"فصام أخلاقي وجهل بالقانون".. أزمة تثيرها راقصة روسية في مصر
على مدار الأيام القليلة الماضية، تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في مصر مقاطع فيديو تظهر فيها الراقصة الروسية إيكاترينا أندرييفا، والمعروفة باسم "جوهرة"، مع شاب مصري في أوضاع حميمية. وانتشرت تلك المقاطع سريعا، خاصة وأن للراقصة الشابة الكثير من المعجبين والمتابعين، الذين يتجاوز عددهم على موقع "انستغرام" وحده المليون شخص، هذا بالإضافة إلى كونها واحدة من أكثر الراقصات المطلوبات لإحياء حفلات الزفاف والعديد من المناسبات الخاصة في مصر.
وتسائلت عدد من وسائل الإعلام المصرية والعربية عن إمكانية تعرض الراقصة الروسية والشاب المصري الذي ظهر معها للمسائلة القانونية بعدة تهم يأتي في مقدمتها "نشر مواد تحرض على الفسق والفجور". وبصرف النظر عن صحة تلك المقاطع وطبيعة العلاقة التي تجمع الراقصة الشهيرة بالشاب الذي ظهر معها، عكست ردود فعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي وطريقة تعاملهم مع الأمر عدة تساؤلات حول الجوانب القانونية والأخلاقية والاجتماعية المتعلقة بمسألة نشر ومشاهدة المواد التي تحتوي على مشاهد مخلة في مصر والعالم العربي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مخالفة القانون عن جهل؟
أعلن عدد من مستخدمي موقع تويتر أن بحوزتهم مقاطع الفيديو الساخنة الخاصة بالراقصة، عارضين إرسالها لكل من يرغب في المشاهدة، بما يوحي بعدم درايتهم إن كان في قيامهم بذلك مسؤولية قانونية تقع عليهم. وبينما يتساؤل كثيرون عن الموقف القانوني للراقصة نفسها بعد ظهور تلك المقاطع؛ لا يعلم ناشروها أنهم بذلك يتحملون مسؤولية قانونية قد تصل بهم إلى السجن.
وفي مقابلة مع DW عربية، أوضح المحامي بنقابة المهن التمثيلية المصرية شعبان سعيد أنه وفقا لمواد القانون المصري، فإن نشر مضمون إباحي عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي يضع من قام بنشره تحت طائلة القانون بتهم نشر مواد فاضحة وخدش الحياء العام والتحريض على الفسق. إلا أن الأمر لن يقتصر على هذا فقط، حيث يؤكد سعيد أن "ناشري هذه المقاطع ينتهكون كذلك حُرمة الحياة الشخصية المحمية بموجب القانون" ويضيف المحامي المصري: "بغض النظر عما إذا كان الأشخاص الموجودون في الفيديو مشهورين أم لا، أو كان لديهم نية التقدم ببلاغ للشرطة أم لا، أو حتى لم يكونوا على دراية بوجود هذا المحتوى من أساسه. ناشر الفيديو ارتكب مخالفة يمكنها أن تعرضه لعقوبتي الحبس والغرامة". وتابع شعبان سعيد: "يمكن ألا يتم عقاب الأشخاص، الذين ظهروا في الفيديو؛ لو تبين عدم قيامهم بعمل يعاقب عليه القانون، أما من سيتعرض للحبس في النهاية فهو من قام بنشر الفيديو فقط". ووفقا للقانون المصري فإن إنزال عقاب بالأشخاص المُشاركين في مواد مصورة لعلاقة جنسية يكون في حالة موافقتهم على نشر هذه المواد أو الترويج لها، مادام أنه لا يوجد مانع قانوني لإقامة العلاقة، مثل عدم بلوغ المرأة السن القانوني أو زواجها من رجل أخر أو إقامة العلاقة بمكان عام أو بمقابل مادي.
"استعراض للأخلاق الحميدة"!
بالإضافة إلى ما عكسته تعليقات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من غياب للوعي بمواد القانون، اتسمت غالبية التعليقات بطابع ذكوري حيث وصف الكثيرون الشاب المصري الذي ظهر مع الراقصة الروسية في المقاطع المصورة بالـ "محظوظ"، مع التهكم والسخرية من "أخلاق" الراقصة جوهرة.
وفي حوار أجرته معه DW عربية، يرى دكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أن انتشار المواد المصورة ذات الطبيعة الجنسية فرصة للبعض "لاستعراض أخلاقهم الحميدة" موضحا أن "المجتمعات الذكورية والأبوية في العالم العربي تعاني من أزمة حاليا بسبب اهتزاز مكانة الرجل الذي اعتاد السيطرة على كل مناحي الحياة فيها، ليحاول الرجل تأكيد مكانته في المجتمع من خلال البحث عن دور جديد يتمثل هنا في الاستعراض الأخلاقي ".
وينبه أستاذ علم الاجتماع إلى ما وصفه بـ "فصام أخلاقي" بسبب التناقض الشديد بين مشاهدة فيديوهات ذات مضمون إباحي، ثم الحديث عن الاخلاق وسمعة الأشخاص الموجودين بتلك الفيديوهات.
لكنّ جوهرة نفسها قالت في حوار أجرته معها DW قبل ظهور "المقاطع المخلة"، إن جنسيتها الروسية تحميها من الوصمات السلبية، التي تصيب الراقصات المصريات وأضافت: "لأني أجنبية يتم احترامي بدرجة أكبر لأنهم يعتبرونني فنانة أكثر" من مجرد كوني راقصة.
بُعد سياسي للفيديوهات؟
ويبرر الدكتور سعيد صادق اهتمام الكثيرين بالمقاطع المصورة للراقصة جوهرة والانتشار الواسع لها على وسائل التواصل الاجتماعي بالميل إلى الرغبة في معرفة الأسرار الخفية وقال: "ترتفع مشاهدة أي مادة لن يتسنى في العادي الوصول لها بما يخلق نوعا من الإثارة، خاصة في المجتمعات المنغلقة أو التي تعاني من أنواع مختلفة من الحرمان".
وبذلك لا يقتصر الأمر على المواد ذات الطبيعة الجنسية فقط، حيث يُقبل الناس على التسريبات السياسية أيضا لنفس السبب لأنها تكشف أسراراً ومعلومات غير معلنة في مجتمعات تعاني من عدم الشفافية وحجب المعلومات.
ويبرر البعض انتشار الفيديوهات الفاضحة للراقصة الروسية في إطار منافستها في سوق الرقص الشرقي في مصر. لكن إذا كان الأمر صحيحا فهو يثير تساؤلاً حول سبب استخدام "الفضائح الجنسية" كأداة للهجوم على الشخصيات العامة بمجالات متعددة. ويفسر سعيد صادق الأمر بـ"ثقافة العار" المرتبطة بالسلوك الجنسي في العالم العربي. تلك الثقافة التي لا ترتبط بتجاوزات أخرى كالسرقة أو الفساد ويقول: "مبدأ إذا بليتم فاستتروا يتم تطبيقه من جانب البعض بشكل خاطئ، حيث يقوم الكثيرون بكل شيء مادام أنه لا يتم الإفصاح عن الأمر".
دينا البسنلي