنهم اعتبروا ما درسوه في الجامعة لا يلبي حاجة السوق وتطور التخصصات الذي يحتاجها.
وأعلن مركز الإحصاء الفلسطيني أن هناك نحو 300 ألف خريج جامعي في قطاع غزة لم يجدوا فرصة عمل ولو لمرة واحدة، منذ تخرجهم، كعمل ضمن سياسة العقد الدائم أو المؤقت، فيما ترتفع نسب الفقر والبطالة وصولاً إلى 85%.
وفي المقابل فإنه يوجد في قطاع غزة أكثر من 15 مؤسسة تعليمية أكاديمية مسجل بها أكثر من 100 ألف طالب وتخرج سنويًا عشرات آلاف الخريجين، حسب بيانات وزارة التربية والتعليم العالي في قطاع غزة.
لكنّ عزّ الجمّال يرى من تجربته وأيضا من تجارب كثير من الخريجين أصدقائه وحوله أن الدراسة الجامعية في غزة بنظامها القائم حاليا لا تمنحهم طريقًا للحياة العملية.
دراسته لتخصص الاقتصاد داخل كلية الاقتصاد والعلوم الادارية جاءت بناءً على رغبته، كون التخصص لا يقوم بدراسته الكثيرون، لكن عزّ الجمّال وجد بعد التخرج أنه تخصص لا يوجد له مستقبل في قطاع غزة وسط اقتصاد شبه منهار وحياة عملية اعتبرها بعيدة عما درسوه في التخصص خلال تدربه على مدار عام في تدقيق الحسابات والتحليل الاقتصادي والمالي.
ويقول الجمّال في حديث لـ DW عربية: "السوق الفلسطيني في وادٍ والتعليم الجامعي في وادٍ آخر. بعد الحياة الجامعية نواجه الكثير من الإحباط، سئمت من تقديم طلبات للالتحاق بوظائف، قدمت لعشرات الوظائف منذ سنوات دون جدوى، والمقابلات في الوظائف يحضرها المئات ويُقبل فيها أفراد قِلّة؛ لذا اندفعت لدراسة تخصص آخر حتى استقل ماديًا".
في المقابل لا تزال سمر عايِد (29 عامًا أيضا) تنتظر دورها في تعيين مدرسين جدد في المدارس الحكومية في غزة بعد أن نجحت في اختبار المعلمين لمدارس المرحلة الابتدائية العام الماضي.
سمر لا تملك مهارة جديدة رغم تشجيع صديقاتها على دراسة أو تعلم مهارة جديدة. وعلى عكس صديقاتها، تفضِل أسرتها أن تعمل ابنتهم كمدرسة وترى أن ذلك أفضل تخصص لها كونها امرأة، كما توضح. وهي عاطلة عن العمل منذ سبع سنوات، أي منذ تخرجها من جامعة الأقصى بغزة.
اكتساب مهارات برمجية تُنقذ الخريجين
أمّا مدحت عطايا (37 عاما) فقد تخرج عام 2008 من الجامعة الإسلامية، متخصصا في الهندسة المعمارية، لكنه يعمل حاليًا مبرمج تطبيقات IOS، إذّ أقحم نفسه في عالم البرمجيات عام 2015 واكتسب المهارة وطورها بعد أن قضى سبع سنوات من دون عمل، كذلك درب خريجين جامعين على البرمجة ولاحظ الفجوة الكبيرة بين التعليم الأكاديمي وبين واقع العمل.
ويقول عطايا لـ DW عربية: "حاولت في طريق الهجرة الغير شرعية عام 2014 وفشلت المحاولة وكدت أموت في اللحظات الأخيرة وسط مركب بالبحر الأبيض المتوسط. لم أحصل على فرصة عمل واحدة رغم أنني تقدمت لوظائف كثيرة، لكن وجدت نفسي بالبرمجيات، واليوم هي حياتي، والخريجون الذين ينتظرون الوظائف هم في الواقع ضحايا كما أن التعليم الأكاديمي في غزة يفتقر منهجية السوق والتطوير".
"السياسة التعليمية في قطاع غزة لم تتغير رغم حاجة سوق العمل لتخصصات جديدة تواكب حاجتها"، ينوه نشأت زايِد، المشرف التعليمي المتقاعد. ويوضح زايِد أن كثيرا من المؤسسات التعليمية تعتمد على النظام الأكاديمي والتخصصات التقليدية التي تخرج أكبر أعداد من الدارسين مثل كليات التربية وكليات الإدارة والأعمال.
عمل زايِد سابقا استشاريًا في تطوير المناهج المدرسية والأكاديمية لدى وكالة الأونروا ومؤسسات تعليمية عربية وشارك في كثير من الندوات حول تطوير المناهج التعليمية الفلسطينية الأكاديمية والمدرسية منها، لكنه يجد أن "بيئة قطاع غزة بحاجة إلى الانفتاح على العالم؛ حتى يتم تطوير القطاع التعليمي أكثر في ظل معيشته تحت حصار إسرائيلي متواصل".
ويقول زايِد "إذا نظرنا إلى التخصصات؛ فإننا سنجد أن معظمها لم تتغير أسماؤها ولا طبيعة المواد ولا سياستها الأكاديمية، مع ملاحظة افتقار عدد منها للتدريبات العملية".
ويتابع زايد حديثه قائلا: "في المقابل هناك مبرر لبعض المؤسسات الجامعية في عدم تطوير التخصصات كون السوق الفلسطينية في معظم أوقاتها منهارة، كما أن البلد لا يزال يعيش ظروفا سياسية صعبة ويقع تحت احتلال".
ويرى استشاري تطوير المناهج المدرسية والأكاديمية السابق أن كوادر العمل في السوق الفلسطينية هي كوادر شابة ويمكن استغلالها بشكلٍ أمثل، لكن العائق يتمثل في غياب استراتيجية التطوير المنهجي للجامعات.
ويعتقد زايِد أن التخصصات التي يحتاجها السوق الغزي هي من نوعية تخصصات مثل التصميم الجرافيكي و"الانيميشن" (تحريك الصور) وهندسة وصناعة التطبيقات الذكية والرسوم المتحركة والإعلام الرقمي المتخصص وتخصصات إدارة سوق وادارة فنادق ومطاعم وتخصصات الأمن الإلكتروني.
لا توجد ميزانيات مالية للجامعات
ويحذر المحلل الاقتصادي زياد سكيك من مستقل التعليم الأكاديمي في غزة كونه يواجه مخاطر متراكمة على مدار سنوات. ويشير سكيك إلى أنّ وزارة التعليم العالي في الضفة الغربية لم تصرف لجامعات القطاع أيّ ميزانيات مالية سنوية منذ نحو ثمانية أعوام، ما يجعل الجامعات الغزية تعتمد بالأساس على محصلات الرسوم الجامعية من الطلاب.
كذلك ينوه سكيك إلى أن "المشكلة متجذرة بالمجتمع لدرجة أن أسر الطلاب يضطرون للاستدانة أو الحصول على أقساط من أجل توفير رسوم الجامعة لأبنائهم، وتتراكم المستحقات التي تتطلبها الجامعة من الطلبة حتى بعد تخرجهم، وهو ما يسبب أزمة كبيرة بالنسبة للجامعات، وهذا سبب رئيسي فيما يخص تطوير المنشآت الجامعية ومرافقها ونظامها الأكاديمي".
ويقول سكيك "هناك عاملون في الجامعات الغزية يتقاضون نصف رواتبهم فقط منذ عامين وأكثر. وإلى جانب المحصلات من رسوم الطلاب، يقوم التعليم الأكاديمي أساسا على تدعيم من الدولة واقتصاد جيد، وهذان أمران لا يظهران في الأفق حاليا في قطاع غزة".
غزة - أمجد ياغي