قصة ملهمة: من طالب لجوء إلى عامل إنقاذ في خدمة المهاجرين الفارين بحراً
بين ليبيا ومالطا وإيطاليا، ينتظر طاقم سفينة أوشن فايكنغ فرصة إنقاذ القارب المطاطي المعرض للخطر. فعلى متن هذه القوارب الهشة غالبا ما يتكدس العديد من الأشخاص بشكل لا يتناسب مع حجم القارب، ويتجهون إلى أوروبا في وضعية خطر.
عندما تحين اللحظة، يبدأ الطاقم العمل بسرعة، للوصول إلى القارب الصغير في أقصر وقت ممكن، توزع سترات النجاة إذا كان الوقت كافيا، ويتم اصطحاب المهاجرين إلى سفينة الإنقاذ. العمل شاق جسديا للغاية، حتى في يوم يكون البحر فيه هادئا، فإن تباعد القوارب بسرعة يجعل هذا الجزء من عملية الإنقاذ صعبة للغاية.
تتطلب لحظة نقل المهاجرين من البحر إلى السفينة تواصلًا مستمرًا، والتمكن من التحكم في الحشود وتقييم الموقف. ناهيك عن التحضير المكثف والتدريب - ساعات في كل مرة في البحر. إنه عمل تحظى فيه الخبرة البحرية بتقدير كبير، ولهذا فالعديد من طاقم SOS Méditerranée مدربون جيداً في هذا المجال إلى جانب آخرين لهم تكوينات كمسعفين أو في مهن الطوارئ.
أستون، شاب سوري من أفراد فريق الإنقاذ في منظمة SOS Méditerranée، قوي البنية وهو في أواخر الثلاثينيات من عمره. عندما لا يعمل، يقضي وقته في دراسة اللغة الفرنسية، يبدو شخصا هادئا، لكن لديه الكثير من القصص ليرويها بمجرد أن تفاتحه في الموضوع.
درس الهندسة البحرية في مصر وعمل بحارًا تجاريًا لسنوات عديدة، وهي مؤهلات جيدة لعمله الحالي. كما خدم في الجيش السوري في أوائل العشرينات من عمره. لكنه يحمل أيضًا تجربة ذات قيمة عالية، فقد عرف معنى الفرار من بلده والبحث عن حياة جديدة في أوروبا، وعبور البحر في رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى الأمان.
أصل الحكاية!
ولد أستون في مدينة حماة وسط سوريا. قبل أربع سنوات من ولادته، كانت حماة مسرحًا لانتفاضة ضد حكومة الرئيس السابق حافظ الأسد. وتلا ذلك مذبحة انتقامية راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين. عاش أستون عام 2012، تكرار الحكاية بعد انتفاضة مماثلة ضد الرئيس الحالي بشار الأسد، أشعلت فتيل حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد، كانت حماة "محاصرة من قبل الجيش السوري".
غادر أستون إلى مصر، حيث شهد انتفاضة في البلاد في عام 2013. خلال هذا الوقت تقريبًا أخبرته والدته أن أفرادا من الجيش السوري، قد حضروا إلى منزلهم بحثًا عنه لتجنيده. حينها أدرك أنه لا يستطيع العودة إلى بلده مرة أخرى "على الأقل إلى حين رحيل الأسد".
الفرار من سوريا كان سهلا، لكن رحلة أستون إلى أوروبا استغرقت سنوات. تعاقد في البداية مع شركة شحن سورية، لنقل الأغنام بين لبنان ودول الخليج. "لحسن الحظ كنت في غرفة المحركات، لم أضطر للتعامل مباشرة مع الأغنام على متن السفينة، لكن رغم ذلك كانت الرائحة مزعجة". بعد ذلك انتقل للعيش في لبنان، وعمل في وظائف مختلفة في بيروت "عملت في مخبز، وفي مجال البناء، وصيانة المباني. عملت في أي مجال تمكنت من العثور على عمل فيه".
خلال هذا الوقت، كان أستون متفائلًا بأن الصراع في سوريا سيتم حله قريبًا ويمكنه بعدها العودة إلى الوطن "كنت آمل أن تكون النتيجة إيجابية بعد الثورة، نبني من خلالها المستقبل القائم على الديمقراطية وحقوق الناس والحرية". لكن مع اشتداد الحرب، أصيب الشاب السوري بخيبة أمل، يقول "لقد فقد الأمل، شعرت بخيبة حقًا، لن يكون هناك حل".
وبذلك، تخلى أستون عن فكرة العودة إلى سوريا، شعر بالترحيب والأمان في بيروت حسب ما يحكيه، لكنه لم يرَ مستقبلًا لنفسه هناك، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية. "كنت واحد من ملايين اللاجئين السوريين في لبنان، شعرت أن الزمن قد توقف، كنت عالقًا، لذلك عملت على خطة بديلة".
بعد مشاورات مع أصدقائه في أوروبا، قرر التوجه إلى مدينة إزمير التركية والعثور على شخص يمكن أن يساعده في العبور نحو اليونان. "في إزمير، تجولت في الشارع إلى أن رأيت مجموعة من الأشخاص متجمعين ويحملون أكياساً بلاستيكية سوداء، هكذا علمت أنهم يستعدون للمغادرة بحرا".
يحكي أستون "كان سعر الرحلة حوالي 1000 دولارا، كان كل شيء سريعًا جدًا، منحني المهرب خمس دقائق لأعود إلى الفندق، وأحضر أغراضي ونذهب". وصلت المجموعة إلى الساحل التركي في ساعات الصباح الأولى، كان على متنها 50 شخصا من بينهم أطفال. كان القارب المطاطي صغيرًا ولكنه في حالة جيدة. لم يكن أستو خائفًا، فالمسافة إلى اليونان قصيرة نسبيًا وهو كان معتادًا على ركوب الأمواج.
لكن رغم ذلك، فإن وجود الأطفال على متن السفينة جعل أستون مرتابا، يقول "هذا الطفل الصغير الذي يبكي، سيجعلك تشعر بالمسؤولية، على الرغم من أنه ليس طفلك".
وصلوا إلى جزيرة ساموس اليونانية دون وقوع حوادث، وبعد بضعة أيام وصل أستون إلى أثينا. من اليونان انتقل عبر دول البلقان المختلفة إلى النمسا ثم شمالًا من هناك إلى النرويج - وهي رحلة استغرقت شهورًا- عبر عشرات المعابر الحدودية، هناك شعر أن مستقبله ينفتح مرة أخرى أمام عينيه.
العودة إلى البحر!
يعمل أستون الآن على متن سفينة Ocean Viking ، وهي سفينة نرويجية، مما جعله على اتصال بالعديد من الأشخاص في منتصف رحلتهم الدرامية. قد تختلف التفاصيل، لكن أستون يقول إنه يشعر بشيء يربطه بهؤلاء الأشخاص الذين يساعد في إنقاذهم.
"وصلت إلى النقطة التي اضطررت فيها إلى ركوب قارب مطاطي، عندما فقدت الأمل. لم أفعل ذلك لأنني كنت جائعًا، أو لأنني كنت أحلم بالرفاهية الأوروبية، لا بل لأنني فقدت الأمل".
" فقدان الأمل" هو ما يراه ويشعر به في الندوب الجسدية والنفسية للأشخاص الذين ساهم في إنقاذهم. يقول "ترى العلامات على أجساد الناجين، تلك العلامات تتحدث عنهم، يقولون لك" لقد فقدنا الأمل، ولهذا السبب نحن هنا، نحاول عبور البحر الأبيض المتوسط رغم المخاطر".
أستون يرى أن العمل الذي يقوم به هو مجرد قطعة واحدة من أحجية كبيرة، والعديد من القطع المفقودة موجودة في البرلمان الأوروبي. ولكن إلى أن يتم العثور على حل فيرى أنه من واجبه البقاء في البحر، ومساعدة أكبر عدد ممكن من الناس".
مهاجر نيوز فراي ليندسي/ ترجمة: ماجدة بوعزة