في اجتماع للفائزين بنوبل ـ باحثات عربيات يتطلعن للجائزة المرموقة
في يوم افتتاح الاجتماعات 25 يونيو/حزيران، خطفت الباحثة السودانية الشابة مروة شمو الأنظار في الجلسة النقاشية الرئيسية "التنوع ومزايا العلوم"، وعمت القاعة بالتصفيق بعد حديثها عن التحديات التي تواجه الباحثين الشباب المنحدرين من خلفيات اجتماعية من الدول النامية.
تقول شمو عن تلك اللحظة لـDW عربية: "كثير من النساء من خلفيات عرقية متنوعة.. كان الكلام معبر عنهن أيضا، لأني أجلس مع زميلاتي البنات، ونتحدث عن التحديات التي نعيشها".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مروة شمو السودانية التي نشأت في دولة عمان حصلت على بكالوريوس التكنولوجيا الحيوية بجامعة نزوي العمانية، وماجستير العلوم البيئية (جامعة كولونيا)، ودكتوراه في العلوم الزراعية (جامعة بون بألمانيا) ودكتوراه من (مركز أبحاث التنمية/ ZEF، ألمانيا) الذي تعمل به كباحثة إلى الآن. تركز شمو على أبحاث الحشرات وكيفية استخدامها كأعلاف والاقتصاد الحيوي، لهذا تلقب بـ"lady of flies". وتعمل الآن على مشروع بحثي في تنزانيا بالتعاون مع جامعة كالجري- كندا؛ لاستخلاص البروتين من الحشرات، بتقنية منخفضة التكاليف تقوم عليه نساء من إحدى ضواحي العاصمة دار السلام.
إلى جوار شمو، كانت الباحثة اللبنانية الشابة رشا شريم تتحدث في الجلسة جنبا إلى جنب مع العالمة الفرنسية إيمانويلا شاربنتير الحائزة على نوبل عام 2020 لأبحاثها في مجال تحرير الجينات، بالإضافة إلى كريستيانه نوسلين فولهارد العالمة الألمانية الفائزة بنوبل للطب عام 1995 لاكتشافاتها المتعلقة بالتحكم الجيني في التطور الجنيني المبكر، مع العالم الأمريكي مارتن تشالفي الحاصل على نوبل في الكيمياء عام 2008.
مروة ورشا لم تتوقعا اختيارهما من بين 600 من جيل شباب العلماء لمشاركة فائزين بجائزة نوبل، للحديث بالجلسة. تقول رشا لـDW عربية: "أرسلوا لنا دعوة للراغبين في المشاركة في تلك الجلسة، دراستي للفلسفة بجانب العلوم جذبت اهتمامي للحديث عن التنوع والتحديات التي تواجهنا". وتضيف "لهذا أنا سعيدة للغاية للمشاركة في تلك الجلسة".
تدرس رشا الدكتوراه الآن في كلية ترينيتي في دبلن بأيرلندا، حول فهم مدى مساهمة التعرض للشمس مقارنة بمساهمة الخلفية الجينية للإنسان بمستوى الفيتامين د في الجسم. تضيف "الآن يمكنني معرفة مستقبلي المهني وترتيب أولوياتي، وما الذي أتخيله بعد 5 سنوات أو 20 عاما للمستقبل، بالنسبة لي هذا شيء يستحق".
تلك المشاركة للشابات العربية، أثارت إعجاب إيمانويل ماري شاربنتييه العالمة الفرنسية على جائزة نوبل للكيمياء 2020، التي قالت ردا على سؤال لـDW عربية خلال المؤتمر، "لديهن الشجاعة والنضج أيضا". ووجهت رسالتها لهن: "عليهن مواصلة العمل الذي بدأن به، وتقديم أفضل ما لديهن، وعدم ترك مجتمعاتهن تعيقهن"، مؤكدة أنه على الحكومات العربية أيضا الاهتمام بالتعليم والتنوع وعدم النظر إلى مسألة التعليم كقضية بين الرجل والمرأة.
احتكاك بين الباحثين الشاب والعلماء
منذ عام 1951، يلتقى في لينداو سنويا حملة جائزة نوبل في تخصصات الكيمياء والفيزياء والطب، مع نحو 600 من علماء شباب متميزين من جنسيات مختلفة حول العالم؛ بتنظيم من مؤسسة اجتماعات لينداو لحائزي نوبل. في الدورة الـ72 الحالية، التقى 40 من حملة نوبل مع نحو 600 من علماء شباب من نحو 90 دولة بينهم 18 عربيا، تحت شعار "لصالح البشرية" المقولة الشهيرة للعالم السويدي ألفريد نوبل مؤسس الجائزة المرموقة، بحسب بيان المجلس.
لهذا تقدم مؤسسة لينداو الفرصة مرة واحدة لشباب العلماء للتقدم لحضور الاجتماعات، ومن يحالفه الحظ يأتي للمرة الثانية عندما يفوز بالجائزة المرموقة. لهذا يتطلع هؤلاء الشباب المختارون بعناية من بين آلاف المتقدمين للاستفادة من فرصة قد تتكرر.
تقول الباحثة السعودية أسماء العمودي وهي من بين ثلاث باحثات أوفدتهن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، لـDw" عربية": "كنت خائفة في البداية من التحدث أو لقاء هؤلاء العلماء الفائزين بجائزة نوبل، لم أتخيل أن أرى كم التواضع لديهم".
وعددت العمودي، نقاط استفادتها من تلك المشاركة، بداية من الاحتكاك الذي خاضته مع علماء من أنحاء العالم، فضلا عن أن الفرصة أتيحت لها للحديث عن البحث العلمي في السعودية وتلقيها الكثير من الأسئلة عن الجامعة والتطوير الذي حدث في السعودية. النقطة الثالثة: النصائح التي يقدمها لنا هؤلاء كعلماء وعالمات كانت نصائح في محلها، كباحثة أحتاج إلى نصائح تقودني إلى النجاح، وما يجب أن يفعله الباحث الشاب وقت الفشل.
بينما كانت المصرية الشابة دينا الحارونى باحثة ما بعد الدكتوراه (الزميلة) في كلية الطب في هارفاردHarvard Medical" School"، غير مصدقة لمدى التواضع الذي لمسته من حملة جائزة نوبل الحاضرين للاجتماعات، حتى أن ويليام كايلن الفائز بنوبل للطب عام 2019 طلب التقاط صورة معها وهو يرتدي شارة فوزه بجائزة نوبل، بعدما وجد أنها تعمل في نفس مركزه البحثي بهارفارد. قال لي: "يلا بينا نتصور".
"قدموا لنا نموذجا ملهما للتواضع، ترك أثرا علينا كطلاب مثلما ما تركوه من أثر على العلم، أتمنى أن أرى ذلك في الوطن العربي"، تؤكد الحاروني لـ"DW عربية".
في 2022، حصلت الحاروني على درجة الدكتوراه في قسم المعلوماتية الحيوية السريرية بالمركز الألماني لأبحاث السرطان DKFZ بجامعة هايدلبرج Heidelberg بألمانيا، ورشحها معهد هيلمهوتز الألماني لحضور مؤتمر لينداو. بعد انتهاء الدكتوراه، التحقت دينا بمعمل متخصص في استخدام الذكاء الاصطناعي في علاج سرطان المخ، بكلية الطب في هارفارد.
اختلاف في فلسفة الابحاث العلمية
أما الباحثة المغربية بجامعة محمد السادس للعلوم الدكتورة مريم لعمارتي، نظرتها للعلم تغيرت بعد المشاركة في لينداو، إذ قالت لـ"Dw عربية": "لدينا في شمال أفريقيا فلسفتنا معتمدة على الأبحاث العلمية قصيرة الأمد، لكن في أوروبا لديهم فلسفة مغايرة في أن الأبحاث قد تستغرق سنوات طويلة، بالإضافة إلى أن الجامعات الأوروبية تتعاون مع بعضها البعض، بينما نحن لا يوجد تعاون بيننا كجامعات عربية أو أفريقية".
وجدت مريم أيضا أن التجربة التي عاشها حملة نوبل مشابهة لما تمر به في المغرب لكن "الفارق في التمويل والدعم، وأن لديهم الفرصة للعمل على مشروعات بحثية لمدة طويلة بعكس ما يحدث لدينا".
وعن حلم الحصول على نوبل، تضيف الباحثة في الأمراض المعدية خاصة مرض السل في أفريقيا، "أول شخص يدرس العلوم يكون في مخيلته أنه يرغب في الوصول إلى اكتشاف يقوده إلى جائزة نوبل، لكنك تصطدم بأرض الواقع وتجد أن الأمر ليس سهلا، لكن لما لا قد أفعلها يوم ما وأعود إلى هنا مجددا".
زميلها الباحث في أمراض سرطان المبيض، بجامعة محمد الأول في وجد بالمغرب، خالد البعيري، لم يجد صعوبة في الحصول على إجابة لأسئلته من حملة نوبل بعكس ما حدث له خلال دراسته بالمغرب "في إحدى المرات استغرق مني عامين للحصول على إجابة عن أسئلتي من أستاذي في المغرب"، يقول البعيري لـ"Dw عربية". "عندما تكون في بداية رحلتك في العلم يكون لدينا الكثير من الأسئلة بحاجة لإجابة ليس فقط على المستوى العملي ولكن على المستوى الحياتي أيضا".
مشاركة ضئيلة من إفريقيا والعالم العربي
لكن ما لفت انتباه خالد أيضا هو قلة المشاركين من أفريقيا والدول العربية بالمقارنة بنظرائهم الأوروبيين والأمريكيين الذين لديهم فرص أكبر أي الحصول على الإجابة عن أسئلتهم بالمقارنة بالباحثين في أفريقيا. لهذا يأمل أن يجد الكثير من الباحثين من تونس ومن مصر والجزائر ويحصلوا على الفرصة مثله في لقاء حملة نوبل.
اجتماعات لينداو ليست مقتصرة على الحاصلين على الماجستير والدكتوراه بل هناك من يحالفهم الحظ من طلبة الجامعات. فقد كانت سيا شاندا، 20 عاما، أصغر باحثة تشارك بالمؤتمر، وهي طالبة هندية ولدت وتعلمت في الإمارات العربية المتحدة، قبل أن تلتحق بجامعة كونستركتور الألمانية "Constructor University" لدراسة الكيمياء الحيوية وبيولوجيا الخلية.
تقول شاندا التي تخرجت للتو من الجامعة، لـDW عربية، "لم أكن أتوقع بالمرة أن أكون هنا.. لا يوجد لدي شيء مميز لكن أحب العلوم بشدة، وأحاول بكل جهدي أن أطور مهاراتي فيها".
"المشاركة هنا جاءت في الوقت المناسب بينما أنا مقبلة على الالتحاق بالماجستير، والآن بإمكاني تحديد مستقبلي في دراسة بيولوجيا الخلية وعلم الأحياء الدقيق"، تقول شاندا.
محمد مجدي