مراحل الغزل عند العرب
للحُبِّ في اللغة العربية درجات؛ فليس الهوى مثل الصبوة، ولا الهيام، مثل الغرام، حيث أنَّ كلَّ لفظة تعبِّر عن مرحلة من مراحل الحُبّ، ومِن الحبِّ منابعُ الغَزَل، الذي له درجاته أيضاً.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
فليس الغزل العُذري، واشتياق الروح للروح، كمثل الغزل الإباحي، أو الشعر عن الغزل الحسي، أو ما يسميه البعض الغزل الفاحش! وشوق الجسد إلى الجسد، إلا أنَّ القصيدة قد تجمعهما معاً، لا سيما في الشِعر الحديث.
عرف العرب الغزل على مرحلتين رئيسيتين
أما الغَزَلُ؛ فقد عرفه العرب مع معرفتهم للشعر، واستهلوا به قصائدهم، لكن دلالاته، وأدواته، إضافة إلى مواضيعه، ومفرداته، اختلفت من زمنٍ إلى زمن، كما اختلف الشِعر كلُّه بين مرحلة تاريخية، وأخرى، شكلاً، ومضمونا.
فيذكر حنا الفاخوري في كتابه (تاريخ الأدب)، أن أعمدة الغزل "تطورت في العهد الأموي بشكل أساسي"، حيث أصبح للغزل قصائد مستقلة بذاتها، كما أنَّ لتطوره هذا مرحلتان أساسيتان:
الغزل البدوي
المعروفِ أيضاً بالغزل العفيف، أو الغزل العُذري، ومن أبطاله جميلُ بثينة، الذي اشتهر بشِعر الاشتياق، والغرام لابنة عمه بثينة، إضافة إلى مجنون ليلى، قيس بن الملوح، وشاعرة الغزل ليلى الأخيلِيَّة، حبيبةُ توبة بن حُمير.
حيث امتاز شِعر هذه المرحلة، بالتزام كل شاعر بحبيبٍ واحد، وهبهُ كلَّ قصائده، فضلاً عن امتياز القصيدة بالحشمة، التي تُمليها معاني الحبَ، والوجد، كذلك مفردات الاشتياق الروحي.
كما أنَّ هذا الغزل لم يتعلق بأوصاف الجسد، أو الوصال الجسدي، بل كان موضوعه دائماً اتصال العيون بالعيون، وفداء الحبيب بالغالي والنفيس، إضافة إلى ندب الفراقِ، وحتى الرثاء أحياناً، بإظهار الحزن على الحبيب الميت، وذكر محاسن صفاته.
فالقول إذاً؛ أنَّ هذا الشِعر كان وصفاً للخصال المعنوية في الحبيب، لم يمرَ فيه وصف الجسد بغاية جنسية، ونذكر من أبيات الغزل البدوي قول جميلِ بثينة:
فلو أرسَلتْ يَوماً بُثينةُ تَبتَغي يَميني، وإنْ عَزَّتْ عَليَّ يَميني
لأعطيتُها ما جاءَ يَبغِي رَسولُها وقلتُ لها بَعدَ اليَمينِ: سَليني
الغزل الحضري
وهو على العكس تماماً من الغزل البدوي، إنَّه النقيض المتكامل، حيث لم يلتزم شعراؤه بحبيبة بعينها، كما أنَّهم خلعوا عن القصيدة ثوبَ حشمتها، فصار الغزل عندهم للأجساد الملاح، خالياً من العاطفة إلا ما اقتضاه الشكل العام للقصيدة.
ولهذا النمط من الشِعر أسماء كثيرة، منها المدني، أو الحضري، إضافة إلى تسميته الغزل الحسي، أو الغزل الصريح، المباشر.
حيث تدل هذه التسميات على محتوى قصيدة الغزل الحضري، التي بالغت في وصف الجسد، والإشارات الجنسية، لكنَّها لم تبلغ مبلغاً يجعلها محظورةً تماماً، حيث حافظ شعراؤها على المجاز، والرمز.
الغزل والحب العذري
من بين الأخطاء اللغوية الشائعة، إرجاع مصطلح الغزل العُذري إلى عذرية الأنثى، من منطلق أن حبيبها لم يدخل عليها خِدراً، ولم يرفع عنها سِتراً.
لكن الحقيقة في ذلك، أن كلمة (عُذري) مشتقةٌ من اسم قبيلة (عُذرة أو عٌذري) التي سكنت وادي القرى قرب المدينة المنورة.
واشتهر فيها شعراء الحبِّ الملتزمون، منهم جميل بثينة العذري، كما أنَّ منهم الصحابي إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، أما عذرية الأنثى (عذراء) فقد قال العرب "رملة عذراء" أي لم تُطأ بقدم.
والحشرة العذراء هي التي تخطت مرحلة الشرنقة، قبل أن تكتمل، لتصبح حشرة يافعة (بالغة) بعد الخروج من عذريتها، كما قالوا درَّةٌ عذراء أي غيرَ مثقوبة.