عبور صربيا.. "كلما ازداد الطريق صعوبة ازدهر عمل تجار البشر"

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: الجمعة، 04 نوفمبر 2022
مقالات ذات صلة
فيديو يكشف متسول محتال نسي إعاقته عند عبوره الشارع
فيديو كليب: كلمة السر في عبور النجوم لعالم الشهرة
مدرب الهلال: هدفنا العبور لنهائي كأس السوبر السعودي

"يستحيل العبور من دون مهرب، السياج مرتفع ومراقب ودوريات الحرس منتشرة بكثرة"، هذه النتيجة التي توصل إليها باسم* بعدما أمضى 12 شهرا شمال صربيا، متنقلا بين مخيمات رسمية مكتظة رديئة البنى التحتية وبيوت مهجورة في القرى الحدودية، متربصا فرصة العبور إلى هنغاريا ومنها إلى دولة أوروبية "تحترم حقوقه" حسب تعبيره.

صربيا، تحولت إلى نقطة مركزية على طريق البلقان، يوجد فيها حاليا 10 آلاف مهاجر وصلوا إليها بعد رحلة عبور لا تزال بعيدة من نهايتها، وتقطعت بهم السبل في المناطق الحدودية لا سيما مع الإجراءات المتشددة التي تتخذها السلطات الأوروبية للحد من أعداد الوافدين إليها، وتشييد هنغاريا سياجا يغطي حدودها المشتركة مع صربيا والممتدة على طول 175 كيلومترا.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

مخيمات رسمية مكتظة.. "المهربون يسرحون في كل مكان ويفعلون ما يشاؤون"

في مدينة سومبور الحدودية يعيش باسم منذ أشهر طويلة، يشير بيده باتجاه أرض ترابية محاذية لبوابة حديدية سوداء تشكل المدخل الرئيسي للمخيم الرسمي التي تديره السلطات الصربية، "ننام هنا في الخارج، لا توجد أماكن داخل المخيم"، يومئ برأسه مستهزئا "على كل حال لا يتوفر شيئا من أساسيات الحياة حتى في الداخل، لا توجد سوى أربعة صنابير مياه والحمامات غير صالحة للاستخدام".

يقترب منه صديقه بخطوات متسارعة مقاطعه "هيا لنبتعد قليلا من هنا"، يتلفّت الشابان السوريان حولهما بينما تزدحم سيارات الأجرة حول المخيم، منها من تحمّل شبابا معهم حقائب ظهر صغيرة وبعضها تنزل وافدين جدد تقفز أعينهم متسارعة لتفقد أرجاء المكان. يقول الشاب العشريني "لدينا مشاكل كثيرة، ولا نريد جعل الأمور أكثر تعقيدا وإغضاب المسؤولين عن المخيم أو بعض المهربين المتواجدين هنا"، يبدو القلق واضحا على وجهه حريصا على ألا يتكلم بصوت مرتفع، "نتعرض للكثير من الابتزاز هنا، يطلب منا الموظفون أحيانا القيام بأعمال تنظيف مرهقة من أجل الحصول على الطعام. والمهربون يسرحون في كل مكان، يفعلون ما يشاؤون". ورغم أن مخيم سومبور يعد مركز استقبال رسمي، إلا أنه يعاني من اكتظاظ شديد، إذ لا تتجاوز طاقته الاستيعابية 200 مكان، فيما تصل أعداد المقيمين داخله وحوله إلى 800 مهاجر، بينهم قاصرين وعائلات مصحوبة بأطفالهم.

باسم البالغ من العمر 30 عاما، أنفق أربعة آلاف يورو ثمن رحلة العبور من تركيا إلى صربيا مرورا باليونان ولم يعد قادرا على دفع المزيد، "طلب مني المهرب ألفي يورو لعبور السياج، لكني لا أقوى على دفع هذا المبلغ من المال". وخلال الأشهر الماضية حاول الشاب مرارا تجنب السياج الحدودي والمرور عبر المثلث الحدودي من صربيا إلى رومانيا ومنها إلى هنغاريا، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل.عبور صربيا.. إذلال وعنف متزايد على الحدود الأوروبية

فريق مهاجرنيوز التقى بعشرات الشباب الذين تقطعت بهم السبل قرب المثلث الحدودي، تقاطعت شهاداتهم حول العنف المتكرر الذي يتعرضون له على يد حرس الحدود الروماني والهنغاري. وبعد كل محاولة عبور فاشلة يعودون إلى القرى والمدن الحدوديةحيث يعيشون تحت ظروف متدهورة في مخيمات رسمية تديرها الحكومة الصربية بتمويل أوروبي، يبلغ عددها في مختلف المدن 19 بطاقة استيعابية قصوى لحوالي ستة آلاف شخص، لكن أغلبها تبعد عن الحدود وهي عاجزة أساسا عن توفير أساسيات الحياة للمهاجرين. وبحسب تقديرات المنظمات المحلية، يعيش أكثر من أربعة آلاف مهاجر مشردين ضمن تجمعات عشوائية بين الغابات أو في بيوت مهجورة على أطراف القرى الحدودية.

"أتقاسم الأموال مع المهرب المسؤول عني.. أريد تمويل رحلة عبوري"

إلى جانب الدكان الوحيد الملاصق لمخيم سومبور، تتبادل مجموعة شباب مستجدات طريق التهريب ونقاط العبور، يمسك حسن* بهاتفه المحمول يتأمل خريطة جوجل، فيما يشاور صديقه عن الوقت الأفضل لتجنب دوريات الحراسة على الحدود.

في ظل هذه الظروف المعيشية المتدهورة وبعد إنفاقه كل مدخراته، حسن شاب سوري يبلغ من العمر 22 عاما وجد نفسه أمام خيارين، إما البقاء عالقا في المخيمات الحدودية أو تدبير المال بطريقة ما، فتعرّف على أحد المهربين الذي قدم له "فرصة تمكنه من تمويل رحلة العبور والخروج من صربيا بأسرع وقت ممكن"، حسب قوله.

بملامحه الطفولية وعينيه الصغيرتين، يفصح الشاب عن تفاصيل المهمة الموكلة إليه قائلا "أربح بعض المال مقابل إيصال مجموعة من المهاجرين إلى نقطة عبور قرب السياج الحدودي، بناء على تعليمات أحصل عليها من مهرب تعرفت عليه في هذا المخيم منذ حوالي شهر".

المال الذي يجنيه حسن يتقاسمه مع الشخص المسؤول عنه، فالعمل كمهرب يخضع إلى شروط وهرمية تنظيمية، "هناك شبكة مؤلفة من مجموعة مسؤولة عن إيصال المهاجرين إلى السياج الحدودي مع هنغاريا، وأخرى تتولى مهمة اجتياز السياج عبر وضع سلالم تعلو الأسلاك الشائكة وتسهل عملية العبور إلى الجانب الهنغاري، وهناك من يتولى إكمال باقي الطريق باتجاه النمسا أو التشيك".

عبور صربيا.. إذلال وعنف متزايد على الحدود الأوروبية

عبور صربيا.. مهاجرون يواجهون في بلغراد إنهاكا وخدمات شبه معدومة

يكمل حديثه مبررا "انظروا إلى حولكم، نحن هنا متروكين لنتدبر أمورنا بأنفسنا. سأواصل العمل حتى أتمكن من النجاة بنفسي"، فالشاب كان أمضى الأعوام الأربعة الأخيرة في تركيا، لكن "لا مستقبل ولا أمان هناك". وقرر أخيرا خوض رحلة العبور آملا باللجوء إلى النمسا عبر طريق البلقان والانضمام إلى أخيه، مضيفا "استدنت أموالا للوصول إلى هنا ويجب أن أدفع ما يترتب عليّ وأجمع ما أجتاحه لمواصلة الرحلة".

شارك حسن بعمليات التهريب مرتين خلال الشهر الماضي، "المجموعة المسؤولة عني تأخذ نسبة حوالي 20% من المبلغ الإجمالي الذي يدفعه المهاجر، ومن ثم نتقاسم المبلغ فيما بيننا كلا بحسب مهمته". ويشير حسن إلى أحد الطرق المؤدية إلى المدخل الرئيسي، حيث توجد سيارات أجرة موضحا، "تبدأ رحلة التهريب من هنا. فالسيارات تقل المهاجرين إلى موقع متفق عليه قرب الحدود الهنغارية، ومن هناك أبدأ عملي بمرافقة المهاجرين".

مجموعات مسلحة وأموال طائلة

الشرح المبسط الذي كشف عنه حسن لمهاجرنيوز خلفه الكثير من التعقيدات والارتباط بمجموعات مختلفة من تجار البشر، لديهم أسلحة مختلفة يحصلون عليها عبر شبكات نشطة في دولة كوسوفو المجاورة، حسبما كشفت مصادر متقاطعة لفريق مهاجرنيوز. يربح رؤوس هذه المجموعات ملايين اليورو، ويوظفون أشخاصا من مختلف الجنسيات تنشط في مواقع مختلفة للتحكم بطرق التهريب.

في مدينة سوبوتيكا المجاورة، يوجد مخيم رسمي آخر يعيش فيه المهاجرون، المتحدرون بشكل رئيسي من أفغانستان، ظروفا معيشية مشابهة لتلك التي في سومبور، وفيما يقف محمد خلف سور المخيم برفقة اثنين من أصدقائه، يشرح الشاب البالغ من العمر 17 عاما، أن محاولة عبور السياج بشكل فردي ينضوي على مخاطر عدة، "عدا عن عنف حرس الحدود والسياج المرتفع، هناك مجموعات تابعة للمهربين إذا عثرت عليك تحاول العبور وحيدا، فستقوم بضربك ومنعك من إكمال طريقك".

تقاطعت شهادات لمهاجرين آخرين جميعها تشير إلى سطوة المهربين المتزايدة وسيطرتهم على طرق التهريب، إضافة إلى تحكمهم الواضح داخل المخيمات الرسمية وفي التجمعات العشوائية على حد سواء.

يشتكي محمد من صعوبة الحياة اليومية وعدم قدرتهم على الاستحمام أو الحصول على الرعاية الصحية، يقترب صديقه فيما يلف رأسه برباط قماشي، "أشعر بالمرض منذ أيام عدة ولم أتمكن من معاينة أي طبيب، لا يوجد شيء يتوفر لنا هنا وننام في العراء. ورغم وجود أسرّة في أحد المهجعين هنا، إلا أن مجموعات من المهربين هي التي تسيطر على المكان وتقرر من يدخل ومن ينام".

انعدام الأمان في المخيمات الرسمية والخوف المتزايد من شبكات المهربين

خلال لقائه مع مهاجرنيوز، نبه رادوس مدير منظمة "الحماية في مراكز اللجوء"، من تردي الحال في المخيمات الرسمية مشيرا إلى أن المهربين يسيّرون أعمالهم في المخيمات التي من المفترض أن تكون تحت إدارة السلطات وتؤمن الحماية لطالبي اللجوء، قائلا "هناك شعور عام ومشترك لدى المهاجرين بانعدام الأمان والخوف المتزايد من شبكات المهربين".

الشهر الماضي، اندلعت اشتباكات مسلحة بين مهربين في إحدى التجمعات غير الرسمية على أطراف قرية مجاورة، خلفت قتيل وستة جرحى، بحسب تقارير إعلامية محلية.

تتكرر ضمن شهادات المهاجرين التي تمكن فريق مهاجرنيوز من جمعها، الاتهامات الموجهة إلى عناصر من حرس الحدود الهنغاري والصربي بكونهم على علم بنشاط المهربين وأساليبهم. يقول شاب سوري (تتحفظ إدارة التحرير عن ذكر تفاصيل حول شخصيته)، "شهدت على عبور مجموعة من المهاجرين برفقة مهرب مسلح، وضعوا السلالم ومروا بسلاسة تحت أنظر حرس الحدود الهنغاري، وكأن شيئا لم يكن... بينما نحن حينما نحاول العبور ينهالون علينا بالضرب وكأننا حيوانات".

"العنف ضد المهاجرين يجعلهم "أكثر هشاشة وعرضة للابتزاز"

كشفت تحقيقات نشرها موقع "Balkan Insight" في حزيران/يونيو الماضي، عن تورط أحد المترجمين الموظفين لدى "مفوضية اللاجئين والهجرة" (التابعة للحكومة الصربية) بالاتجار بالبشر وانخراط أعضاء من الشرطة الصربية بشبكات التهريب.

الحكومة الصربية أكدت من جهتها على "جهودها لمحاربة وتفكيك شبكات التهريب"، معلنة عن توقيف واعتقال مهربين أثناء تفكيك مخيم عشوائي للمهاجرين مطلع الشهر الجاري في قرية سبرسكي كرشتر.

المتطوعة بيتي في جمعية "كولكتيف أيد" التي تقدم الدعم للاجئين، تنتقد سياسة "إغلاق الحدود" التي تنتهجها السلطات الأوروبية لا سيما بعد تشييد السياج الحدودي بين صربيا وهنغاريا، معتبرة أن العنف ضد المهاجرين يجعلهم "أكثر هشاشة وعرضة للابتزاز من قبل المجرمين وتجار البشر".

مدير منظمة "كليكاكتيف" يشارك بيتي بالرأي معتبرا أنه "كلما كان الطريق أصعب، كلما ازدهر عمل المهربين"، مشيرا إلى أنه من خلال عملهم وتقديمهم المساعدة للمهاجرين على مدى السنوات الستة الماضية ينبه من عدم قدرة الأشخاص الذين يمرون عبر صربيا الوصول إلى أية خدمات رسمية، "وليست لديهم حتى مجرد معلومات عن حقوقهم"، ما يجعلهم "فريسة سهلة" لشبكات التهريب.

في قرية سبرسكي كرشتر، حيث فككت الشرطة أحد التجمعات العشوائية في الغابات الحدودية، يعتبر الرجل الستيني بيكا، وهو أحد سكان القرية ويعمل كحارس في الغابة أن السياج الحدودي "كارثة"، ورغم أنه قد يكون "عطّل عمل المهربين المحليين الصغار في المنطقة، إلا أنه أدى إلى تشتت المهاجرين في تجمعات عشوائية تحت حراسة مهربين يأتون من مختلف الجنسيات، لا سيما وأن المهاجرين باتوا يبقون مجبرين على البقاء لفترات أطول غير قادرين على التحرك سوى بالتنسيق مع المهربين".

تتخوف المنظمات غير الحكومية من تدهور جديد للوضع "وازدهار جديد لعمليات التهريب، لا سيما مع بدء تشديد الرقابة على نقاط دخول المهاجرين إلى صربيا عبر حدودها الجنوبية المشتركة مع مقدونيا الشمالية، إذ أعلنت وكالة حرس الحدود الأوروبية "فرونتكس" توقيع اتفاقيات جديدة مع دول غرب البلقان لإدارة الحدود.

دانا البوز، موفدة خاصة إلى شمال صربيا

مهاجر نيوز