عبد الله بن عمر.. الصحابي السائر على درب أبيه
كان عبد الله بن عمر بن الخطاب من أكثر الصحابة رواية للحديث، وكان من المتقين الزاهدين، وأكثر الصحابة اتباعًا لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فيُصلي في كل مكان صلى فيه، فتاريخه مشرق مجيد، وله مواقف عظيمة في زمن الفتنة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حياة عبد الله بن عمر ونشأته
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل صحابي جليل من المكثرين في رواية الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وشهد معه عددًا من المشاهد ولد سنة 10 قبل الهجرة في مكة المكرمة.
هو ابن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب الخليفة الثاني، وأمه هي زينب بنت مظعون، وأخته هي حفصة بنت عمر الزوجة الرابعة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أسلم عمر في مكة مع أبيه في سن صغير، وهاجر معه إلى المدينة المنورة وصحب النبي والتف حوله، وكان يحب الجهاد في سبيل الله.
لما هم المسلمون للخرج إلى غزوة بدر تطوع للقتال في سبيل الله، ولكن رده رسول الله لصغر سن، ولما تكرر الأمر في غزوة أحد رده الرسول أيضًا، ولما كان عمره 15 عامًا شارك في غزوة خندق وكانت أول غزوة يشارك فيها.
وبعد غزوة خندق شارك في كل المشاهد مع النبي، فشهد البيعة، وفتح مكة، وغزوة مؤتة، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم شارك في فتح الشام، والعراق، ومصر، وفارس، وإفريقيا، وحضر معارك اليرموك، وأذربيجان، ونهاوند.
وبعد تلك الفتوحات عاد عبد الله إلى المدينة المنورة، ولما عرض عليه الخليفة عثمان بن عفان أن يتولى القضاء اعتذر، وكان أول من دافع عن عثمان وقت الفتنة، وتقلد سيف أبيه ودافع عنه يوم الدار.
لعبد الله من الولد اثني عشر، ومن البنات أربع بنات، وتزوج من أربع نسوة، وهن صفية بنت أبي عبيد أم عمر، وحفصة، وأم علقمة أم عبد الرحمن، وأم ولد أم عبيد الله، وسالم، وأم زيد.
موقفه من الخلافة والفتنة
كان عبد الله بن عمر من المعرضين عن المشاركة في أحداث الفتنة خوفًا من إراقة الدماء، فبعد مقتل عثمان رضي الله عنه رفض طلب علي بن طالب أن يكون أميرًا على الشام، وخرج إلى مكة، ولم يشارك مع علي في أي من حروب الفتنة.
ولما اشتدت الفتنة أتوا إلى عبد الله وعرضوا عليه أن يتولى الخلافة، ولكنه رفض أيضًا خوفًا من أن يُراق الدم ظلمًا في خلافته.
وعلى الرغم من أنه كاد أن تنعقد البيعة له يوم التحكيم مع وجود علي وسعد بن أبي وقاص، ولكنه رأى أن حقن دماء المسلمين له الأولوية، واستمر على سياسة الحياد تلك طوال حياته، فكان يصلي خلف أي أمير يأتي إلى المدينة ويؤدي زكاة ماله.
رفض عبد الله أن يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي لأنه كان يؤخر الصلاة، ولما تولى يزيد بن معاوية الخلافة وبلغه الخبر، قال: "إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا".
ولما توفي يزيد تصدر عبد الله بن زبير للخلافة، فعارضه عبد الله ورأى أنه بغى على بني أمية، ووقتها دفعه مروان بن الحكم للخلافة، ولكنه رفض مرة أخرى، ولما اتفق الناس على مبايعة عبد الملك بن مروان بايعه عبد الله.
أخلاق عبد الله بن عمر وخصاله
اتباعه للنبي:
كان بن عمر حريص كل الحرص على اتباع سنة رسول الله والاقتداء بهديه، فكان يفعل ما يفعله النبي، ويصلي مثله، وكان يحفظ من النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل من حضر إذا لم يحضر عما قاله الرسول وما فعل.
ومن شدة اتباعه للنبي كان يهتم بالشجر التي نزل تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم، فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.
روايته للحديث:
كان بن عمر من أكثر الصحابة رواة للحديث بعد الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه، فروى عن الرسول 2630 حديثًا، وقد روي عن الكثير من الصحابة، منهم أبوه عمر بن الخطاب، وأبو بكر، وعثمان، وابن مسعود، وسعد وأخته حفصة، عائشة وغيرهم.
عبادته:
أيضًا كان بن عمر من عُبّاد الصحابة، فكان ينام في المسجد، ولا ينام من الليل إلا قليل، حيث رأى في المنام أن ملكين أخذاه وذهبا به إلى النار، وكانت مطوية كطي البئر، وفيها ناس يعرفهم، فقال في المنام أعوذ بالله من النار.
وقص هذا المنام على أخته حفصة فقصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل"، فكان عبد الله بعدها لا ينام الليل إلا قليلًا.
وكان بن عمر أشد الصحابة استقبالًا للكعبة، وكان يُحيي بين الظهر والعصر، وإذا فاتته صلاة العشاء في الجماعة أحيا بقية الليل، وعن بن شعبان أنه اعتمر ألف عمره، وعن بن مالك أنه حج ستين حجة.
زهده وتقواه وكرمه:
كان بن عمر زاهدًا، حتى أن كل شيء في بيته من فراش ولحاف لا يساوي مائة درهم، وكان يرفض الهدايا ويتصدق بماله دائمًا.
كان بن عمر من أهل التقوى والعلم والصلاح، فعن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إن عبد الله رجل صالح"، وكان مثل أبيه كثير البكاء حينما يسمع آيات النذير في القرآن.
وعلى الرغم أنه من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة لكونه تاجرًا أمينًا ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه، وإنما كان يرسله إلى الفقراء والمساكين والسائلين، وإذا أعجبه شيء من ماله تقرب به إلى الله تعالى.
واشترى بن عمر مرة بعيرًا فأعجبه ولما ركبه تصدق به لبيت المسلمين، واشترى مرة غلامًا بأربعين ألفًا وأعتقه، ووهب له أربعين ألفًا ليعيش به، واشترى مرة خمسة عبيد وصلى بهم، وسألهم لمن صليتهم؟ قالوا لله، فقال لهم: أنتم أحرار لمن صليتهم له.
وكان كثير الإنفاق، ففي أحد المجالس أتاه اثنان وعشرون ألف دينار فلم يقم من المجلس إلا وفرقها، وفي حياته أعتق ألف رأس وحبس ألف فرس.
علمه:
كان بن عمر من فقهاء الصحابة وأعلمهم بمناسك الحج، وأفتى المسلمون قرابة ستين سنة، وكان يؤم الناس بعد زيد بن ثابت، كما كان شديد الحذر في روايته عن الرسول، فكان يروي كما سمعه دون أن يزيد فيه أو أن ينقص، أيضًا كان شديد الحرص في الفتيا، فمرة سأله رجل عن مسألة ما، فقال له بن عمر: "لا علم لي بها".
وفاته
قبل وفاته تعرض له أحد رجال الحجاج فأصاب رجله فاندمل الجرح، فكان وقتها رجال الحجاج يحملون السلاح في حرم الله، وبعدها توفي في مكة في سنة 74 هـ، وقيل سنة 73 هـ، ومات وهو ابن أربع وثمانين سنة.
صلى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد وصّى قبل وفاته أن يُدفن خارج الحرم، حيث كره أن يدفن فيه بعد أن خرج منه مهاجرًا، ولكنه دُفن بمكة، وهو آخر من مات بمكة من الصحابة، وأصاب بالعمى قبل وفاته.