عقوبة جماعية؟.. النمسا تحرم طالبي اللجوء من التأهيل المهني
حتى قبل بضعة أيام، كان يُسمح لطالبي اللجوء في النمسا والذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً بالحصول على فرصة للتأهيل المهني (Lehre) بحسب قانون أصدرته الحكومة النمساوية السابقة عام 2012، إلا أن الحكومة الائتلافية الحالية بين يمين الوسط واليمين الشعبوي قررت إلغاء هذا القانون، لتحرم بذلك طالبي اللجوء من إمكانية الحصول على تأهيل مناسب لدخول سوق العمل.
وقال زعيم حرب الحرية النمساوي (FPÖ) اليميني الشعبوي هاينز-كريستيان شتراخه، الذي يشغل منصب نائب المستشار النمساوي، إن الحكومة لن تسمح لطالبي اللجوء بعد اليوم ببدء أيّ نوع من أنواع التدريب المهني، مضيفاً في حديثه الصيفي للتلفزيون النمساوي: "فقط اللاجئون المعترف بهم والذين لديهم إمكانية للبقاء في البلاد يمكنهم البدء بالتأهيل المهني". أما بالنسبة لطالبي اللجوء الذين بدأوا مسبقاً بالتأهيل المهني فستسمح لهم الحكومة النمساوية بإكمال تدريبهم، كما قال شتراخه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وبحسب مكتب خدمات العمل في النمسا (AMS) فإن 1023 طالب لجوء قد استفادوا من فرص التأهيل المهني منذ عام 2012. لكن نصف طالبي اللجوء أولئك مهددون بالترحيل بعد إكمال تدريبهم، وفقاً لتصريحات وزير الاندماج في ولاية النمسا العليا رودي أنشوبر.
انتقادات متتالية
وقد أثار قرار الحكومة هذا سيلاً من الانتقادات، ووصفه زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي كريستيان كيرن بـ "الفارغ". وقال كيرن للتلفزيون النمساوي: "إنه (القرار) يلحق الضرر بالاندماج وبالاقتصاد قبل كل شيء"، مضيفاً أن النمسا "تحتاج إلى مزيد من المتدربين في مجالات المطاعم والفنادق والسياحة".
كما سارعت المنظمات الحقوقية التي تُعنى بمساعدة طالبي اللجوء إلى توجيه انتقادات شديدة اللهجة لقرار الحكومة، معتبرة أنه لا يجوز للحكومة أن تحرم الشبان طالبي اللجوء من التدريب المهني ولا سيّما أن حصولهم على الإقامة في البلاد دونه يستغرق أحياناً أكثر من عامين.
وقال مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في النمسا إن هذا القرار "سيعني بالنسبة إلى شبّان كثيرين المراوحة في مكانهم طوال أعوام"، مضيفاً أن: "الحصول على التعليم والتأهيل المهني هو استثمار في المستقبل".
بدورها انتقدت منظمة كاريتاس، التابعة للكنيسة الكاثوليكية والتي تتمتّع بنفوذ واسع، القرار "الخاطئ إنسانياً واقتصادياً"، مشدّدة على أنه "حتى وإن لم يحصل المرء على الإقامة فإن تعلّم شيء ما هو أمر مهم".
"عقوبة جماعية"
ويرى المختص بشؤون الاندماج في النمسا سليمان محمود أن هذا القرار سيدخل طالبي اللجوء في النمسا في "مرحلة عطالة"، ويتابع في حوار مع مهاجر نيوز: "بسبب المدة الطويلة التي يستغرقها البت في طلبات اللجوء في النمسا في كثير من الأحيان، فإن هذا القرار يحتّم على طالبي اللجوء قضاء وقت طويل دون القيام بعمل نافع بدلاً من استغلال ذلك الوقت في التدريب والاندماج".
أما اللاجئ العراقي في النمسا حسام الجنابي، فيرى أن القرار "يزيد الطين بلة" بالنسبة لطالبي اللجوء بشكل عام، بل ويصفه بـ"عقوبة جماعية" لطالبي اللجوء العراقيين. ويقول الجنابي لمهاجر نيوز: "إذا كنتُ أنا لاجئاً معترفاً بي في النمسا وأعاني للحصول على فرصة للتدريب المهني، فماذا ستقول عن وضع طالبي اللجوء الذين يقضون سنوات دون الحصول على جواب لطلبات لجوئهم، وها قد حرموهم حتى من فرصة للتدريب المهني، رغم صعوبة الحصول عليها!".
من جانبه يعتقد اللاجئ السوري عدنان الديبو، المقيم في النمسا، أن هذا القرار سيؤثر على نفسية طالبي اللجوء وبالتي على رغبتهم بالاندماج في المجتمع النمساوي.
"صرف النظر عن الفضائح"
ومنذ أن تسلّمت الحكومة الائتلافية بقيادة المستشار المحافظ سيباستيان كورتس السلطة في نهاية عام 2017، تزيد الحكومة من التضييق على طالبي اللجوء واتخاذ إجراءات مشدّدة بحقهم، بدءاً من خفض المساعدات المخصّصة لهم وحتى تقليص ميزانية الإجراءات الرامية لمساعدتهم على الاندماج في البلاد.
وقد انخفض عدد طالبي اللجوء إلى النمسا بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، حيث بلغ 8264 شخصاً خلال الأشهر السبع الأولى من هذا العام، بعد أن وصل إلى حوالي 89 ألف شخص في عام 2015، بحسب بيانات وزارة الداخلية النمساوية.
ويشير سليمان محمود إلى أن هذا القرار هو رسالة أخرى من الحكومة النمساوية التي وصلت إلى السلطة عن طريق خطابها المعادي للاجئين بأنها مستمرة في تطبيق وعودها التي قطعتها للناخبين.
أما الإعلامي أحمد مراد المهتم بالشأن النمساوي فيربط بين توقيت إصدار القرار من قبل الحكومة النمساوية والانتقادات التي تواجهها الحكومة بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى النمسا، ويضيف لمهاجر نيوز: "تريد الحكومة أن تصرف نظر الرأي العام في النمسا عن فضائحها عن طريق التركيز على اللاجئين مرة أخرى".
وكانت زيارة بوتن إلى النمسا لحضور حفل زفاف وزيرة الخارجية النمساوية، قد أثارت انتقادات واسعة، خصوصاً وأنها جاءت وسط قلق غربي من التعاون الاستخباراتي بين روسيا والنمسا بعد شبهات بمحاولة التأثير على وكالات الاستخبارات النمساوية.
محيي الدين حسين
المصدر: