فؤاد عليوان: عالمنا افتراضي وسقط العالم الواقعي منا سهواً
جال فيلم "عصفوري" مهرجانات عالمية عدة، قبل ان يحطّ أخيراً في بيروت حيث يبدأ عرضه في الصالات التجارية بدءاً من اليوم. الفيلم كان عُرض العام الفائت ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان دبي، كما قُدم خلال "ايام بيروت السينمائية". من خلال قصة الشاب كريم، الذي عايش الحرب في طفولته ومراهقته، وشهد على عملية إعادة الاعمار، نطلع على مصائر سكان مبنى مهدد بالهدم، بمختلف طوائفهم والى العلاقات الاجتماعية قبل العرب وما آلت إليه بعدها. في حيّ الصنائع، مقابل الحديقة العامة حيث أحداث الفيلم، كان معنا لقاء مع المخرج حول فيلمه الروائي الطويل الاول.
بعد سلسلة من الافلام القصيرة التي اخرجها، انتقل عليوان الى مشروع كتابة وإخراج "عصفوري" عندما شعر أنه مستعد لهذه التجربة. وبدأت فكرة الفيلم تتبلور عندما عاد من الخارج في تسعينات القرن المنصرم. يتذكر: "كانت بيروت في ذلك الوقت تعيش حلم إعادة الاعمار. ولكن ذلك كان مجرّد حلم. دخلنا في الألفية الجديدة، وبدأت التظاهرات، وانقسم البلد. الفيلم يتحدث عن هذه القصة. فالبلد مُشتَّت مثل الفيلم. هذه هي لغته. قصدي كان أن أضيّع المشاهد، وأجعله يحبّ لحظات ويقسو على أخرى ويتساءل ماذا يفعل هذا المجنون؟".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بالنسبة الى اختيار عنوان الفيلم "عصفوري" والذي يمكن أن يكون موضوعاً لتفسيرات مختلفة، يقول المخرج: "اكتشفت أن العصفوري كانت لغة محكية أيام العثمانيين، لكي لا يفهم الاتراك ما يقوله اللبنانيون. هي لغة خاصة مشفّرة. العنوان يشير أيضاً الى العصفورية التي نعيش فيها. ويمكن أن نفكّر ايضاً بمثل الطيور على أشكالها تقع. الناس ليسوا قادرين على التحدّث بلغتهم، فأدخلوا اللغة في العتمة والبلد كذلك. ونتساءل لمَ ليس هناك من نور أو من كهرباء؟ فلينظّم الناس تظاهرة انسانية وليجدوا حلّاً! أقول عبر هذا الفيلم انني لست راضياً. الامل الذي كنا نفكر أنه موجود لم يعد هناك. الامور أصبحت فردية جداً. وذلك يؤدي الى نوع من الانعزالية والوحدة، التي هي ليست بأمر عظيم. في النهاية، لماذا يعيش البشر بعضهم مع بعض إذا كانوا خائفين من بعضهم؟ عواطفنا كلها منصبّة في العالم الافتراضي اي الانترنت. العالم الافتراضي أصبح عالمنا، وسقط العالم الواقعي منا سهواً. يجب أن ينظر المرء الى فيلمي من هذا المنظار. إن نظر اليه بطريقة مختلفة، فلن يرى شيئاً".
يتمحور الفيلم كلّه حول المبنى المهدد بالانهيار في وسط فوضى إعادة الاعمار. هذا المبنى استعارة وشخصية رئيسية في الفيلم. بالنسبة الى عليوان: "البناية استعارة. هي البناية البيروتية التقليدية التي تعود هندستها الى فترة العشرينات عندما كانت بيروت مرتاحة مع مساحتها ومع مجتمعها ومع جيرانها. الفضاء والمكان كانا مناسبين للعلاقات. كانت هناك شرفات تتحدث النساء عبرها، وشبابيك كبيرة وأدراج مفتوحة على الشارع، وكان السكان يعيشون في طمأنينة. كانت البناية تمثّل الجنة. وفي لحظة، ينقطع التيار ويظهر مقنّعون باسم الثورة فتصبح شاهدة على الحرب كلها. الفيلم ليس عن الحرب، ولكن يملك علاقة شخصية مع ماضي الحرب. الشريط يركّز أكثر على الوقت الحاضر. بيروت التسعينات والتي يراها كريم (الشخصية الرئيسية) من وجهة نظر ورشة إعادة إعمار المدينة العظيمة، وأيضاً يري كيف دخل عليه الـ"خليلان" الى شقة فيروز المرأة الشقية المتبرجة، وزوجها المسرحي اللبناني الذي دخل في سراديب الحرب ولم يخرج منها. والبناية تُباع وتُشرى في فترة ما بعد الحرب. فرأى الوطن بصورتين متوازيتين. ما فعلوه هو أنهم وضعوا أسلاك كهرباء فحسب. هذا البلد يملك ما هو جميل جداً، وفي الوقت عينه يمكن أن يُخرَب بلحظة واحدة ويصبح بشعاً جداً. هي علاقة شائكة والفيلم شائك. يتعلم أن يمشي مثل كريم في الفيلم يتسلق ويمشي".
أما في ما يتعلّق بإدارة ممثليه، فقد اتبع عليوان طريقته الخاصة التي تعطي نوعاً من الحرية للممثل، شارحاً: "التصوير جرى على نحو ساحر الى حدّ لم يشعر الممثلون أنهم يمثلون حتى. الحرية هنا بمعنى التناغم وليس بمعنى الفوضى. لم أكن ديكتاتوراً، بل أنا أركّب مختبراً، من الديكور الى السيناريو الى الانتاج... ثم أتكلّم مع الممثل عن الدور. نتكلم بظرف الدور وبتفاصيل هذه الحركة وتلك ولمَ تعثّر مثلاً في هذا المشهد تحديداً؟ أعطيه الخطوط العريضة، وأتركه يلعب في فضائه، وأراقبه في الوقت عينه. هذه علاقتي مع الممثل. علاقة فكرية وفنية، ويهمني كثيراً أن يكون الممثل مصمماً لرقصة دوره. الاخراج يتعلّق أولاً بإدارة الممثل. أنا افتخر بممثليّ، هذا امر اكيد والامر متبادل. وهم يحبون ان يتعاملوا معي مجدداً. مجدي (مشموشي) قال لي إنه شعر في فيلمي أنه حقاً في مكانه ممثلاً. وترشح في مهرجان لندن لجائزة أفضل ممثل. على أي حال، حصلنا على 5 ترشيحات في مهرجان لندن". ويضيف من جهة أخرى: "ليس هناك تقدير في بلادنا لأن فيه الكثير من الترف. بالعواطف والافكار والاكل. ليس هناك شيء جدي، ليس هناك لحظة تأمل في ما نراه. عندما كنت أصوّر الفيلم، سقطت الحكومة، وعمّت الفوضى في البلد. بعد الانتهاء من التصوير بساعة، غادرت المكتب وعدت لأرى أنه مسروق! لو لم أكن قد صنعت نسخة أخرى، كنت لأخسر الفيلم... هذا البلد هكذا، يجب أن تصنعي نسختين من كل شيء".
لا يخفي عيلون في النهاية أنه لا ينتمي الى مدرسة مخرجي افلام المؤلف الذين لا يهمهم ألا يشاهد فيلمهم سوى شخص أو شخصين: "أنا مع سينما المؤلف ولكن التي تتوجه الى الجمهور. أنا أصنع فيلماً للجمهور اولاً ليصبح لي. إذا لم يكن للجمهور أولاً، فلن يكون الفيلم الذي أريده".
أعجبك هذا الخبر؟ لمعرفة المزيد من أخبار المشاهير على بريدك اشترك في نشرة ليالينا الإلكترونية