طيبة العلي لن تكون الأخيرة ـ كيف يمكن إنهاء العنف الأسري بالعراق؟

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: السبت، 18 فبراير 2023
مقالات ذات صلة
علي الطيب
بعد تعرضها للاختطاف.. من هي داليا نعيم باربي العراق؟
عاطف الطيب

جددت واقعة مقتل المدونة العراقية طيبة العلي على يد والدها الدعوات إلى ضرورة قيام الحكومة العراقية بسن قانون ينهي العنف الأسري ويحمي النساء من العنف.

وتعود خلفيات الواقعة إلى عودة طيبة علي (22 عاما) من تركيا لزيارة أقاربها في مسقط راسها في محافظة الديوانية. وهناك تعرضت للقتل من قبل والدها، الذي قام بخنقها في 31 يناير / كانون الثاني، حسب اعترافه للشرطة العرقية. لكن دوافع الجريمة مازالت غامضة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

كانت طيبة مدونة ومؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كانت تنشر مقاطع مصورة عن حياتها "الليبرالية" في تركيا، على موقع يوتيوب فيما كانت تخطط للزواج من صديق سوري.

وعقب مقتلها، نظمت ناشطات حقوقيات احتجاجا في بغداد للضغط على السلطات لتوفير حماية أفضل للمرأة وسن تشريعات تنهي العنف الأسري وتحمي النساء من العنف.

لكن في المقابل، طرح حقوقيون وحقوقيات فرضية مفادها إنه حتى لو كان في العراق قانونا ضد العنف الإسرى، هل كان كفيلا بإنقاذ حياة طيبة العلي وغيرها من الفتيات ممن وقعن ضحايا للعنف الأسري خاصة ما يعرف بـ" جرائم الشرف "؟

أجابت الصحافية العراقية خلود أحمد على هذا الطرح، قائلة "لا أعتقد أن القانون سيوقف العنف ضد المرأة في العراق بشكل كامل وإن كان قد يقلل وتيرة العنف ضد النساء". وفي مقابلة مع DW، أضافت "إذا علم الناس أنه سيتم معاقبتهم أو إذا عرفت النساء أن هناك أماكن يمكن أن تلجأ إليها في حالة تعرض حياتهن للخطر، فسيكون ذلك مفيدا. لكني في الوقت الحالي، أشعر أنه لا توجد عقوبات رادعة".

يشار إلى أنه لم يتم سن قانون في العراق يتحدث عن العنف الأسرى، لكنه هناك قوانين يرى المراقبون أنها تتيح لأي شخص يضرب أو يقتل إحدى قريباته، تجنب الملاحقة القضائية.

القانون يسمح بالعنف ضد المرأة

فعلى سبيل المثال، تنص الفقرة 398 من قانون العقوبات على أنه في حالة الاغتصاب الجنسي قد تسقط الدعوى إذا وافق المغتصب على الزواج من الضحية، فيما تنص الفقرة من المادة 409 من قانون العقوبات على أنه إذا قتل الزوج زوجته لأنه اكتشف أنها ارتكبت "الزنا" فإن الحد الأقصى للعقوبة هو السجن ثلاث سنوات.

كذلك، وتنص المادة 41/1 من قانون العقوبات العراقي على أنه "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق، تأديب الزوج لزوجته ... في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً".

مقتل طيبة العلي أثار الكثير من ردود الفعل، فقد أدانت بعثة الأمم المتحدة قي العراق الجريمة وطالبت الحكومة العراقية بإلغاء بعض بنود قانون العقوبات.

وفي ذلك، قالت رازاو صالحي، الباحثة المعنية بشؤون العراق في منظمة العفو الدولية، إن العراق "يفتقر إلى آلية إبلاغ مركزية وفعالة يمكن أن تستخدمها الضحايا والناجيات من العنف الأسري أو العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي".

وأضافت في مقابلة مع DW أنه في حالة رغبة المرأة في تقديم شكوى عن تعرضها لعنف أسرى أو ما شابه ذلك، فإن أمامها مكتبين فقط يمكن أن تقدم لهما الشكوى، لكن كلاهما "يفتقر الأساس القانوني". وقالت "النساء والفتيات اللواتي يذهبن إلى مراكز الشرطة للإبلاغ عن مثل هذه الحوادث، يتعين عليهن العودة إلى المنزل لأنه لا يوجد نظام إحالة مما يعني أن غالبية النساء لن يقمن بالإبلاغ بسبب الخوف من تداعيات ذلك، لذا يمكن القول إنه لا يوجد مكان يذهبن إليه".

يشار إلى أنه من الصعب الحصول على أرقام حقيقية بشأن جرائم العنف الأسري والجنسي في العراق، لكن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد قضايا العنف الأسري التي تحال إلى المحاكم في العراق تصل إلى حوالي 15 ألف حالة سنويا.

وفي حالة أن هذه الأرقام حقيقية، فإن معدل جرائم العنف الأسرى والجنسي في العراق – ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ نصيب الفرد من السكان - ليس مرتفعا في الواقع عند مقارنته ببعض الدول الأوروبية.

ومع ذلك، من المحتمل أنه لا يتم تسجيل الكثير من جرائم العنف الأسري والجنسي لعدد من الأسباب أبرزها أن الضحايا لا يقمن بالإبلاغ بسبب الخوف خاصة في ظل القوانين الحالية.

وكانت دراسات استقصائية حديثة أجرتها وكالات أممية مختلفة قد ذكرت أن حوالي 75٪ من النساء لا يبلغن عن تعرضهن لعنف أسري كجريمة، فيما قال 85٪ من الرجال العراقيين إنهم يمنعون قريباتهن من الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم.

حتى القانون وحده لا يكفي!

ولا يوجد إحصائيات دقيقة حتى في حالة جرائم العنف ضد النساء الأكثر وضوحا مثل ما يعرف بـ"جرائم الشرف" إذ أنه من الصعب تحديد عدد العراقيات الضحايا حيث إنه في الغالب ما يشمل ذلك حوادث الانتحار فيما يقول نشطاء إن العائلات تستخدم ذلك كذريعة لإخفاء الأمر وهو ما يلقى قبولا من السلطات المحلية.

وفي ضوء كل هذه المعطيات، يقول نشطاء إن سن قوانين ضد العنف الأسرى لن يكون بالأمر الكافي.

وفي مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في مارس / آذار الماضي، كتبت الناشطة البريطانية-الكردية البارزة رويدا مصطفى تقول "التشريع وحده لا يمكن أن يغير الأوضاع الثقافية، لأنه من أجل إحداث تغيير ثقافي، فإن مجتمعنا في حاجة إلى حوار وطني يتطرق إلى هذه القضية بشكل شفاف وصريح".

وقالت إن العراق في حاجة إلى تغيير تشريعي واجتماعي.

ويرى مراقبون أن الوضع في إقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، قد يكون المثال الجيد في هذا الصدد حيث جرى سن قوانين أكثر صرامة مثل "قانون مكافحة العنف الأسري" الذي وافق عليه برلمان الإقليم عام 2011 ويتضمن عقوبة السجن المؤبد في حالة الإدانة في "جرائم الشرف".

جرائم العنف الأسري ليست أولوية

ورغم ذلك، فإن الإقليم لم يشهد انخفاضا في عدد جرائم العنف الأسري والجنسي و"جرائم الشرف" إذ أنه خلال جائحة كورونا بين عامي 2020 و2021، قد ارتفع معدل هذه الجرائم.

وفي هذا السياق، قالت منظمة المساعدة القانونية للمرأة، وهي منظمة غير حكومية مستقلة مقرها مدينة السليمانية، إن هناك عوامل أخرى تعرقل تنفيذ القانون، مضيفة إلى أنه على الرغم من وجود عدد مرتفع من جرائم القتل والانتحار والشرف، إلا أنه لم يتم حسم قضية من قضايا قتل النساء في نظام المحاكم الخاص بالمدينة خلال عام 2021.

وفيما يتعلق بمدى تطبيق قانون العنف الأسري في إقليم كردستان، أشارت المنظمة إلى أن تباطؤ النظام القضائي غالبا ما يدفع الضحايا إلى إسقاط الشكاوى، مضيفة أن الجرائم ضد النساء لا تتصدر الأولويات.

ويقول نشطاء إن السلطات تعطي الأولوية لجرائم القتل بين الذكور فيما تعتمد معاقبة مرتكبي جرائم العنف الأسرى أو قتل الإناث على الروابط القبلية أو السياسية.

بادرة إيجابية

تقول رازاو صالحي، الباحثة المعنية بشؤون العراق في منظمة العفو الدولية، إنه لا يمكنها حسم فرضية هل القانون وحده كان كفيلا بإنقاذ حياة طيبة العلي؟

وأضافت "لكن يمكننا القول بإنه في حالة استمرار حالة اللامبالاة من قبل الدولة بما في ذلك عدم معاقبة الجناة، فإننا سنرى المزيد من الضحايا ولن تكون طبية الأخيرة".

وشددت على أن الأمر يتطلب الكثير من التغييرات، مضيفة أن "السلطات العراقية رفضت حتى اتخاذ الخطوة الأولى، وهو ما يوحي بأن هناك عقبات ثقافية كبيرة تعرقل إحداث التغيير".

وفيما يتعلق بالعوائق الثقافية، يقول نشطاء إن هناك بادرة إيجابية في هذا الصدد تتمثل في أن عنصر الشباب قد يدفع نحو التغيير.

ففي عام 2020 وبعد تقديم أحدث نسخة من قانون العنف الأسري إلى البرلمان العراقي للبدء في نقاشه، أجرى "مركز البيان للدراسات والتخطيط" ومقره بغداد استطلاعا للرأي للوقوف على المواقف العامة تجاه القانون.

وكشف الاستطلاع عن أن القانون الجديد يحظى بدعم 89٪ من السكان الذين شملهم الاستطلاع، فيما يعتقد 95 بالمئة من المشاركين أن ضرب الزوج زوجته يعد جريمة تتطلب العقاب قانونيا.

بيد أن اللافت في نتيجة الاستطلاع أن أكثر من 77 من المشاركين الذين أكدوا على أهمية القانون تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما.

كاثرين شاير / م. ع