قصة حب فرانز كافكا والصحفية ميلينا يزينسكا التي خلدتها الرسائل
"لا تدعي الخوف يبعدك عني ولو كنت قد خيبت ظنك مرة، أو آلاف المرات، أو في هذه اللحظة، أو دائماً وأبداً".. هكذا كتب الروائي التشيكي فرانز كافكا إلى محبوبته ميلينا في إحدى رسائله، على الرغم من هذا فقد أبعده عنها الخوف والمرض والكثير من التعقيدات.
قصة حب مختلفة وحزينة ويائسة ربطت بين الكاتب التشيكي السوداوي فرانز كافكا والصحفية والمترجمة ميلينا يزينسكا وخلدتها رسائله لها، نتعرف عليها اليوم في السطور التالية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
فرانز كافكا:
فرانز كافكا كاتب تشيكي ولد في براغ لعائلة يهودية ناطقة بالألمانية عام 1883، هو رائد الكتابة الكابوسية السوداوية حتى إنها تًعرف باسمه ويقال عنها كتابة كافكاوية. عاش حياة بائسة معذبة وعانى من قسوة الأب المتسلط بالإضافة إلى مرضه بالسل الرئوي، لكن أجمل فترات حياته كانت الوقت الذي أحب فيه ميلينا.
حياة ميلينا
ميلينا جيسيسكا هي صحفية وكاتبة ومترجمة تشيكية ولدت عام 1896 وتوفيت عام 1944 وقد اشتهرت بكتاباتها النسوية ودفاعها عن حقوق الإنسان. ولدت ميلينا في عائلة مثقفة في براغ وقد درست اللغتين الألمانية والفرنسية في جامعة فيينا ثم بدأت مسيرتها المهنية كصحفية في عام 1918.
عملت ميلينا في عدة صحف في براغ وكتبت في موضوعات متنوعة خاصة عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان وموضوعات أدبية وسياسية، وقد اشتهرت بكتابتها النثرية القوية.
بسبب آرائها السياسية وكونها امرأة واجهت تمييزًا شديدًا وقد سجنت من قبل النازيين عام 1943 وتوفيت في المعتقل بعدها بعام، وأصبحت من أوائل الصحفيات النسويات في أوروبا والتي ألهمت كتاباتها العديد من النساء حول العالم.
تزوجت ميلينا من الكاتب التشيكي إرنست بول عام 1920، ورغم زواجها نشأ علاقة حب بينها وبين فرانز كافكا خلدتها الرسائل التي نشرت بعد وفاتها.
رسائل كافكا إلى ميلينا
جٌمعت رسائله إليها في كتاب رسائل كافكا إلى ميلينا. وقد تُرجِم الكتاب إلى العربية وذاع صيته بفضل عذوبة وجمال رسائله، رغم سوداويتها.
عانى من الاكتئاب الإكلينيكي والقلق الاجتماعي طوال حياته، كما عانى من الصداع النصفي، والأرق وغيرها من الأمراض التي تأتي عادة بسبب الضغوط والإجهاد المفرط. ولم تكن حياته الاجتماعية على ما يرام أيضاً، فقط قام كافكا بخطبة أكثر من امرأة لكن الأمر كان يفشل في كل مرة.
اللقاء الأول
جاء لقاء كافكا بميلينا للمرة الأولى في بداية الخريف في شهر سبتمبر من عام 1919 في أحد مقاهي براغ، حيث اقترحت عليه ميلينا يزينسكا، أن تترجم أعماله من الألمانية التي كان يكتب بها إلى اللغة التشيكية.
بدأت المراسلات بينهما بعد هذا اللقاء، فكتب كافكا لها نحو 149 رسالة، يصل أحياناً إلى أكثر من رسالة في اليوم الواحد.
ويبدو أن المرض قد ساهم في تعميق جذور العلاقة بينهما، فقد أصيبت هي الأخرى بمرض ذات الرئة، لم تجد من يقف بجانبها سوى كافكا ورسائله. وقد نصحها في رسائله بالتوقف عن ترجمة أعماله إلى التشيكية إلى حين تحسن صحتها. وقال إنه لن يسامح نفسه إن علم بأنها تواصل عملها رغم احتياجها للراحة والعلاج.
ولم يقتصر في رسائله على وصف مشاعره وأشواقه، حيث لم تكن الرسائل مجرد رسائل غرامية تقليدية فقد شاركها في الرسائل أفكاره حول الكتابة والحياة، استمرت العلاقة بينهما ما يقارب 3 سنوات لكنها كانت حكاية معقدة وبلا أمل فقد كان مريضاً وكانت هي متزوجة.
توقف رسائل كافكا إلى ميلينا
توقفت الرسائل بينهما في أواخر عام 1923، وتوفي كافكا بعد ذلك بأقل من عام في يونيو 1924. قبل وفاته أوصى كافكا صديقه الحميم ماكس برود بحرق مخطوطاته التي تشمل مذكراته ورسائله ورواياته غير المنشورة. لكن لحسن الحظ لم ينفذ صديقه وصيته وإلا فقدنا مجموعة من أبلغ وأجمل النصوص الأدبية.
من أجمل رسائل كافكا إلى ميلينا
"وأنتِ يا ميلينا لو أحبكِ مليون فأنا منهُم، وإذا أحبكِ واحدٌ فهذا أنا، وإذا لم يُحبكِ أحدٌ فاعلمي حينها أنِّي مُت".
"من كافكا إلى ميلينا :تتوهمين ! فلن تستطيعي البقاء إلى جانبي مدّة يومين.. أنا رخو أزحف على الأرض. أنا صامت طول الوقت،انطوائيٌّ، كئيبٌ، متذمرٌ، أنانيٌّ وسوداويّ، هل ستتحملين حياة الرهبنة، كما أحياها؟ أقضي معظم الوقت محتجزا في غرفتي أو أطوي الأزقَّة وحدي، هل ستصبرين؟".
"أنا غير نقي يا ميلينا، أنا غير نقي بتاتا، وهذا هو السبب الذي جعلني أصرخ من أجل النقاء، لا أحد يغني بنقاء كما يغني أولئك الذين يسكنون أعماق الجحيم".
"في كُل مرة كنا نختلف فيها كان الحبُ حاضرًا، فتتحول شجاراتنا إلى ضحكات، إلى أحضان ربما، لكن في آخر خلافٍ دار بيننا لم يكن الحبُ حاضرًا لينقذنا، غاب الحبُ فاِنتصر المنطق تبادلنا العتاب بطريقة مُؤذية ثم تبادلنا الصمت فلم نعد كما كُنا وربما لن نعود".
"نصحتك بالأمس بعدم الكتابة إليّ يوميًا، وما يزال هو ما أراه اليوم وسوف يكون هذا خيرًا لكلينا، ومرة أخرى أعود إلى هذا الاقتراح اليوم، وفوق ذلك فإنني أطلبه بمزيد من الإلحاح، لكن أرجوك يا ميلينا ألّا تلتزمي بهذا الاقتراح، بل اكتبي إلي يوميًا، على الرغم من ذلك، قد تكتبين في اختصار شديد، رسائل أقصر من الرسائل التي ترسلينها إلى الآن، سطرين فقط، أو سطر واحد، المهم هو أن حرماني من هذا السطر الواحد، سيكون معناه عذابي الرهيب".
ردود ميلينا على رسائل كافكا
أتلفت الكثير من الرسائل التي أرسلتها ميلينا إلى كافكا وقد وصل إلى العربية نماذج قليلة جدًا من رسائلها.
هل فرانز كافكا انتحر؟
لا، لم ينتحر وإنما توفي بسبب مرض في الرئة في مصحة الدكتور هوفمان في كيرلينغ بالقرب من فيينا عام 1924 وكان عمره حينذاك 41 عامًا فقط.